من منا لم يسمع بقصص نجاح رواد ثورة تقنية المعلومات والاتصالات من أمثال بيل جيتز وستيف جوب وكيف بدأت كبرى الشركات من أمثال «مايكروسوفت» و«آبل» و«غوغل» في كراجات، وربط الكثير بين قصص نجاح هؤلاء والابتكار والإبداع بشكل مباشر. الواقع هو أن هؤلاء هم الركب الأول ممن عاصر تشكل نواة التطور التكنولوجي الذي نعيشه اليوم، فكغيرهم ممن عاشوا في تلك الفترة والذين أسهموا بطريقة أو بأخرى في تطور هذه التقنيات. لعل ما تميزوا به هو شيء فاق الابتكار والإبداع، فقصص الابتكار والإبداع ارتبطت بشخصيات كثيرة عاشوا جلهم حياة مليئة بالفقر والكفاح، فعلى سبيل المثال الفنان فان جوخ تعتبر رسوماته ولوحاته وأسلوبه اليوم مرجعاً لكل الفنانين وملهماً لهم، إلا أنه عاش حياة مثيرة للجدل يكتسيها الاكتئاب حتى إنه قطع إحدى أذنيه ومات منتحراً في النهاية. العالم تسلا عاصر ونافس توماس أديسون وأسهم كلاهما في تطور البشرية بصورة كبيرة، إلا أن توماس أديسون تمتع بمهارات جعلته أحد أكثر الشخصيات ثراءً، وأسس شركة «جنرال إلكتريك» بينما مات تسلا وحيداً. في كلتا الحالتين، كانت قدرة المجتمع والاقتصاد على التعرف على نبوغ وابتكارات كل من فان جوخ وتسلا بطيئة جداً، فبعد وفاتهما باتت رسومات فان جوغ تباع بالملايين، ويعود الفضل في حصولنا على الكهرباء لاختراعات تسلا في التيار المتردد. خلال عقدين من الزمان صار مشروع الابتكار مشروعاً عالمياً ومؤسسياً بحت، تحث عليه الشركات والمؤسسات والجامعات وحتى المدارس، الغرض الأساس من هذا المشروع هو تخريج أجيال من الخريجين القادرين على العطاء في الاقتصاد بطرق مبتكرة وخلاقة، وصار الاقتصاد بين المطرقة والسندان، ينتظر عن كثب ظهور تلك الابتكارات والاختراعات التي لم تكن في مجملها إلا سحابة صيف عابرة، وصار أرباب العمل يطالبون موظفيهم بالابتكار والإبداع في عملهم وإنتاجياتهم. وبالنظر لتعريف الإبداع والابتكار يلاحظ التأكيد على عنصر الخيال والأفكار الأصيلة والجديدة للوصول لاختراع أو منتج. إن واقع العمل اليوم قد يتطلب وجود موظفين قادرين على الإبداع والابتكار والاختراع، ولكن ما يؤكد عليه كل أرباب العمل هو الحاجة إلى طاقات بشرية تتمتع بقدرة عالية من المهارات والذكاء مما يؤهلها للعمل بإنتاجية عالية واتخاذ القرارات والقيادة والعمل في فريق فعال. وبالاطلاع على قصص نجاح المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مملكة البحرين والمنطقة، يلاحظ بأن السمة الغالبة عليها هي عزيمة أصحابها وقدراتهم على حل المشكلات المعقدة واتخاذ القرارات الصعبة.
لا ينقص أبناء وبنات هذا الوطن المعطاء الإبداع والابتكار ولا يخلو بيت من كراج، المبدع والمبتكر في الغالب يواجه صعوبة السباحة عكس تيار المجتمع والاقتصاد، كون أفكاره غير تقليدية ويصعب فهمها بسهولة. إننا اليوم لا نحتاج للوقوف على الرصيف في انتظار الطفرة القادمة، إن ما نحتاجه اليوم في الحقيقة هو السير في مشروع القيادة الحكيمة والإسهام في إيجاد بيئة متكاملة داعمة للإبداع والابتكار وتوفير عناصر النجاح من مؤهلات وبرامج الدعم المالي وحاضنات المشاريع والبحوث العلمية، ليس فقط لصقل مهارات الشباب، بل لجعل المجتمع والاقتصاد أكثر ثقة في الطاقات الشبابية وأكثر قابلية للتغيير.
* باحث في مجالات إنترنت المستقبل – جامعة البحرين