الاستثمار في قطاع التعليم استثمار رابح بكل المقاييس إذا ما حظي ببيئة مناسبة، وتوجه الدولة نحو هذا النوع من الاستثمار يحقق لها سياحة من نوع آخر.
تتوجه عدد من الدول إلى تنشيط سياحة جديدة تعرف حديثاً بالسياحة التعليمية، لا أعني تلك الدول المتقدمة التي عرفت هذا النوع من السياحة منذ زمن وأصبحت جزءاً من اقتصادها، بل أعني دول العالم الثالث المشابهة لدولنا، منها دول إسلامية وأخرى غير ذلك، تحرك اقتصادها وتطور تصنيعها وإنتاجها بفضل هذا النوع من السياحة، بعض هذه الدول لم تكن تملك اقتصاداً أو ثروة كالتي نملك، وأخرى لم يكن مجتمعها متعلماً بشكل كامل، منها ما يملك الخبرات والكفاءات التي تتولى عملية التعليم وأخرى شجعت العلماء والأساتذة على ترك بلدانهم والتوجه لها، فاشترت أغلى سلعة في العالم لتستثمر من خلالها، وبنت الجامعات وأسست مدناً بناءً على وجودها، هذا النوع من السياحة حقق للدول نمواً اقتصادياً هائلاً، فهو استثمار مزدوج العوائد فبالإضافة إلى الربح المادي المتحقق من ورائه هناك ربح أهم وأنفع للدولة وهو بناء الإنسان وتنمية قدراته، فازدهار هذا النوع من السياحة شجع مواطني الدول التي تعتمدها إلى الدخول فيها، وخلال سنوات قليلة تحولت هذه المجتمعات إلى مجتمعات عالية التعليم في اختصاصات دقيقة شتى، وفي مستويات مختلفة من العامل الماهر مروراً بالتقني ووصولاً إلى المخططين والمفكرين، فانتقلت إلى المرحلة الأخرى، مرحلة بناء المصانع والإنتاج، والأمثلة على ذلك كثيرة فما حصل في ماليزيا وأوكرانيا وتركيا من طفرة ودعت العالم الثالث وتركته وراءها كانت نتيجة الاهتمام بالتعليم.
دخول أي بلد في هذا النشاط السياحي الجديد يتطلب مجموعة من الخطوات أولها تطوير التعليم في البلد بطريقة ابتكارية تحدث انفجاراً في هذا القطاع وتبدأ بإعادة النظر بقانون التعليم ليتناسب ودوره الجديد، ليتم من خلاله منح صلاحيات مالية وأكاديمية أوسع لمؤسسات التعليم، وكذلك مراجعة قانون الاستثمار ليفتح الطريق أمام المستثمرين في هذا القطاع، وكذلك تخصيص نسبة كبيرة من ميزانية الدولة لقطاع التعليم لتنشأ جامعات حكومية جديدة، هذا بالإضافة إلى الإنفاق على تطوير البنية التحتية وفق المقاييس العالمية من شوارع ومبان وجسور ومعابر ووسائط نقل وخدمات الكهرباء والماء لتستوعب القادمين للدراسة، وهو ما يحتاج إلى مبالغ كبيرة جداً لكنها بعد مدة ليست بالطويلة تعود بالربح والنفع على البلاد، فمن غير المستغرب إذا علمنا أن ماليزيا خصصت 20% من ميزانيتها للبعثات الخارجية فقط بعد الاستقلال، والأهم من ذلك ألا تغلق الدولة أبوابها أمام الزائرين وتقدم تسهيلات لدخول أراضيها وهذا ما فعلته الدول التي نجحت في هذا الجانب وأبقت على سياستها هذه بعدما حققت غاياتها من التعليم.
منطقة الخليج العربي مؤهلة اليوم للدخول في هذا القطاع من السياحة فأقرب الدول المنافسة تركيا غرباً وماليزيا شرقاً وكلاهما بعيد نسبياً وغير عربي، أما المملكة الأردنية فخطت نحو هذا الاستثمار خطوات لكنها ليست كبيرة.