دخل عالم السياسة المحلية مؤخراً العديد من الشخصيات التي بدأت تمارس العمل السياسي الرسمي عبر المؤسسات الدستورية، ويبدو أنها مازالت بحاجة إلى تثقيف سياسي وتوعية حتى تصل لمرحلة النضج السياسي الذي يؤهلها لممارسة السياسة برشد ومسؤولية.
من المفردات المستخدمة في أدبيات السياسة البحرينية مفردة «التصفية السياسية»، وتكرر استخدامها منذ فترة دون معرفة معنى هذا المفهوم، أو أبعاده السياسية، أو سياقات استخدامه أو حدودها، أو على الأقل الخلفية التاريخية لها.
التصفية السياسية مفهوم قديم استخدم في الديكتاتوريات الأوروبية القديمة عندما كان الحاكم يواجه خصومه المنافسين داخل دولته من شخصيات ونخب وقوى سياسية مختلفة بتصفيتهم سياسياً، وكانت التصفية تتم عبر إعدامات أو اغتيالات حقيقية عبر طرف ثالث، أو السجن والنفي.
لاحقاً تطورت طريقة التصفية السياسية وصارت تصفية تتم عبر الأدوات الناعمة، مثل الإقصاء السياسي، أو فرض حالة من حالات المقاطعة الاقتصادية والاجتماعية.
في القرن العشرين كانت نهاية التصفية السياسية التقليدية بالنسبة لمعظم المجتمعات باستثناء الدول الشمولية «إيران، والصين، وسوريا.. إلخ». ومازالت الدول الشمولية حتى الآن تمارس التصفية السياسية بالأساليب التقليدية وأساليب أخرى تعتمد على الملاحقة الإعلامية، والتشهير السياسي عبر الإعلام الأصفر.
سبب تراجع استخدام أدوات التصفية السياسية في معظم دول العالم هو تزايد سيادة القانون، وانتشار مبادئ حقوق الإنسان، وتحول الدول إلى دول قائمة على المؤسسات التي ينظم عملها الدستور والقانون.
في البحرين مفهوم التصفية السياسية غير موجود أساساً، خصوصاً بعد إطلاق المشروع الإصلاحي الذي ساهم في التحول الديمقراطي للدولة البحرينية في الألفية الجديدة.
المستوى الذي وصلت إليه الديمقراطية البحرينية هو الديمقراطية المستقرة، حيث يوجد الدستور الديمقراطي، والمؤسسات الدستورية، وهناك فصل واضح بين السلطات الرئيسة، وهناك اتجاه جاد لسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان.
كل هذه المكتسبات الديمقراطية تجعل مفهوم التصفية السياسية ضرباً من ضروب الخيال في مجتمع ديمقراطي، وشكلاً من أشكال الاستحالة في ملكية دستورية بحرينية. والاعتقاد بأنها موجودة في الديمقراطية البحرينية يعد تشكيكاً بأسس هذه الديمقراطية التي تقوم على سيادة القانون.
حتى تتطور الديمقراطية البحرينية سريعاً بعد استقرارها الحالي، لا بد من تطوير الثقافة السياسية للأفراد والنخب باعتبارها المحرك الأساس للتطور الديمقراطي. وإذا استمر الأفراد والنخب دون وعي سياسي أو ثقافة سياسية ناضجة، فإن الديمقراطية ستبقى مكانها ولن تتطور، بل ستزداد أزماتها، خصوصاً في ظل وجود حالة من الجهل السياسي لدى بعض النخب.