هنا مفارقة تستوجب النظر فيها ملياً. كل فضائيات العالم ومراسليها يتحدثون منذ نحو أسبوعين عن «قتل وإصابة العشرات من المدنيين بينهم نساء وأطفال في قصف كثيف نفذته الطائرات الروسية والسورية على حلب»، وكلها وكلهم يتحدثون عن أن هذا أدى إلى نزوح السكان أملاً في الإفلات من الموت، وأن الوضع هناك مأساوي بمعنى الكلمة خصوصاً بعد قصف المستشفيات، وأن مدينة حلب تشهد وضعاً كارثياً وشللاً شبه تام. وكل العالم يتساءل عن سر إعلان روسيا أنها لن تمارس ضغوطاً على دمشق لكي توقف غاراتها على هذه المدينة المنكوبة، ويتساءل أيضاً عن ردة الفعل الباردة للأمريكان وبطء تحركهم وكذلك بطء تحرك العرب الذين ربما تمكنوا من عقد جلسة طارئة للجامعة العربية اليوم، ومع هذا تستمر الفضائيات الإيرانية وتلك التابعة لها والتي تدور في فلكها وتنفذ الأجندة نفسها في القول إن من يقوم بقصف حلب هم «المعارضة» و«داعش» وكل مجموعة تتخذ موقفاً سالباً من بشار الأسد وإيران.
هل هذا معقول؟ من لا يصدق هذا الكلام ليس عليه سوى متابعة تلك الفضائيات أو بعضها مثل «العالم» و«الميادين»، ليعلم كيف أنها تعمل على تقديم صورة مغايرة تماماً لما يراه العالم ويسمعه على مدار الساعة. السؤال هنا، ليس لماذا تفعل تلك الفضائيات ذلك، فالجواب معروف وليس فيه شطارة كون هذه الفضائيات مسيرة وليست مخيرة، وتعمل ضمن أجندة معينة لا تستطيع الخروج عنها، ولكن السؤال هو، كيف لها أن تستمر في تقديم صورة مغايرة تماماً لما يحدث على الأرض وتريد من العالم أن يصدقها؟ إذا كان العالم كله يعلم تمام العلم أن المعارضة السورية لا تمتلك طائرات لتقصف بها فكيف له أن يصدق أن من يقوم بالقصف ليست القوات السورية وليست الروسية اللتين تسيطران على الأجواء في سوريا؟
ما تبثه هذه الفضائيات عما يدور في مدينة حلب يوفر مثالاً على إمكانية أن تقوم دول أو جهات معينة بعملية لي عنق الحقيقة واستغلال الإعلام وتحويله من أداة نافعة وخادمة إلى وسيلة ضارة ومهينة للإنسانية. حلب اليوم تعيش مأساة وكارثة إنسانية كبيرة، ومن الظلم أن يستغل كل ذلك للترويج لأفكار وتوجهات معينة، فمن يموتون هناك بشر، ومن يصابون من الرجال والنساء والأطفال بشر، ومن ينزحون عن حلب ويتحولون إلى متشردين ومهاجرين بشر، ومن تهدم بيوتهم فوق رؤوسهم ولاتزال فرق الدفاع المدني تحاول إخراج جثثهم من تحت الأنقاض بشر. هل يعقل أن يشاهد الإنسان كل هذه المشاهد والصور ثم يصدق ما تقوله تلك الفضائيات التي هي جزء من النظامين السوري والإيراني وأدواتهما؟ المثير أن مراسلي تلك الفضائيات يشعرون المتلقي أن ما ينقلونه له هو الحقيقة وهو الواقع وأن ما تقوله فضائيات العالم بأسره محض اختلاق الهدف منه كسر شوكة الأسد وإسقاط نظامه وضرب إيران التي «آلت على نفسها إنزال الهزيمة بالإرهاب».
ما تشهده حلب منذ أسبوعين يدخل في باب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وعدوان مطلوب من العالم أن يتكاتف لوقفه، فليس الإرهابيون هناك هم من يتلقى الضربات ولكن المدنيون الذين لا حول لهم ولا قوة ولعلهم اتخذوا دروعاً بشرية كما يحدث في كل الحروب القذرة.
هل يمكن أن يسفر اجتماع الجامعة العربية «الطارئ» المقرر أن ينعقد اليوم في القاهرة على مستوى المندوبين بناء على طلب من دولة قطر لبحث التطورات في حلب عن قرار يسهم في وقف العدوان على المدنيين الأبرياء؟ أم أنه سيكتفي بإصدار بيان شجب أو إدانة أواستنكار؟ أم أن السؤال الذي ينبغي أن يطرح هو هل سيعقد هذا الاجتماع أم لا؟