كتب أحدهم معلقاً بالأمس، ويبدو أن تعليقه جاء بعد قراءته للأخبار المتداولة بشأن رفع أسعار التبغ، بأن المؤشرات تقول إنه سيأتي علينا يوم ندفع فيه «ضريبة هواء»!
طبعاً هي مبالغة في الوصف، لكن بسؤاله يتبين أن الأيام الأخيرة حملت أخباراً متوالية عن التوجهات القادمة بشأن رفع أسعار بعض المواد ورفع الدعم عن أمور ستجعل المواطن يدفع مبالغ أكثر مما يدفعها حالياً. والمثير - بحسب ما يقول - أن هناك تدافعاً في التصريحات الصادرة عن بعض الوزراء بشأن التلميحات لرفع أسعار خدمات هنا، أو فرض رسوم زائدة هناك. طبعاً الحديث عن «إعادة توجيه الدعم» انتهى، فاللحم على ما يبدو هو الذي عوض عنه الناس فقط بمبالغ زهيدة حسب وصفهم.
لو بحثنا في أوساط الناس لوجدنا أن الكلام زائد والتكنهات كثرت، والقلق يتعاظم، ولسان حالهم يقول «ماذا يخفيه المستقبل»؟!
هذه التساؤلات لا تنهيها أو تقلل منها إلا إجابات شافية صريحة وواضحة، وهي المسألة التي دأبنا على قولها والإشارة لها والتذكير فيها، وقلنا لا يكفي أن يخرج السادة الوزراء بتصريحات إعلامية «ذات اتجاه واحد» وتقدم توضيحات بحسب ما يفكر أصحاب القرار، بل التصريحات لابد أن تكون مبنية على «تلاقٍ» و»تفاعل» مع أسئلة الناس. إذ كثير من التصريحات الرسمية تعبر عن رأي السلطة التشريعية، باعتبار أن هناك رسالة يُهدف لتوصيلها للناس، وليست مبنية في أساسها على الرد على التساؤلات.
لذا فإنه من المهم أن يكون هناك حوار على مستوى أصحاب القرار والمعنيين بتنفيذ السياسات مع المتأثرين بها، أي شريحة الناس التي تمثل المجتمع، بحيث توضع النقاط على الحروف، ويتم تقليل الهواجس والمخاوف، ويتم تصحيح أية معلومات تنشر بصورة مغلوطة أو على هيئة إشاعات، والأهم طبعاً تطمين المواطن على مستقبله.
في هذا الصدد لفت انتباهي اللقاء الذي أقيم مؤخراً من قبل وزارة الإسكان وبالتعاون مع محافظة العاصمة، وهدفه الالتقاء بالمواطنين في العاصمة والرد على استفساراتهم بخصوص الخدمات الإسكانية وما استجد على سياسات الوزارة.
مثل هذه اللقاءات المباشرة مهمة، إذ هي تجمع أصحاب الشأن معاً وجها لوجه، وفيها تسقط الحواجز ويتكلم الناس بأريحية، وعلى المسؤول أن يصل إلى أقصى درجات التحمل والتفهم والإدراك بأنه يمثل مسؤوليته هنا تجاه الناس، وعليه واجب الرد والإيضاح والتطمين وإزالة اللبس.
كنا سمعنا منذ سنوات عن اللقاءات المفترض أن يعقدها السادة الوزراء مع الناس من خلال مجالس مفتوحة في وزاراتهم، يلتقون فيها المتعاملين ويردون على استفساراتهم. لكن السؤال هنا: كم وزيراً طبق هذا التوجه؟! وكم وزيراً حرص على فتح مجلسه أسبوعياً؟! هناك من حاول وأنجز، وهناك من مازال بينه وبين الناس حاجز، وهذا أمر سلبي لا يخدم وينبغي تصحيحه.
نحتاج لمزيد من الوضوح والشفافية، والأهم نحتاج لإجابات مباشرة لا تلف ولا تدور على أسئلة الناس. إذ حتى الآن لم يجب أحد الناس بشأن وضع رواتبهم ومزاياهم وبدلاتهم، وهل ستمس أم هي محفوظة؟! هل حقوقهم التقاعدية ستتأثر أم لا؟! هل هناك زيادات في الرسوم ستصل لمستوى يضطر معه الإنسان لتغيير نمط حياته بشكل جذري؟!
نعم، على الناس التعامل مع المتغيرات، وهذا أمر طبيعي في الأزمات. لكن في مقام أول، الدولة هي المسؤولة عن حماية الناس في حياتهم ومعيشتهم، وعملية التعامل مع الأزمة الاقتصادية حالياً تستوجب أن تقوم على مبادرات في التقليص والتقنين تضع المواطن في آخر جدول المتأثرين.
هناك من لم يتأثر كثيراً جراء عمليات إعادة توجيه الدعم أو رفعه عن بعض الخدمات، لكن هذه المسألة بحد ذاتها لا يجب أن تكون مؤشراً «مضللاً»، ونقول «مضللاً» لأن الحال يختلف لدى أصحاب الأسر أصحاب الرواتب المتدنية أو التي تقف عند الحد الأدنى، فعند هؤلاء يكون التأثر واضحاً فيها.
لنفتح الأبواب مع الناس، لنتحدث معهم، لنجب عن تساؤلاتهم، أقلها لنعمل على تقليل التوتر والقلق، فلا راحة مع سؤال عائم دون إجابة، الإجابات الصريحة والواضحة هي التي تحقق الاستقرار المجتمعي والنفسي طبعا.