منقولات الوفاق التي ستباع في المزاد ليست مجرد قطع بالية من الأثاث، بل هي حقبة زمنية بالية وتجربة سياسية فاشلة مريرة في فم أصحابها، بقايا حكايتهم هي التي ستعرض بالمزاد لبيعها لمن يريد الاحتفاظ بقطع أثرية تحكي لأبنائنا قصة طير طار وارتفع وكما طار وقع، كي يتعلم ويأخذ العبرة.
منقولات الوفاق ليست كراسي وطاولات بل منقولاتها ذكرى تجربة لأسوأ نموذج للعمل السياسي أبدع في سوء استغلال الحريات والحقوق، حيث أتيحت له فرصة تشكيل حزب وتشكيل قائمة انتخابات والدخول والفوز بكامل قائمته في المجالس المنتخبة نيابية وبلدية، وأتيح لهذا النموذج حق تنظيم المسيرات والتجمعات ومرت عليه فترة نظم فيها مسيرتين في اليوم في أكثر من موقع على مدار أكثر من سنة ولم يقف أحد في طريقه، وأتيح له الاتصال والتنقل بل والتعاون مع حكومات أجنبية ومنظمات دولية، بل صرفت له ميزانية من المال العام، وأتيح له فتح مقرات في أكثر من موقع وأتيح لها جمع المال وأتيح لها الدخول في العمل النقابي والدعوة للإضرابات وأتيح له الوصول إلى مراكز متقدمة في السلطة التشريعية والتنفيذية، وأخذ كل تلك الامتيازات ثم ادعى كذباً وزوراً وبهتاناً أن الإصلاحات مسرحية ولم يكتفِ بذلك بل استغل مساحة الحرية للدعوة للتدخلات الخارجية لأخذ المزيد وكذب وضلل ووضع رجلاً في الدولة وأبقى رجلاً أخرى في ميدان الثورة حتى سقط في بحر الفوضى ورهن مصيره وقراره لقوى خارجية.
منقولات الوفاق إذاً هي أثر بعد عين لأسوأ نموذج للعمل السياسي العربي غير الحصيف، الذي أتيحت له فرصة المراجعة حتى بعد أن أخطأ لأكثر من مرة عل وعسى يفيق من غطرسته ومن طغيانه وتغوله، لكنه أبى إلا الاستمرار.
لذا فإن القول اليوم بأن ما حدث لهذا النموذج قمع وتشدد في الإجراءات هو دفع لها للف مزيد من طيات الحبل وما تبقى منه حول عنقها، التضليل الممارس يومياً في صحيفتها لا يزيد الظلام إلا ظلاماً حولها، والقول بأن اجتماع «المعارضة» صعب لأن المعارضة خائفة لا يفعل سوى أن يضللها فوق ضلالها ضلالاً، «العارضة» تعودت خرق القانون بلا محاسبة وتجاوزته حتى صرحت بأن القانون تحت حذائها وهي التي كانت حتى وقت قريب سلطة تشريعية، وحين قررت الدولة أن تنزع الريشة التي على رأس الوفاق وأنفذت القانون عليها وعلى غيرها، أصبحت تلك إجراءات مشددة وأصبح تطبيق القانون قمعاً؟!
ومتى فعلت الدولة ذلك؟ فعلته بعد أن أحرقت الوفاق البلد ودمرت الاقتصاد وذهبت أرواح ومات من مات وقتل من قتل وحرق من حرق، ومتى فعلت الدولة القانون وطبقته؟ بعد أن أجرت هي قبل غيرها المراجعة التي تطلبها صحيفة التضليل منها، وتتساءل لماذا لا نرَ مبادرات من الطرف الآخر؟ أليست السلطة هي من استدعى لجنة للتقصي وأقرت بأخطائها وفعلت توصياتها، ألم تكن تلك هي الشجاعة التي أشاد بها العالم؟ إذ لم تكتفِ بالقول بل بالفعل، ولكن كما قال أمل دنقل «أترى حين أفقأ عينيكَ ثم أثبت جوهرتين مكانهما هل ترى؟» ولو قامت السلطة باستدعاء لجنتين بدل الواحدة وقدمت بدل المبادرة اثنتين هل سترى صحيفتهم أياً منهما؟
من يسمون أنفسهم «معارضة» لا يملكون حق المراجعة لأنهم ليسوا أصحاب قرار، ومن يملك قراره منهم قال رأيه وصمت وانزوى بعد حملات الإقصاء التي مورست ضده، ومن بقي منهم ناطقاً كصحيفتهم فإنه لا ينفك يكرر كطفل مدلل أخذوا لعبته لا يعرف غير البكاء والعويل، وتكرار «إننا مضطهدون» و»تجار الكراهية لا يتركوننا بحالنا» ويشتكي يطالب الحكومة أن تسكتنا!
ما سيباع في 6 نوفمبر ليس بقايا كراسٍ وطاولات، ما سيباع هو ما تبقى من ذكريات الحزب، ما سيباع هو رماد النار التي أشعلوها في البلد وصرح لم يدم سوى بضع سنوات لا تزيد عن 14 عاماً، تلك هي منقولات الوفاق، تجربة كان بإمكانها أن تكون نموذجاً راقياً للتحولات السياسية العربية ولكنها انتهت بسبب غباء أصحابها وغرورهم نهاية مخزية مذلة، وأصبحت حكايتهم نموذجاً لأفشل تجربة سياسية معاصرة في عالمنا العربي، واليوم نشهد لهم بكاء كالنساء على نفوذ سياسي لم يحافظوا عليه كالرجال!