بعد نحو ست سنوات من المطالبات المبالغ فيها والتي أدت إلى الكثير من الفوضى في البلاد قالت جمعية «وعد» إن «الحكومة المنتخبة لا تصلح للبحرين في الوقت الراهن»، وأنها «ليست أولوية»، وأن الجمعية «تمتلك الجرأة الكافية لتقول ذلك»، ما يدفع إلى السؤال عن السبب الذي جعلها وباقي «المعارضة» تصر خلال تلك السنوات على مسألة الحكومة المنتخبة، فما الذي تغير؟
من تصريح أمينها العام رضي الموسوي يفهم أن جمعية «وعد» ترى أن الظرف الاقتصادي الحالي يتطلب مراقبة مجلس النواب لأداء الحكومة وليس لحكومة منتخبة، ولكن لأن هذا هو رأي هذه الجمعية السياسية فقط وليس رأي كل «المعارضة» لذا فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو عن سبب استمرار غير هذه الجمعية في مثل تلك المطالبة، وعن سبب استمرار «وعد» في المطالبات الأخرى التي يرى الكثيرون أن عليها أن تمتلك الجرأة أيضا لتعلن أنها لا تصلح للبحرين في الوقت الراهن بسبب التطورات غير الطبيعية والمتلاحقة في المنطقة والتي تتطلب الوقوف جميعا ككتلة واحدة حفاظاً على الوطن.
الظروف اليوم تختلف عن الظروف التي كانت سائدة في العام 2011، لذا فإن الإصرار على بعض المطالبات يدخل في باب الانفصال عن الواقع خصوصاً وأن جانباً من تلك المطالبات تحقق. هذه مسألة مهمة ينبغي أن تحظى برعاية «المعارضة» على اختلافها، وهي لا تقل أهمية عن مسألة التطورات المتلاحقة والعنيفة التي تشهدها المنطقة حيث الإصرار على بعض المطالبات يفتح الباب على مصراعيه للأجنبي ليتدخل في شؤوننا الداخلية وهو ما يحدث حالياً ولا يمكن لأحد أن ينكره، فلولا بعض تلك المطالبات لما اعتبرت إيران أن ما يجري في البحرين يدخل ضمن مسؤولياتها ولما سارع المسؤولون الإيرانيون إلى الإدلاء بتصريحاتهم النارية كلما جد جديد، وكلما اتخذت الحكومة قرارا لم يعجبها حتى صار سهلا القول إنها «وراء كل هذا الذي جرى ويجري في البحرين».
إعادة النظر في المطالبات بات ضرورة، فالظروف تغيرت ومعطيات اليوم تختلف عن معطيات الأمس، وما خسرته «المعارضة» خصوصاً في الفترة الأخيرة كثير، ويصعب عليها تحمل المزيد، وما عاناه الناس طوال تلك الفترة كثير ويصعب عليهم تحمل المزيد أيضاً. إعادة النظر يعني التعامل مع الواقع والتوقف عن الاستمرار في الحلم والتحليق في الخيال، فالبحرين تختلف عن الدول الغربية التي طرحت من قبل كنماذج، وما صلح لتلك الدول ليس بالضرورة يصلح للبحرين، عدا أن الديمقراطية وطريقة الحكم التي يحلم بها البعض وأغرى بها العامة لا يمكن أن تتحقق بقرار تتخذه الحكومة فهذه أمور مرتبطة بحراك مجتمعي لا يمكن تجاوزه أبداً. المؤسف أن البعض من «المعارضة» لن يقبل من جمعية «وعد» مثل هذا التصريح وسيعتبرونه خطيراً وتراجعاً، وليس بعيداً أن يصنف حتى في باب الخيانة، حيث القول إن البحرين لا يصلح لها اليوم حكومة منتخبة قول يجعل الناس تتساءل عن الذي بسببه تحملت كل ما تحملته في السنوات الخمس أو الست الماضيات، وهذا سيؤدي إلى الضغط على «المعارضة» وخصوصاً جمعية «الوفاق» المنحلة والتي ما فتئت ترفع ذلك الشعار وتعتبره أساساً لا يمكن التنازل عنه.
تصريح رضي الموسوي يدفع إلى القول بأن جمعية «وعد» صارت تنظر إلى الأمور بواقعية ويدفع إلى دعوة الجمعيات السياسية الأخرى و«المعارضة» إجمالاً إلى إعادة النظر في مطالباتها التي من الطبيعي أنها لم تعد مناسبة للبحرين اليوم تماماً مثلما لم يعد مناسباً المطالبة بحكومة منتخبة.
هل تتمكن «المعارضة» من اتخاذ مثل هذا القرار الجريء؟ هل تمتلك الجرأة والشجاعة لتقول إنها ستعيد النظر في مطالباتها؟ على الأقل من باب أن الظروف تغيرت وأن المعطيات اختلفت؟