كتب – حسن خالد:
لعل حلم الاحتراف واللعب في الملاعب الأوروبية حلم يُطارد من قبل كل لاعب، سواء إن كان ناشئاً أم صاعداً أو حتى الذي اندرج للتو في الفريق الأول، وهي تلك الملاعب الأوروبية التي تأسر هذا اللاعب وتجعله يخوض أحلاماً ليست ككل الأحلام، فمن دون شك سيبحث عن النجومية والشهرة وبذات الوقت بتطوير ما يملكه من قدرات فردية، ولكننا لانزال أمام ذلك العائق الذي يقطع ذلك الحلم ويحوله إلى واقع، فما هي مكونات هذا العائق ولعل أغلب الحديث المتداول حول نقطة عدم الوصول عند المجتمع هي امتلاك ما لا نمتلكه نحن، فهما هو هذا الممتلك؟ وهل هي قضية قدرات؟ أم غموض آخر نجهله كشارع رياضي حر؟!
من دون شك فإن قضية البناء أبرز وأكثر النقاط تداولاً، فمن هذا المنطلق يذهب كل منا حراً برأيه، فيوجد من يؤيد نشوء الأكاديميات وهنالك من يود أن تقيم المؤسسة المسؤولة بنى تحتية رصينة، وآخر ينادي بالتخطيط الطويل المدى، ومن كل تلك الآراء فإن المجتمع اكتسب من تلك التجربة الاختلافات وفي ذلك الاختلاف الفكري في الآراء وعياً كعادة كل اختلاف نافع، فهو يُكسب أي من كان يستخدمه خبرة ووعياً مختلفاً بل متطوراً عن من سبقه في تلك درجة الفكرية، ففي كل تجربة صارمة تكون استفادة المستهدف الذي منع من وصولها إليه أكبر من أي شخص، وكفرد من أفراد هذا المجتمع فإن للمؤسسة الإعلامية دوراً كبيراً في مقارنة المثاليات بالوضع الحالي حتى تقام عملية مقارنة ومن ثم تقييم وهذا الأصل والمتوافر من ظواهر في مجتمعنا، فنقارن مثلاً ملعباً كالكامب نو بإحدى الملاعب المحلية أو نطابق بين لاعب محلي وآخر أجنبي محترف بسخرية وهذا هو الوارد والواقع، ولكن لو نظرنا إليها بنظرة إيجاب فنرى أن تلك السخرية قد تولد إجابات نحن بحاجة إليها وتكمن تلك الإجابات في أسئلتها، وعلى سبيل المثال كيف أصبحت اليابان بهذه القوة خلال زمن وجيز نسبياً؟ ومنها يصيبنا ذلك الفضول بحب المعرفة فنرى إجاباتنا ومن ثم يقودنا ذلك التوجه لجانبنا الخاص فنرى أن أغلب لاعبينا محليون بسبب عدم توافر كل مما يأتي: بيئة كروية ضوضائية غير مرسومة الأهداف، فنرى المشاريع تفعّل على النحو السليم ولكنها في نصفها تتداخل مشاريع أخرى مما يعيق تلك العملية التنموية التي خطط لها لفترة طويلة من الزمن ولكن بمجرد التداخل على هذا المشروع فإنه لا يفسد فقط البيئة وإنما يعيق سير اللاعبين نحو مزيد من التطور والنماء، فالمشكلة أحياناً تكون بجهة لا تعلم أنها مخطئة بسبب عشوائية طرحها والسطحية التي تتعامل معها برفقة الوضع المحلي فيفسد ذلك نظاماً هرمياً للاعب محترف وبدل الوصول لما يريده من تطور فني وبدني متفرد ومختلف عن آخريه فإنه يُستأصل!
لا توجد نظرية اسمها «تختلف قدرات الغرب عنا»، وإذا كان هنالك من يصدق هذه الجملة فأدعوه للنظر إلى لاعبي اليابان وروسيا وتركيا، وعلى الصعيد الإقليمي القريب منتخب عمان قبل ثلاثين عاماً على الأقل، فماذا كانت هذه المنتخبات؟، كنا مجرد نصدق بأن قدراتنا الفردية الذهنية والفنية والبدنية أفضل منهم وهنالك أفضل منا حسب معايير تدريجية فنية، ولكن ما نشاهده الآن يثبت نقيض ما كنا نؤمن ونظن به، فكل من هؤلاء يملك محترفاً واحداً على الأقل في الدوريات الأوروبية العريقة، أليست المسألة خاصة في الدولة التي تتجزأ في المؤسسة المتخصصة في إحداث هذا التغيير النخبوي المختلف، وإن كنا نفتقر للجان كافية ولكن لا ولم نفتقر أبداً لأفكار، فالعقل لا ينضب إلا بنضوب صاحبه، نعم لدينا الفرصة منذ أكثر من عشر سنوات أن نطبق مشروعاً وطنياً واضح المعالم، وليس مشروعاً لا نعرف من يديره ومن هم أعضاؤه حتى!
