قديماً قيل «الاتحاد قوة»، وبعد الحرب العالمية الثانية سعت دول إلى إنشاء التكتلات الدولية والإقليمية، فعادت النسخة الثانية من المنظمة الدولية عصبة الأمم وصارت الأمم المتحدة، ومع بدء النظام الدولي الجديد الذي انفردت الولايات المتحدة بقيادته مطلع التسعينات اهتم منظرو العلاقات الدولية بالمنظمات حتى اعتبروها سمة أساسية من سمات النظام الدولي.
بعد ذلك شهد العالم تطوراً مذهلاً على صعيد تأسيس المنظمات الإقليمية والدولية، فصار أبرز منظماته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الذي يعد شكلاً متقدماً للتكامل بين الدول، إضافة إلى منظمات أخرى مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، والقائمة تطول على مستوى العالم من شرقها إلى غربها.
دوافع الدول لإنشاء مثل هذه المنظمات تركزت على إرساء الأمن والسلم الدوليين وتحقيق التكامل الاقتصادي، خصوصاً وأن العالم عانى كثيراً من تداعيات الحربين الكونيتين. فهل حقق العالم هذين الهدفين؟
قطعاً كلا، فالمعمورة لم تعد مستقرة كما كانت قبل 100 عام على الأقل، ولا يبدو أن هذا الخيار سيكون قريباً في ظل الفوضى المستقرة في قلب العالم، هنا في الشرق الأوسط على الأقل. والتكامل الاقتصادي الذي تطلعت إليه الدول بات خياراً استراتيجياً خاصاً، فبعض الدول التي تطلعت لتنمية اقتصاداتها استطاعت تحقيق ذلك بانخراطها في منظومة إقليمية أو دولية، وبعضها الآخر تمكن من تحقيق ذلك منفرداً.
خلال السنوات القليلة الماضية ظهر اتجاه في العلاقات الدولية يتجه نحو الحد من التكامل الإقليمي والدولي، شاهدنا ذلك خليجياً وعربياً، وآخرها رفض البريطانيين مواصلة العضوية في الاتحاد الأوروبي، وتزايد احتمالات انسحاب الولايات المتحدة من منظمة التجارة العالمية بقيادة الحزب الجمهوري، رغم نفوذ واشنطن القوي عليها.
التجربة الطويلة نسبياً للمنظمات الإقليمية والدولية كشفت أن الدول باتت متوحشة في علاقاتها، ولا تكترث كثيراً بمصالح الآخرين سواءً كانوا حلفاءها، أو أصدقاءها، أو جيرانها مهما كانت درجات التجانس والعوامل المشتركة. فحتى المصالح باتت أحادية.
هذا الواقع المعقد يدفعنا للتساؤل عن جدوى التنظيم الدولي في عالم صارت فيه الدول متوحشة لأبعد الحدود، وهي حالة يمكن وصفها بأنها تمثل ما بعد الميكافيلية. قد لا تكون المعضلة في المنظمات الإقليمية والدولية بحد ذاتها، بل في الدول المتوحشة التي لا تتوقف عن النظر لمصالحها بتشدد.
في عالمنا العربي قد تختلف هذه الظاهرة، لأنها ترتبط بدول حديثة النشأة بعضها قيد الاكتمال كدولة، والبعض الآخر تراجع ليصبح دولة فاشلة، ومجموعة أخرى بحاجة لإعادة تقييم دولها قبل أن تقيم انخراطها في المنظمات.