يقبل الطلاب في محافظة اللاذقية الساحلية السورية، مسقط رأس رئيس النظام السوري، على تعلم اللغة الروسية، بوتيرة متصاعدة، شهدت في الفترة الأخيرة إقبالا متزايداً من طلاب تلك المحافظة، التي تعد بيئة حاضنة لنظام الأسد.

وبدأ طلاب المرحلة المتوسطة (الاعدادية) بالإقبال الملحوظ على مناهج اللغة الروسية، والتي خصص لها النظام السوري الدعاية على كل وسائل إعلامه ومنها إدخال الروسية الى التعليم الجامعي في مرسوم جمهوري.

كما وقامت بعض وسائل الإعلام الروسية، في الساعات الأخيرة، بالتركيز على هذه الظاهرة، ونقل تقارير مصورة عن طلاب الصف السابع الاعدادي، في المحافظة، التي اعترفت وسائل الاعلام الروسية أنها الأكثر إقبالا على تعلم اللغة الروسية، كونها المكان الذي تتجمع فيه القوات الروسية، سواء في المرافئ، أو على البر، كما في مطار "حميميم" ومنطقة "الروس" التي تبعد عن "جبلة حوالي 18 كيلومتراً.

الإعلام الروسي احتفل برواج الروسية في اللاذقية

هذا مع العلم أن المنطقة الساحلية، تعتبر مكاناً خصباً للغة الروسية، في الأصل. كون أن النظام السوري، بأبيه وابنه، دأب ومنذ عقود، على إرسال الضباط الى موسكو لتلقي التدريبات العسكرية أو الهندسية. هذا فضلا عن إرسال عدد كبير من أبناء المحافظة الى موسكو، ومنذ أيام الاتحاد السوفييتي السابق، الى الجامعات الروسية، لدراسة كافة الاختصاصات المتاحة، من الهندسة المدنية والميكانيكية والطب، الى الأدب الروسي واللغة الروسية.

هذا ما جعل من تعليم اللغة الروسية في اللاذقية، وقبل التدخل العسكري الروسي، بأشهر، سهلا ومتاحاً وفوريا، كما أجمعت التقارير الصحافية على أن المدارس الرئيسية في المحافظة، أصبحت المكان الأمثل لتلقي دورات تعليم اللغة الروسية، كمدرسة "سهيل أبو الشملات" التي أشارت اليها الصحافة الروسية بالاسم، وهي مدرسة شهيرة في اللاذقية، وتقع في منطقة الزراعة هناك.

تعلُّم الروسية طلباً للرزق

وتشير الأخبار الواردة، من هناك، إلى أن كثيرا من أبناء المنطقة أقبل على تعلم اللغة الروسية، لأسباب تجارية خالصة. فيقول بعضهم إن الروس "سيطيلون المقام في الساحل" وانهم سيصطحبون "عائلاتهم معهم" ولذلك سيحتاجون الى "خدمات ترفيهية كالبارات" والمتاجر التي تبيع للروس سلعهم المفضلة. وكذلك حاجتهم للمطاعم بصفة خاصة.

وقد بدأت بعض المحال التجارية بالاهتمام في احتياجات "الزبون" الروسي، في مناطق قريبة من "جبلة" إلا أنها قليلة لأن النظام السوري يفرض إجراءات معقدة لمنح الموافقات والرخص، ويتطلب الحصول على رخصة لافتتاح "بار أو مطعم يقدم الكحول" في محيط مطار "حميميم" أو مرفأ اللاذقية، الى موافقة من الاستخبارات العسكرية التي تعطي الأفضلية بالترخيص لمستثمر خدم في صفوفها ضابطاً أو صف ضابط.

وافتتحت بالفعل، بعض المحال في مدينة اللاذقية نفسها، وكتبت على أبوابها تعابير ترحيب بالروسية. إلا أنه لا إقبال عليها من الجنود الروس الذين يتحاشون الاختلاط بالمدنيين هناك، ولايتحركون إلا بعد اتخاذ تدابير واجراءات معقدة.

تاريخيا اللاذقية أقرب الى الفرانكوفونية

محافظة اللاذقية، تاريخيا، كانت أقرب الى الثقافة الفرنسية، منذ أيام الاحتلال الفرنسي وماقبله على ماذكره مستشرقون فرنسيون زاروها مثل الشهير ماسينيون وابن جلدته ليون كاهون. وأغلب نخبها كانت تتحدث اللغة الفرنسية بطلاقة. حتى إن بعض مشائخ الطائفة العلوية كان يجيد اللغة الفرنسية، كتابة وقراءة، وخصوصا من الجيل الذي عاد مع الجيش الفرنسي الى فرنسا، بعد الجلاء عن سوريا في أربعينيات القرن الماضي.

وللعلم، بقيت الثقافة الفرنسية مؤثرة في سوريا، عامة، واللاذقية بشكل خاص، حتى نهاية ستينيات القرن الماضي. أي مع استيلاء التيارات الاشتراكية على السلطة. بعدها، أصبحت اللغة الفرنسية درجة ثانية، وأصبح تعليم اللغة الفرنسية نوعاً من العقوبة للطالب. أي أن فرز الطالب لكي يتعلم اللغة الفرنسية في مدرسته، كان يتم على أساس معاقبته على خطأ ارتكبه أو على فشل في امتحان. مايشير الى حجم ماأصاب اللغة الفرنسية من جراء صعود التيارات الاشتراكية والقومية أو اليسارية بصفة عامة. وللعلم فإن بعض مدرّسي اللغة الفرنسية في اللاذقية كان تعرض لتضييق شديد من النظام لدفعه الى الاستقالة والجلوس في بيته. وهذا حصل مع عدد منهم.

علماً أن أشهر الأدباء الروس، كديستويفسكي، كان يكتب عبارات باللغة الفرنسية داخل رواياته. لما كان لفرنسا من تأثير على نخب العصر القيصري، حيث كانت الشخصيات الارستقراطية المنقولة في الروايات، تتباهى بتكلم الفرنسية. فنيقلها الروائي العملاق كما هي، لأن التخاطب بها كان جزءا مميزا للارستقراطيين الروس الذين كانوا "مسحورين" بالثقافة الفرنسية.