بالتأكيد خطأ الوصول لإحدى هذه الدوريات لا يتحمله اللاعب وحده ولا تتحمله المؤسسة المسؤولة وحدها بقدر ما هم الاثنان يتحملون أخطاءه على القدر المتوازي، فاللاعب أيضاً يتحمل جزءاً كبيراً، فهذه الدوريات كالإسباني والإيطالي والإنجليزي ليست بحاجة سوى للاعب يطابق معايير اللاعب المناسب لهذه البطولة، أن يكون قوياً بدنياً، سريع البديهة ذهنياً، يقدم جديداً للفريق، يكون موضع إحداث فارق من الفوارق الشهيرة في لعبة كرة القدم، كمثال تسجيل الأهداف الحاسمة، التمريرات الحاسمة، الكرات المقطوعة الحاسمة، فكل هذه الأمور تزيد من قدرة اللاعب على البقاء مع النادي والجمهور حتى، فلا أعتقد أن جمهور ويغان الإنجليزي يفضل أحداً في الفريق كما يفضل علي الحبسي الحارس العماني المتألق.
ولكن أيضاً عملية صنع الفارق لا تأتي من خلال حقنة أو أنبوبة سحرية، وإنما قادمة من عمل وجهد وأخلاقيات، ولعل ما هو أهم آخر نقطة وهي الأخلاقيات في عالم الكرة، فاحترام المهنة جزء كبير جداً من إتقانها، وما نحن بحاجة إليه لاعب يحترم كرة قدمه، ويكون قد قدم لها كل ما لديه من جهد وعمل، ولا يكون ذلك في اللاعب الذي يداوم على 5 حصص تدريبية ويغيب عن واحدة، ولا ينطبق عن من يحضر لحصة تدريبية ويغيب عن 5 حصص، وعلى هذا الرياضي أن يغدو في قسم الثقافة الرياضية حتى تكتمل ميزاته الفكرية ومن ثم البدنية، فاللاعب الذي لا يملك موهبة التحدث لوسائل الإعلام بكل احترافية لا يعد لاعباً محترفاً، فلم أجد يوماً لاعباً يسأل عن ما فعله بالمباراة ويجاوب «بسم الله الرحمن الرحيم، المنتخب قدم ما عليه والحمد لله، الله وفقنا بالنهاية»، وإن جاوب على هكذا سؤال بهكذا إجابة فإنها كارثة بحق، فنحن بحاجة لمن يكون سميكاً فكرياً قبل أن يكون بدنياً، وحتى يصدّر اسم البحرين لاحقاً بأي من المحافل، سواء إن كانت في أستوديوهات تحليلية، أو في طواقم تدريبية فنية، أو إذا أمل الله أن يدخل غمار التجربة الاحترافية مع إحدى الأندية. نحن نكون أكبر المخطئين والساذجين إذا اتخذنا مسألة الاحتراف بالخارج هي مجرد تعاقد وبرقيات تهاني، بالعكس تماماً فهذه التجربة عليها أن تمر بعدة تراكمات وأحداث وإن تمت بشكل مفاجئ وبديهي، فستفشل كما فشلت تجربة اللاعب السعودي ياسر القحطاني مع مانشستر ستي قبل 3 أعوام تقريباً من الآن، عندما ذهب ليتدرب فأصيب إصابة كانت السبب فيها هي عدم جاهزية اللاعب لخوض هذه التجربة، فكما ذكرت بالأعلى، لها معايير ثقافية وبدنية وفنية وتاريخية حتى بالتراكمات المفاهيمية كما أشرت. فالجميع يجب أن يساهم بهذا التطور والوصول بأحد اللاعبين إلى هذه الدوريات، أولاً بخطة عمل وطنية واضحة المعالم طويلة المدى والاستفادة من الخامات الموجودة بكوننا الدولة الأفضل في المواهب على الصعيد الإقليمي في الخليج العربي، وتوافق اللاعب أخلاقياً وبدنياً مع هذه الخطة بكل تكيف ومرونة وبناء ثقافية فكرية ومعلوماتية كافية ووافية، ومن بعد ذلك يأتي دورنا كإعلام للتحفيز وتشجيع هذه الخامات الوطنية الفريدة.
وقفة مع المحرر!!
لازلت أصر على وجود المشروع الوطني «الواضح»، فلا يعقل أن يخطط اليابانيون لـ 20 سنة قادمة ونحن لا نعرف ماذا سيجري لو انتهى جيل كما حصل بعد الخروج من التصفيات على يد نيوزيلندا، ولا تقل يا عزيزي القارئ إنهم يابانيون ونحن بحرينيون، فالقضية ليست بالجنسية، القضية هي بتوظيف عقلك السليم في المكان السليم وإن اختلفت الأعراق والجنسيات والمهارات والمقومات، وقضية الاحتراف لا تعد أوراقاً موقعة بل هي معايير ودراسات، وما هو أهم هو التراكمات الأحداثية للاعب نفسه، من تجارب وتأهيل ومفاهيم، فهذه المفاهيم الاحترافية هي أكثر ما تعطل اللاعبون العرب في الوصول لأهدافهم بسبب ما تتضمنه من أخلاقيات وثقافة ثم ثقافة ثم ثقافة تنتج فيما بعد له قاعدة ثرية ومثالاً متناسقاً وسريعاً للاختيار، متمنياً من لاعبينا الوصول يوماً للاليغا إسبانيا، أو بريميرليغ إنجلترا، أو لربما كالتشيو إيطاليا وبوندزليغا الألمان!