تشهد المنطقة صراعاً إقليمياً يتمثل بإيران التي تحاول أن تبسط نفوذها وتتدخل في شؤون دول الجوار العربي، ودول مجلس التعاون الخليجي وبينها المملكة العربية السعودية التي ترفض هذا النفوذ، وتقاوم ذلك التدخل بكل قوة. وربما يجلب هذا الصراع إلى الذاكرة، الحرب العراقية الإيرانية وما خلفته من مصائب. وبينما كان وقتها الصراع على أساس عربي فارسي فاليوم الصراع يأخذ شكلاً أكثر دموية وأكثر عنفاً، فقد حولته إيران إلى صراع سني شيعي.
ليت إيران تتعلم من تجربتها في الحرب العراقية الإيرانية، فمقولة مؤسس الثورة الإيرانية آية الله الخميني وطموحه بتصدير الثورة إلى الجوار العربي نتج عنها الحرب مع العراق، التي لم تؤد إلا إلى إنهاك البلدين، ولم ينتج عنها لا غالب ولا مغلوب. ولم تؤد الحرب إلا لحرق أناس وأموال وإلى إرجاع البلدين والمنطقة إلى الوراء، بينما كانت كل من إسرائيل وأمريكا تبيعا السلاح للطرفين. وتلا الحرب سياسة أمريكا التي تزعمها مارتن انديك، وهو عضو بارز في الإدارة الأمريكية، والشديد التعصب لإسرائيل، وهي سياسة الاحتواء الثنائي والتي اقتضت عزل كلا البلدين، والتي أدت إلى إضعاف كل من إيران والعراق.
واليوم تسعى إيران إلى بسط نفوذها في العالم العربي من خلال تنصيب نفسها كحامٍ للشيعة في العالم، مثلما تنصب إسرائيل نفسها كحامي اليهود في العالم، وتقوم إيران بتقديم الدعم المباشر للفصائل الشيعية في البلدان العربية.
ففي لبنان قدمت إيران لأبناء الطائفة الشيعية التي كانت تعاني من الفقر والحرمان وكانت ترزح تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي الأيديولوجيا والخدمات الاجتماعية والدعم المسلح.
وفي سوريا تدخلت إيران بشكل مباشر وساندت نظام الرئيس بشار الأسد كما إن «حزب الله» اللبناني المسير من إيران منخرط بشكل مباشر في الحرب. وفي اليمن قامت إيران بدعم ميليشيات المتمردين الحوثيين مما شجعهم على الاستيلاء على الحكم، كما إن غزو العراق أعطى إيران فرصة ذهبية للسيطرة عليه من خلال دعم الميليشيات الشيعية وحكومة نوري المالكي الطائفية.
وقد أدى هذا التدخل إلى إيقاظ النعرة الطائفية في المجتمعات العربية مما أسهم باصطفاف المجتمعات العربية حول استراتيجيات طائفية، كما أدى إلى تمزيق خامة تلك المجتمعات.
والسؤال هنا، ماذا جنت إيران من حربها مع العراق؟ لا شيء، واليوم ماذا تتوقع إيران أن تجني من الصراع الطائفي؟! تصدير الثورة، وماذا سينفع طهران من تصدير النموذج الإيراني؟! هل النفوذ؟! وما نفع النفوذ في دول مشتعلة لا يمكن الاستثمار فيها، ولا يمكن تبادل الخبرات معها ولا يمكن استقطاب استثمارات منها.
فهنا نشر الأيديولوجيا لن ينتج عنه سوى دمار، ولن يعود على إيران بالنفع، وكما الحرب العراقية الإيرانية أرهقت وعزلت إيران، فالمواجهة الحالية ليست من مصلحتها كدولة ولن تؤدي إلا لعزلتها وإلى استنزاف قدراتها الإنسانية والمالية. ومن الأجدى لإيران أن تبني علاقات طيبة مع الجوار العربي مما سيساهم في نموها الاقتصادي بدل أن تساهم في تغذية الصراعات الطائفية في المنطقة.