يجب أن تتعامل كل المؤسسات الرسمية مع وسائل الإعلام، وعلى وجه الخصوص الصحافة بصورة لائقة، والأهم من كل ذلك، هو أن تظل العلاقة بين المؤسسة الرسمية وبين الصحافة علاقة مكملة، وأن كل منهم يكمل الآخر من حيث قيمة العطاء والمبادرات الإيجابية بين الطرفين، وأن يتفهم كل منهما أن الأول يكمل الآخر وليس عدو الآخر والعكس صحيح.
يجب أن ينتفي الخوف من الصحافة ومن كل أشكال النقد الإعلامي، كما يجب أن تُبنى علاقات ما يسمى بحسن الثقة بين المؤسسات الرسمية متمثلة بإدارات العلاقات العامة وبين الصحف المحلية وغيرها من وسائل الإعلام الأخرى، وأن تهدم كل الأسوار الفاصلة التي بناها «الحرس القديم»، ممن كان يمسكون بتلابيب العلاقات العامة في بعض المؤسسات الحكومية من أجل أن تتجدد بعض القيم التي كانت غير موجودة أصلاً، وألا تسير الإدارات الحالية كما سارت من قبلها الإدارات القديمة على «طريق الخوف»، فالنقد القائم على التصحيح والمودة وحب الوطن أكبر من أن تتحسس مؤسسات بأكملها من مقال عابر في صحيفة يومية ينتقد أدائها بشكل حضاري وبنَّاء ومؤدَّب.
من يخاف النقد ويخشاه، فهو يخاف من التغيير نحو الأفضل، بل نحن نؤمن بأن من لا يحب الاستماع للنقد الهادف، فإنه لا يريد للمؤسسة الرسمية أن تتطور وتواكب النهضة الحاصلة في كل أرجاء العالم من حولنا، إذ أن الكثير من العقليات التي تمسك بزمام العلاقات العامة تحب الجمود، لأنها لا تريد أن تعمل، ولكسلها الكبير تقوم بتجاهل كل ما يكتب عنها وعن أدائها، لأنها أدمنت التلميع الفارغ.
هناك حالة أخطر من هذه الحالة، وهو أن بعض المؤسسات الرسمية تحذر منتسبيها من التعامل مع كل وسائل الإعلام أو اللجوء إلى الصحافة في حال سُدَّت كل المنافذ في وجوه أصحابها، وهذا النوع من الديكتاتورية المتوفرة في بعض إدارات العلاقات العامة لا تتناسب ولا تتسق مع متطلبات الدولة المدنية الحديثة، ولهذا يجب إعادة النظر في سياقها الحالي لبناء أفق أكبر نحو مستقبل أكثر إشراقاً يصب في صالح الوطن.
إليكم هذه القصة الحقيقية. قبل مدة وجيزة، كتبنا مقالاً هنا حول تقصير مؤسسة تعليمية ومهنية تتبع إحدى مؤسسات الدولة الرسمية حيال موظفيها، فحدث أمران متناقضان ومتباينان للغاية. الموقف الأول، هو أنْ هاتفني مشكوراً مكتب سمو رئيس الوزراء الموقر متفاعلاً مع ما طرحته من أجل إيجاد حلٍّ للمشكلة التي تبنيتها في مقالنا كما هي عادة مكتب سموه مع مشاكل المواطنين، أمَّا الموقف الآخر المناقض للموقف الأول، هو قيام تلكم المؤسسة التعليمية بإرسال رسائل إلكترونية «إيميلات» تحذر من خلالها منتسبيها من اللجوء إلى الصحافة وإلا سوف تحيلهم إلى التحقيق!
هذا الموقف الصادم، يعطينا بعض المؤشرات الصريحة بأن هناك بعض العلاقات العامة ما زالت تعمل وفق مرئيات عفى عليها الزمن، ولهذا يجب أن تنتبه الدولة لهذه المشكلة، وأن تقوم باختيار أعضاء هذه الإدارات وفق القيم الحديثة، ولعل من أهمها الشجاعة ومواجهة المشكلة بدلاً من الهروب إلى الخلف في عملية لا يمكن أن نسميها إلا «بالجبانة»، فالمواجهة خير من الخوف.