بلدنا زاخرة بالطاقات والكفاءات، لكن للأسف أشد ما يبرع فيه بعض المسؤولين هو «تحطيمها».
هناك مرضى نفسيون بالفعل على بعض الكراسي، هدفهم ليس القطاع وتطويره، ولا البلد وخدمتها، ولا البشر والاهتمام بهم، بل هدفهم كيف «يثبتون» أنفسهم على هذه الكراسي، وكيف «يعمرون» ويحولون القطاع لملكية خاصة.
مثل هؤلاء النماذج هم أسوأ مسؤولين يمكن أن «تبتلى» بهم أي دولة، هم أول من يحارب الدولة إدارياً، لأنك تراهم دائماً محاطين بـ»جوقة» من ممتهني التطبيل والتزمير والتملق والتزلف، في المقابل تراهم يحاربون الكفاءات وأصحاب الرأي الناصح والرافضين للأخطاء، حرباً شرسة، تصل في أحيان عديدة لمستويات منحطة من الممارسات.
هناك تحطيم لنفسيات الكفاءات، وحرب شعواء تمارس على من يشير للأخطاء، ويرفض أن يكون ضمن «مجموعة الصامتين»، حتى لا يزعل المسؤول الكبير.
خسرت البحرين كثيراً من الطاقات، خرج بعضها للخارج، وفي المقابل خسرت قطاعات عديدة كفاءات وبحثت عن أماكن أخرى، رغم أنه كان بإمكانها أن تطور وتبدع والأهم أن «تصلح» في قطاعها الحالي، فقط لأن المسألة مرهونة بـ»المسؤول».
لذلك دائماً ما نقول ونوجه كلامنا للموظفين في القطاعات العامة، بأنك كموظف ستكون محظوظاً لو عملت تحت رئاسة مسؤول لا يعاني من «أمراض نفسية» ولا يعاني من «رهاب الكرسي» الذي يجعله لا ينام الليل خوفاً عليه، خاصة حينما يرى في قطاعه كفاءات وشباب قادرين بسهولة على التطوير أكثر منه، عاملين بنظافة ونزاهة أكثر منه.
بدل أن يفرح بعض المسؤولين بوجود أشخاص يقولون «الحق»، ويكشفون الأخطاء، ويسعون للتصحيح من أجل البلد، تجدهم يفكرون بألف طريقة وأخرى لتحطيم هذه الكفاءات، لقمع صوتها، للتقليل منها وسد كل أبواب التقدم والتطور المهني والترقي.
مشكلة المسؤول الضعيف أنه يرى في كل شخص قوي يمتلك رأياً، وتكون له شخصية «كاريزماتية»، يراه خطراً عليه، يراه نوعاً من التهديد لموقعه وكرسيه، أو أقلها يراه شخصاً يمكنه أن يكشف الممارسات الخاطئة ويفضحها، ولو كان قادراً على الوصول لأعلى القيادات الإدارية في البلد، فإنها مصيبة لهذا المسؤول أو ذاك، الذين يحاولون دوماً «تغيير» الواقع أمام المسؤولين الكبار، والادعاء بأن الأمور على ما يرام، بينما على مستوى الإدارة تعج قطاعاتهم بكوارث معنية بالمعاملة السيئة للبشر، وتحطيم الكفاءات، ومحاربة أصحاب الضمائر، والأخطر تعج بالفساد الإداري والمالي.
هذه النوعية من المسؤولين لن تجدها تدعم شخصاً قوياً، أو طاقة تمتلك المؤهلات، ولا أصحاب الشخصيات القيادية، لن تجدونها تسند هؤلاء أو تطورهم، لأنه كما بينا تعتبرهم تهديداً شخصياً لها، لكنها في المقابل يمكن أن تدعم أي شخص تنطبق عليه معايير «البطانة»، من يوافق على كل شيء، حتى الأخطاء إن رآها رأي العين، أو من يقدم أساليب التبجيل والتلميع لهم.
هل أبالغ هنا؟! أبداً لا أظن ذلك، فهناك بالفعل أمثلة على مثل هؤلاء المسؤولين، الذين نسوا بأن وجودهم في مواقعهم أمانة وشرف والتزام بالثقة التي منحتهم إياها الدولة، هناك قصص عديدة في القطاعات لموظفين عانوا الأمرين، فقط لأنهم ليسوا في «مزاج المسؤول»، أو لأنهم «أكفاء» فتتم محاربتهم.
لا يحارب الإنسان صاحب المؤهل والكفوء وذا الشخصية القوية، إلا الشخص الذي يرى خصال الأول تفوق خصاله، يرى في قوة الشخص ضعفاً في شخصيته، يرى في إدارته رقياً وأمانة هو يفتقدها.
لذلك نقول للدولة بأنه يجب علينا اليوم أخذ ملاحظات الموظفين في مختلف القطاعات بشكل جدي، باهتمام أكبر، وندرك بأن هناك عدداً كبيراً يبالغ في قضاياه ويدعي التعرض للظلم والانتقاص، لكن في المقابل هناك قضايا فعلية على سوء الإدارة، وأساليب لا تقبل بها الأخلاقيات التي تنص عليها لوائح الخدمة المدنية، خاصة فيما يتعلق بالظلم الإداري والتلفظ بالألفاظ والتهديد وغيرها.
هناك كفاءات تحطمت نفسياتها، وخسرت البلد شغفها وحبها للعمل والتطوير، والسبب وجود مسؤولين حولوا القطاع العام لمكان خاص، أشخاص يحاربون كل شخص «صح»، فقط لأنه غير قابل «للبرمجة» على أمزجتهم.