الحروب الإقليمية قائمة الآن في الشرق الأوسط، بدءاً من ليبيا في شمال أفريقيا، انتقالاً إلى اليمن جنوب الوطن العربي، وصعوداً من العراق وانتهاءً بسوريا. معظم هذه الحروب لم تكن موجودة قبل احتفال العالم برأس السنة الميلادية لعام 2011، ولكنها حروب باتت متجذرة، وتداعياتها عميقة جداً، ومستقبل دولها غامض مع وجود مجموعة من الأطراف المحلية والإقليمية والدولية لها أدوار ومواقف ومصالح وتصورات مختلفة لكل حرب منها.
السؤال هنا، إذا كانت النسخة الأولى من «الربيع العربي» هي التي قادت لهذه الحروب، فهل ستساهم النسخة الثانية في إيقافها أو على الأقل التقليل من حدتها، أم ستزيد من وتيرتها وتصبح هذه الحروب أكثر شدة؟
صراعات وليس نزاعات تشهدها المنطقة بسبب تداعيات «الربيع العربي»، وتحول المنطقة من حالة انتشار الفوضى إلى حالة الفوضى المستقرة، بمعنى أن هذه الفوضى باتت متجذرة، ولن تتوقف سريعاً كما قد يتصور، وهي فوضى لن تنهيها مفاوضات أو مساومات أو مؤتمرات دولية أو حوارات وطنية، لأننا نتحدث عن انقلاب حاد في معادلة القوة، فبعد أن كانت القوة السياسية متركزة في قمة الهرم ـ حيث النخب الحاكمة ـ انتقلت بشكل سريع ودراماتيكي إلى قاعدة الهرم ـ حيث جماهير الشعب والقوى السياسية المختلفة ـ وبالتالي من الصعوبة بمكان إعادة هذه المعادلة إلى وضعها الطبيعي أو التقليدي إن صح التعبير.
ومادامت القوة السياسية موجودة لدى الجماهير والقوى السياسية المختلفة، فإن استمرار الصراع سيكون سمة وستظل على المدى الطويل إلى أن يمكن إعادتها تدريجياً إلى قمة الهرم. ولكن الإشكالية هنا أنها عندما تنتقل إلى القمة ستبدأ مرحلة أخرى من الصراع، فعملية الانتقال تتزامن مع تقسيم تدريجي سواءً كان طبيعياً أم مفتعلاً للدول العربية من الخليج إلى المحيط. ولذلك فإن الصراع الحالي حول الحكم أو السلطة أو مواجهة الجماعات الثيوقراطية الراديكالية في الدول العربية ما هو إلا مرحلة أولى من الصراع ستعقبها مرحلة أخرى من الصراع بعد أن يتم تقسيم الدول العربية، وتتحول إلى دويلات أصغر، حينها تبدأ المرحلة الثانية من الصراع حول طبيعة نظام الحكم، ومن الذي سيتولى الحكم، وهي مرحلة ستكون أكثر دموية من المرحلة الحالية.
ليست هذه صورة متشائمة للواقع المقبل، ولكنها حقائق آخذة بالتبلور الآن، وستظهر نتائجها قريباً، ولا يمكن القول إن النسخة الثانية من «الربيع العربي» ستؤدي إلى مزيد من الاستقرار بل ستقود إلى مزيد من الحروب الإقليمية.