كتب – المحرر الثقافي:
سيجد قارئ هذا الكتاب متعة روحية لا مثيل لها. فبعد أن يطوف في أرجاء الأرض كلها وفي الأزمنة كافة، وبعد أن يقرأ من أشعار دانتي وفرجيل وغيرهما كثير، سيرتاح مع بوذا تحت شجرة الاستنارة.
وبحسب التقديم للكتاب فان في كتاب «البطل بألف وجه» لجوزيف كامبل، نفحات من الكتب المقدسة لدى الشعوب كافة، وفيه تصوير حي لاحتفالات تلقين الأسرار والختان لدى الشعوب والقبائل التي نسيمها خطأ بدائية.
فبعد أن نلامس الفلسفة، والتحليل النفسي وعلم الأسطورة المقارن نعود مقتنعين مع جوزيف كامبل بالفكرة الأساسية التي تمثل المحور الناظم لهذا العمل، ألا وهي أن التجربة الإنسانية واحدة، أما المختلف فهو طرف تناولها.
سغموند فرويد
يقول سغموند فرويد: «لقد تعرضت الحقائق المحتواة في التعاليم الدينية إلى التحريف، فضلاً عن أنها تنكرت على مر الزمن بطريقة منهجية، بحيث لا تستطيع المجموعة البشرية أن تتعرفها كحقائق. إنها حالة مشابهة لما يحدث عندما نخبر الطفل بأن القلق يأتي المواليد الجدد. وبالطريقة ذاتها نعبر عن الحقيقة في تمويهها الرمزي، إذ لا أحد منا يجهل ماذا يعني هذا الطائر الكبير. غير أن الطفل بالمقابل لا يعرف شيئاً من ذلك، فهو يسمع فقط الجزء المحرّف مما نقوله ويشعر بأنه خدع. ونحن نعلم إلى أي مدى يربط سوء ظنه بالكبار ومشاكسته لهم بهذا الانطباع، إلى أن وصلنا إلى الاقتناع بأنه من الأفضل لنا أن نبتعد عن تقديم مثل هذه التمويهات الرمزية للحقيقة، وألا نبخل على الطفل بمعرفة المسائل الفعلية شريطة أن يتناسب ذلك مع مستواه العقلي».
وعلى أساس ذلك، يتجلى هدف هذا الكتاب في حرصه على إيضاح مجموعة من الحقائق المجهولة المخبّأة تحت عدد كبير من الأمثلة الدينية والميثولوجية، وذلك من خلال تقديم كثير من الأمثلة غير الصعبة لكي يظهر أمامنا المعنى القديم المفقود بكل جلائه.
ملهم ميثولوجي
أما مؤلف الكتاب جوزيف كامبل (1904-1987) فتذكر الموسوعات العليمة أنه كان مدرساً ملهماً ومحاضراً شعبياً ومؤلفاً ومحرراً ومترجماً للعديد من الكتب عن الأساطير، بما فيها الصورة الميثولوجية.
كان ميثولوجي أمريكي، وكاتب ومحاضر ومحرر للعديد من الكتب عن الأساطير، أشتهر لأعماله في الميثولوجيا المقارنة وعلم الأديان، ويمكن تلخيص مشروع كامبل في ركيزة أساسية هي - وكما قال في كتابه الهام البطل ذو الألف وجه : «الطريق إلى ما هو انسانى يوجد في أن نتعرف من جديد على الشرارة الإلهية في جميع تحولات الوجه الانسانى الذى لا يستنفد».
ولد جوزيف كامبل في وايت بلينز بمدينة نيويورك لأسرة كاثوليكية من الطبقة الوسطى، افتتن جوزيف الطفل بثقافة السكان الأصليين لأمريكا بسبب زيارة قام بها مع والده للمتحف الأمريكي للتاريخ الطبيعي بنيويورك، شاهد خلالها مجموعة من التحف الأمريكية الأصلية، وأسرته هذه الأعمدة الطوطمية والأقنعة فبدأ يتساءل حولها ومن صنعها وما أصولها، وقادته هذه الأسئلة إلى القراءة حول الهنود الحمر، أساطيرهم وخرافاتهم وحياتهم اليومية، وكان في العاشرة من عمره عندما بدأ مسعاه الذي جعل منه أحد أبرز باحثي العالم في الأسطورة وعلم الأديان.
من الأدب إلى الفلسفة
في العام 1921 كان قد تخرج من كلية كانتربري في ميلفورد الجديد، بولاية كونيتيكت، كما درس علم الأحياء والرياضيات في كلية دارتموث، إلا إنه فضل بعدها دراسة العلوم الإنسانية، فانتقل إلى جامعة كولومبيا حيث حصل على شهادة البكالوريوس في الأدب الإنكليزي العام 1925، ثم حصل على الماجستير في أدب العصور الوسطى العام 1927، كما كان له نشاطاً رياضياً أثناء دراسته في جامعة دارتموث، وأحرز عدة ميداليات في سباقات المضمار، ولفترة كان من بين أفضل المتسابقين في الجري لمسابقات النصف كيلو في العالم.
اللقاء بكريشنامورتي
سافر كامبل العام 1924 في رحلة إلى أوروبا مع أسرته، حيث التقى على متن السفينة بالكاتب والفيلسوف الهندي جيدو كريشنامورتي، وتناقشا طويلاً حول الفلسفة الأسيوية، مما أثار اهتمام كامبل بالديانة الهندوسية والفكر الهندي، مما كان له أثراً في ابتعاده عن الكاثوليكية بعد ذلك العام 1927 قدمت له درجة الزمالة عن طريق جامعة كولومبيا للدراسة في أوروبا، فدرس الفرنسية القديمة والبروفانسية والسنسكريتية في جامعة باريس بفرنسا وجامعة ميونيخ بألمانيا، وسرعان ما أتقن هذه اللغات بعد عدة شهور من الدراسة، وأضاف إليهم الفرنسية والألمانية، وهي اللغات التي ظل يتحدثها بطلاقة تامة طوال حياته بالإضافة إلى اللاتينية التي اتقنها تماماً، كما أعرب خلال فترة من حياته عن رغبته في تعلم اليابانية كي يضفي مزيداً من الثراء إلى معرفته اللغوية.
تأثر كامبل خلال هذه الفترة بتجربة الجيل المفقود، وهو الجيل الذي شهد الحرب العالمية الأولى وانفعل بها لتشكل مصيره، كما تعرف على الثقافة الأوروبية، تحديدا كتابات جيمس جويس وأعمال سيجموند فرويد وكارل يونج، وشاهد المتاحف الأوروبية وصالات الفن الحديث.
عاد كامبل إلى كولومبيا العام 1929، وكان راغباً وقتها في استكمال دراسته عن اللغة السنسكريتية والفن الحديث وأدب العصور الوسطى، إلا أنه مني بالفشل بسبب رفض هيئة التدريس، فانسحب من الدراسات العليا، وكان لهذا الموقف أثره العميق عليه لبقية حياته، حيث كان يصر في فترة من حياته بعد ذلك أن ينادي بـ (السيد كامبل)، لا (د. كامبل) بعدها، أمضى كامبل السنوات الخمس بين (1929 - 1934) في محاولة معرفة ما يتوجب عليه أن يفعل بحياته، وقضي هذه الفترة في الدراسة، دراسة صارمة ومستقلة، كان يقضي أغلب يومه في القراءة والبحث.