تروي إحدى القصص أن فيلا هرب من الغابة، فسألوه: لماذا هربت؟ فرد عليهم: لأن الأسد قرر أن يقتل كل الزرافات في الغابة!! فردوا عليه: لكنك فيل ولست زرافة! فقال: أعلم أني فيل، ولست زرافة، ولكن الأسد كلف صديقه الحمار بمتابعة الموضوع!
إن أفدح ثمن تدفعه أي منظمة من جراء عدم اختيار الشخص المناسب هو هروب الخبرات والكفاءات التي تجد طريقها سريعا إلى الخارج والكثيرون جاهزون لتلقفها.
لذلك مهما كانت لدرجة الشهادة ونوع التخصص المطلوب أو حتى الخبرة، أهمية كبيرة فإنهما ليسا الأساس الحاسم لاختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، وهنا لا أتكلم عن المناصب بل عن أي وظيفة كبرت أوصغرت في السلم الوظيفي. إن من يعتمد على المحورين السابقين كأساس في توظيف الشخص المناسب يرتكب خطأ عظيما. وأريد أن أكرر انني لا ألغيهما بل كليهما أو أحدهما أساس للانطلاق في حصر الأفراد المناسبين، ولكن هناك الأهم والأعظم تأثيراً في المؤسسات الناجحة. اذكر هنا حديثاً لإحدى مديرات الموارد البشرية في إحدى كبرى المؤسسات البحرينية العاملة في قطاع خدمات الشحن وتوصيل الطرود، عن توظيف مدير في إحدى الأقسام المحورية في الشركة، وكانت مؤهلات الشخص المهنية وخبراته العملية رائعة - والكلام لمديرة الموارد البشرية - وقد اجتاز جميع المقابلات بنجاح منقطع النظير، إلا أنها كانت الوحيدة من بين من قابلهم التي لم توص بتوظيفه، وبعد أقل من ثلاثة أشهر قدم المدير الجديد استقالته، وفضل البحث عن عمل في شركة أخرى. عندما سألتها لماذا لم توص بتوليه الوظيفة رغم كفاءته المهنية؟! كان ردها في غاية العمق، حيث ذكرت أهم سبب لاختيار الأكفء من بين كفاءات عديدة، وهو شخصية وثقافة المتقدم وانسجامهما مع ثقافة المنظمة، وأنه في هذا الجانب لم يكن المرشح الأفضل، وبالتالي لن يشكل أي إضافة للمنظمة التي كانت تتميز بالانفتاح بين موظفيها، وعدم وجود الفواصل التقليدية بين الموظفين والإدارة. كانت تفضل أن تختار شخصاً أقل منه قليلاً في الخبرة والكفاءه، لكنه أكثر انسجاماً مع ثقافة وقيم وروح المنظمة. إن الاختبارات التي يجب أن تجرى لأي موظف سوف يلتحق بوظيفة ما يجب ألا تقتصر على الإجراءات الروتينية المتبعة حالياً، والمستندة على الخبرة والمعرفة العلمية، وبكل تأكيد ليست العلاقة الشخصية، ولكن لابد أن تشمل أمور أخرى ستكون هي محور ليس فقط نجاحه بل تحوله إلى عنصر مؤثر ومهم في نجاح وتقدم المنظمة، سواء كانت خاصة أو حكومية.
دعونا نتذكرحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: إذا أسند الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة»، وسنتناول في مقالات قادمة ماذا قصد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بذلك، وما هي صفات المؤهلين بعيداً عن النظره التقليدية المعتمده الآن.
* مطور أعمال وقدرات بشرية