بدأت غالبية شعوب العالم تتعرف بشكل واضح وقوي على خصائص ومميزات وسائل التواصل الاجتماعي والمعروفة اليوم «بالسوشيال ميديا» إلا الكثير من العرب الذين لم يستطيعوا توظيف هذه الأداة الجبارة للوصول إلى الهدف المنشود ولم يستطيعوا أن يحققوا انتصارات أو فتوحات علمية واقتصادية واجتماعية وسياسية من خلالها إلا في نطاقات ضيقة للغاية، حالها حال الكثير من الأدوات العلمية والمعرفية التي دخلت إلى منازلنا وغرف نومنا لكننا لم نحسن استغلالها واستخدامها في الاتجاه الصحيح والمطلوب.
كلنا يعلم حجم وأهمية تأثير «السوشيال ميديا» على حياة المجتمعات البشرية، سواء من ناحية إيجابية أو سلبية، وكيف يمكن لهذه الأدوات أن تلعب دوراً أساسياً في خلق إثارات افتراضية عبر العالم، وعليه يمكنها أن تحرِّف الحقائق وتزور الواقع وتزيف وعي الإنسان في أقل من ثانية واحدة، ولأن لها تأثيراً مباشراً على حياة المجتمعات المعاصرة بات العالم الغربي مستفيداً من هذه الأدوات وتطويعها بالشكل الذي ينتج له معرفة وقدرة على محاكاة الواقع، ولأننا نحن العرب لم نحاكِ هذا الوعي بأهمية استثمار الفرصة لم نحسن استخدام «السوشيال ميديا» في إطارها المثالي.
ليس هذا وحسب، بل كشفت مواقع التواصل الاجتماعي ضحالة تفكير مجتمعاتنا العربية، ومستوى النفاق الاجتماعي ومدى التناقض الرهيب الذي تعيشه هذه المجتمعات، كما أنها فضحت عيوبها وضعفها وعرَّت تدينها السطحي القائم على الشكليات وبعض المظاهر الفارغة، ولأننا لم نحسن استخدام «السوشيال ميديا» كما ينبغي كانت نتائج استخداماتنا لها كارثية، فدخلنا في صراعات مذهبية ودينية وطائفية شرسة جداً، في الوقت الذي كان يمكن لنا أن نوظف هذه الأدوات في طريق العلم والمعرفة والخير والمحبة، لكننا آثرنا أن نكون في ذيل العالم المتخلف بسبب أننا لم نتعود طيلة وجودنا العربي الحديث على استخدام وسائل التحضر بشكل سوي، مما أدى هذا الأمر إلى إنتاج أنفسنا بشكل سيئ خرجنا على إثره من السباق المؤدي نحو المدنية الحديثة.
جوله سريعة داخل عوالم «السوشيال ميديا» العربية تعرِّفك أين وضع العرب أرجلهم من هذه الأدوات العملاقة، حتى وصل بنا الحال أننا نجد أكبر المفكرين العرب يتابعهم عشرات الأشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي يتابع الملايين من شبابنا العربي عارضة أزياء مبتدئة أو كاتباً مراهقاً أو متابعتهم لحساب يقوم بإضحاك الناس من خلال السخرية على عيوب الحلقات الضعيفة والمستضعفة في العالم العربي من ذوي الاحتياجات الخاصة وغيرهم. هذه الأمور تعتبر من أبرز المؤشرات التي تدلل على انحطاط العرب وتخلفهم وتأخرهم في شتى المجالات لأنهم لم يستثمروا أدوات المعرفة كما ينبغي، فهرولوا خلف الزبد وتركوا ما ينفع الناس حتى استقروا في القاع.