منذ بواكير القرن العشرين، حيث بدايات التعليم النظامي، وبدايات المجتمع المدني الحديث في البحرين، عوّلت الدولة دائماً على ضرورة التحالف مع إحدى القوى السياسية المحلية في إطار إحداث التوازن السياسي الداخلي، هذا التعويل لم تكن نتائجه إيجابية في الغالب، فهو يفيد كثيراً أوقات الأزمات لا أكثر، لكنه يساعد على تكوين بيئة خصبة داخلية لاحتضان التطرف وتسويق الأجندة والمشاريع السياسية الخاصة.
هذا بالفعل ما حدث طوال 97 عاماً الماضية، حيث تحالفت الدولة مع القوى السياسية باستمرار، فتارة كان اليسار، أو الإسلاميين، أو القوميين.. إلخ. تلك مراحل هامة من تاريخ البحرين السياسي كانت لها ظروفها وتفاصيلها المعقدة، ونتائجها التي ندفع ثمنها اليوم.
لكل سياسة مبرراتها، لكن لا تبرير لمصالح الدولة، فتلك المصالح خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو المساس به، فزوالها يعني زوال الدولة، تلك هي المعادلة ببساطة.
نتفهم المبررات المختلفة التي دفعت الدولة إلى التحالف مع القوى السياسية المحلية في كل مرحلة تاريخية، لكن هذه التحالفات تحتاج إلى تقييم مستمر، فيكفي حالة التقلب في التحالف مع قوى سياسية مختلفة، وتكون النتيجة مخيفة، لأنه عندما تتحالف الدولة مع قوة سياسية محلية، فإن الأخيرة تعمل على تحقيق مصالحها وتنفيذ أجنداتها، وتتغلغل سريعاً في مؤسسات الدولة حتى تصل لمرحلة تعتقد فيها أنها هي الدولة!
استقلالية الدولة عن القوى السياسية حاجة ملحة، ولدينا الكثير من الدروس التي تدفعنا إلى انفصال نهائي عن هذه القوى، والاكتفاء بالمساحة الدستورية المقررة لجميع القوى السياسية التي تعمل تحت مظلة القوانين الوطنية. ويبقى السؤال، إذا لم تتحالف الدولة مع القوى السياسية، فمع من تتحالف؟
ليس مطلوباً من الدولة أن تتحالف مع القوى السياسية المحلية بشكل دائم، بل يمكنها أن تتحالف معها طبقاً لظروف واحتياجات معينة لها مقدارها، والأهم في هذا كله، أن الدولة مطالبة بالتحالف مع الشعب، فهو شعبها قبل أي شيء آخر.
من غير المقبول تماماً أن يترك الشعب والمواطنين بمختلف مكوناتهم عرضة لاستقطابات القوى السياسية، يتم تجنيدهم، ثم تعبئتهم، وبعدها توظيفهم في مشاريع سياسية ضد الدولة بالأساس. هكذا هي العملية التي عانت منها البحرين كثيراً مع تجاهل القاعدة السياسية التي تؤكد أن من يسيطر على الجمهور هو الذي يسيطر على الدولة. مما يعني أن ترك المواطنين عرضة لتنافس القوى السياسية سيؤدي إلى تمكين هذه القوى للسيطرة على الدولة وتنفيذ أجنداتها، وهذا تحد خطير يجب أن يستوقفنا جميعاً.