تحدثنا في مقالات سابقة عن خطورة انتماء صغارنا للجماعات الراديكالية المتطرفة ومدى خطورة تأثرهم بالأفكار المنحرفة والشاذة التي تدعو إلى الفتك والعنف والإرهاب مع أهمية مراقبة كل القنوات التي تبث سمومها لتغذي هذا الجيل بأفكار متطرفة وغير مألوفة في مجتمعاتنا الآمنة.

ليس هنالك من مثال أكثر وضوحاً في هذا الصدد من المثال «التونسي»، حيث كانت تونس أولى ضحايا «الربيع العربي» وانتماء شباب عاصمة الثقافة العربية الخضراء إلى المجاميع الإرهابية بشكل مخيف جداً، إذ ما زالت تداعيات تلكم الانتماءات تحفر في جدار السلم الأهلي داخل العاصمة التونسية ومدنها وقراها بشكل غير مسبوق وتهدم كل الإنجازات الثقافية والمدنية التي تم إنجازها فيما بعد مرحلة الاستقلال.

من جهة أخرى تبين لنا الأرقام القادمة حجم هذه الكارثة العربية حين أكد وزير الداخلية التونسي «ناجم الغرسلي» أن السلطات التونسية منعت أكثر من 12 ألف تونسي من الانضمام إلى تنظيمات متطرفة في الخارج منذ مارس 2013. وأوضح الوزير التونسي أمام لجنة برلمانية في سياق دراسة قانون جديد لمكافحة الإرهاب أن وزارة الداخلية منعت 12490 تونسياً من مغادرة الأراضي التونسية للالتحاق بمناطق القتال وذلك في إطار جهودها للحد من سفر متشددين إلى مناطق التوتر. وبحسب السلطات فإن عدد التونسيين الذين توجهوا للقتال مع تنظيمات متطرفة يتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف وتعتبر السلطات أنهم يشكلون تهديداً كبيراً لأمن البلاد. الغرسلي وبحسب تصريحاته التي نقلتها إذاعة «موزاييك» الخاصة أن ألف شخص أحيلوا إلى القضاء خلال الفصل الأول من 2015 بتهمة الانضمام إلى مجموعة إرهابية، وبحسب المتحدث باسم النيابة «سفيان السليطي» فقد أصدر القضاء أحكاماً في 83 قضية -على صلة بالإرهاب- من 124 ملفاً منذ 2013.

هذه الدولة العربية المدنية المتقدمة التي كانت تعتبر يوماً من الأيام قبلة للمثقفين والفنانين والكتاب والفلاسفة تحولت في غفلة من أمرها إلى محطة مهمة من محطات الجماعات الإرهابية العابرة للقارات، فالأعداد الضخمة من الشباب التونسي المنتمي للجماعات المتطرفة بدأت تدق ناقوس الخطر على الأمن التونسي والعربي، والتي لم تكن داخلة أبداً من ضمن حسابات الدول العربية، لكنها أصبحت كذلك، وهذا هو الواقع الذي يجب الاعتراف به، والاعتراف بعدم تعاملنا منذ البداية مع الأفكار المتطرفة بصورة صحيحة وعدم إسراعنا في معالجة هذا الملف الخطير في الوقت المناسب، ولهذا أصبحنا اليوم أمام أرقام فاقت حدود المعقول، والسبب هو غفلة الأسرة العربية والحكومات العربية عن مصادر تمويل هذه الجماعات والجهات والمناهج التي تغذي وعيها، إضافة لغياب دور المؤسسات المدنية في احتواء الشباب العربي نحو الوعي الرشيد. هذا القصور الخفي يجب أن ينال نصيب الأسد في اهتمامات الدول الخليجية التي ليست بمنأى عن كل تهديد إرهابي، والأهم من كل ذلك هو حماية شبابنا في الخليج العربي من السقوط في أحضان الجماعات الإرهابية وذلك من خلال مراقبة كل المصادر والجهات التي من شأنها حرفهم عن بناء أوطانهم والتي تحفزهم على الدوام للتوجه للقتال في المناطق الساخنة وحتى داخل دولهم إذا سنحت لهم الفرصة لذلك، وهذا أخطر ما يمكن أن يكون أو حتى نتصوره في أجندة المستقبل.