بلا مبالغة، في السابق كنا نتعوذ من الشيطان الرجيم «الوسواس الخناس»، لكن في زمننا هذا بتنا نتعوذ من «الناس».
طبعاً ليس كل الناس، لكن هناك نوعيات منهم تفوقوا على إبليس نفسه، بل كفوه تعب الوسوسة والإغواء، ولربما هو نفسه يخاف منهم.
سأتحدث على الصعيد الإداري عن هذه النوعيات، بادئاً هذه السطور بالقصة أدناه:
سأل مدير ثلاثة موظفين في العمل هل 2+2=5؟!
فأجاب الأول: نعم يا سيدي =5.
أما الثاني فأجاب: نعم يا سيدي =5 إذا أضفنا لها 1.
أما الثالث فقال: لا يا سيدي خطأ فهي =4.
وفي اليوم الثاني لم يجد الموظفون زميلهم الثالث في العمل، وبعد السؤال عنه علموا أنه تم الاستغناء عنه!
تعجب نائب المدير، فذهب للأخير وسأله: يا سيدي لماذا تم الاستغناء عن الموظف الثالث؟!
فرد المدير قائلاً:
أما الأول فهو «كذاب» ويعلم أنه كذاب، وهذا النوع مطلوب.
أما الثاني فهو «ذكي» ويعلم أنه ذكي، وهذا النوع مطلوب أيضاً.
وأما الثالث فهو «صادق» ويعلم أنه صادق، وهذا النوع متعب ويصعب التعامل معه!
هنا سأل المدير نائبه: والآن هل 2+2=5؟!
فقال نائبه: سمعت قولك يا سيدي وعجزت عن تفسيره، فمثلي لا يستطيعون تفسير قول عالم.
فرد المدير قائلاً: وذلك النوع «منافق»، وهذا النوع محبوب!
الآن لنطبق هذه القصة ومضامينها على الواقع، إذ لدينا على صعيد الشخصيات نوعيات مختلفة، وفي القصة أعلاه نتحدث عن أربعة أنواع من أنماط الشخصية، الكاذب والذكي والصادق والمنافق، بيد أن هناك نوعاً آخر أكثر خطورة سنتركه للنهاية.
كلكم تعرفون من هو الكاذب، وفي قطاعات الأعمال نجد هذه الشخصيات هي صاحبة اليد الطولى في الإضرار بزملائهم، خاصة حينما يمارسون الكذب والتدليس على المسؤولين، والأخطر حينما يكون هذا الكذب موضع الأخذ بالاعتبار، هنا لربما يتم ظلم عشرات، ويتم إيقاع الضرر بهم، والأدهى التسبب بتهميش المجتهدين والكفوئين والمخلصين بسبب الكذب الذي يمارسه الموظف الكاذب. طبعاً دون أن ننسى الأضرار التي تقع على المؤسسة جراء أفعال هذه النوعية من البشر، فحتى المسؤول الناجح إن منح أذنه وثقته للكاذبين فسيقودونه للكارثة وإلى ارتكاب المصائب واحدة تلو الأخرى.
أما النوع الثاني الذي ذكره المدير وهو «الذكي»، فالمقصود في سياق القصة هو ذاك الشخص الذي نسميه بلغتنا الدارجة «العيار»، إذ هو يحسب كل كلمة، ويقيس كل فعل، ويطوع الكلام بما يخدم مصلحته، وبما يجعل آذان المسؤول تطرب لسماعه، هو في نفس خانة الكذاب لأنه لا يقول الحقيقة، لكنه يختلف عنه كونه ذكياً حاضر الذهن، لكن للأسف ذكاؤه لا يوظف بالطريقة الصحيحة، هو يستخدمه ليضمن مكانه ويحصل على رضا مسؤوله، سواء أكانت ممارسات الأخير صحيحة أم خاطئة. هؤلاء هم من يطبقون معادلة «اربط الحمار في المكان الذي يريده صاحبه»، وضررهم كبير أيضاً على القطاع والعمل.
أما النوع الثالث والذي تعرض لظلم المدير فهو الموظف «الصادق»، وهنا المفارقة العجيبة التي نجد لها أمثلة عديدة في مجتمعنا وقطاعاتنا، فكثير من الصادحين بالحق ومن يقولون الصدق هم «محاربون» من قبل المسؤولين، من يكتشفون الأخطاء ويظهرونها ويتكلمون مطالبين بتصحيحها هم «مصدر قلق» و«أزمات» تمشي على الأرض بالنسبة لبعض المسؤولين، وعليه عملية «إبعادهم» أو «تفنيشهم» أو «تهميشهم» أو «تكسير مجاديفهم» عملية مطلوبة في عرف أولئك المديرين الذين لا يحبون سماع الحقائق ولا النصائح، ويفضلون «الكذب» و«العيارة»، بل يحيطون أنفسهم بنماذج مختلفة متنوعة من الكذابين و«الكلكجية» كما نقول بلغتنا البحرينية الجميلة.
لكن الصنف الرابع أخطر، فـ«المنافق» هو من يجمع صفات سيئة عديدة، هو كذاب فيما يقول، عيار في ممارساته وتعاملاته، يمكن أن يحول نفسه لـ«سجادة» يمشي عليها المسؤول، أو «منفضة سجائر» يطفئ فيها عقب سيجاره، هو مستعد أن يقول له بأن الأسود أبيض والعكس، هو مستعد بأن يمتدحه على الأخطاء ويصورها له نجاحات. وللتذكير رسولنا الكريم صلوات الله عليه حذر أمته من «المنافقين» الذين يندسون بين ظهرانيهم يبدون ما لا يبطنون، ويقولون ما لا يؤمنون، هؤلاء أحفاد عبدالله بن أبي بن سلول حينما تجدون نوعيات مثلهم تحيط بالمسؤول وتتحلق حوله، وتنافقه وتجامله، ادعوا لهذا المسؤول بأن ينزل الله رحمته عليه وأن يفتح عينه وأن يجنبه شر هؤلاء، والله ما أضاع كثيراً من المسؤولين إلا المنافقون من حولهم.
لكن العينة الأخطر من بين هؤلاء هم المسؤولون أنفسهم، وتحديداً أولئك الذين يحاربون «الصادقين» و«المخلصين» في عملهم، أولئك الذين لا يريدون سماع الحقائق بل العكس، أولئك الذين يرون في المخلصين الصادقين مصدر تهديد، ولا يعرفون كيف يتعاملون معهم.
المسؤول صاحب الأخلاقيات الصادق في قوله المتقن في عمله من الاستحالة أن يقبل كتيبة عمل معه لا تتحلى بالصدق وفضائل الأخلاق، والمسؤول الذي لا يتحلى بذلك، وذو القدرات الضعيفة والذي خدمته الصدفة أو الحظوة بأن يكون في منصب مهم وحساس، سيحرص بل سيستميت على خلق جوقة من الضعفاء والمنافقين والكذابين حوله.
عموماً، هذه النوعيات والله نتعوذ منها أكثر مما نتعوذ من إبليس الرجيم، فما أتعب الدول ودمر حضاراتها وأفشل أعمالها سوى الكذابين و«العيايرة» والمنافقين ومن يثق بهم ويقربهم من مسؤولين غير جديرين بالثقة لأنهم يحاربون أصحاب الصدق والحقيقة.