من الأمور اللافتة في الساحة المحلية أن البعض يريد من الآخر أن يكون نسخة طبق الأصل منه وإلا فإنه يلغيه. إن كان يقول مثل ما يقول ويفعل مثل ما يفعل فهذا يعني أنه يسير على الصراط السوي، أما إن كان له رأي مختلف عنه ويفعل ما لا يريد منه ذلك البعض أن يفعل فهذا يعني أنه أساساً لا يستحق الحياة فكيف بالاحترام؟
قبل أيام التقيت بأحد السياسيين من ذوي الخبرة، قال لي إنه فوجئ بمستوى تفكير البعض وقدراتهم على قراءة المشهد المحلي وإصرارهم على تكرار نفس الأخطاء التي وقعوا فيها، وأضاف أن ما حدث في السنوات الخمس الأخيرة كان محكاً مهماً كشف معدن الكثيرين وقدراتهم ونوعية التفكير الذي تحتويها عقولهم. وأضاف أن البعض للأسف فشلوا وأكدوا فشلهم ولم ينجحوا في الامتحان.
السياسي لم يكن يتحدث عن العامة ولكن عن النخبة التي وقعت بسهولة أسيرة التفكير الطائفي وصارت تدافع عن شعارات لا تؤمن بها وترفعها فرحة ومعتبرة أنها هي الصح وأن غيرها هو الخطأ. وتساءل بألم هل يمكن للنخبة أن يلغوا الآخر فقط لأنه مختلف عنهم وينظر إلى الأمور من زاوية أخرى؟
للأسف هذا واقع ينبغي أن تلتفت إليه «المعارضة» وتدرسه جيداً، ذلك أنه إذا كان بينها من يعتبر نفسه الصح كله ويعتبر الآخر الخطأ كله فإن هذا يعني أنها تعاني من عقل متحجر وتسهم في تعقيد المشكلة وتأخير حلها.
سياسي آخر التقيت به في اليومين الماضيين أيضاً أكد كل ما قاله الأول وزاد عليه أن ما يحدث حالياً من مآس في سوريا والعراق وليبيا واليمن ولبنان وغيرها من الدول التي صارت تعاني سببه هو أن كل طرف يعتقد أنه وحده الذي يمتلك الحقيقة كاملة وأنه لا طريق أمامه سوى أن يقضي على الآخر ليعلو الحق وأنه لهذا سيطر صوت الرصاص حيث صار كل طرف يعتقد أنه بقوة السلاح يمكن أن يؤكد للعالم أنه هو وحده الصح وأن كل ما عداه احتضن الباطل ودافع عنه.
خطورة ما يجري في تلك الساحات نتيجة هذا التفكير وتأثيره على بعض العقول هنا، وما يجري في الساحة المحلية التي بدأ التفكير نفسه ينتشر فيها هي انتقال العدوى وإضافة هذه الساحة إلى تلك الساحات فتصير البحرين سوريا أخرى وعراقاً آخر، فلا نتيجة لإلغاء الآخر إلا هذه النتيجة لأن الآخر أيضاً لن يسكت ويعتقد أن الآخر بالنسبة له على باطل وينبغي أن يزول.
نحن إذن أمام تفكير أخرق متخلف لا ينتج خيراً، فهل نستمر في الفرجة؟ هذا السؤال موجه بالدرجة الأولى إلى كل عاقل في هذا البلد الطيب وخصوصاً تلك الفئة التي لاتزال تؤثر الصمت وبينها من يمكن أن يعتد برأيه وخبرته، فلا بد من التحرك والتكاتف والوقوف في وجه هذا النوع والمستوى من التفكير لأنه باختصار ليس بعد الإيمان بإلغاء الآخر سوى الدمار والفناء، فإن تلغي الآخر يعني أنك تريد أن يسير كل شيء على هواك، ولأن الآخر يعتقد الأمر نفسه لذا فإن النتيجة المنطقية هي قضاء كل طرف على الآخر المختلف معه.
هذا للأسف صار واقعاً، وصار لا بد من عمل عاقل يوقف هذا النزيف، ففي مثل هذه الأحوال لا ينفع سوى الاعتراف بالآخر وبحقه في الحياة والعيش والتفكير لأن عكس هذا يعطي الآخر حق إلغائك لأنك وغيرك بالنسبة له تمثلون الآخر فيسعى إلى إلغائكم كي يفرض نفسه، وتسعون إلى إلغائه وإلغاء كل الآخر لتفرضوا أنفسكم، وهذا أمر لا يستقيم أبداً لأنه لا يمكن أن يصير الآخر نسخة منك.