قد تتساءلون عن سبب اختياري لعنوان المقال، والجواب هو أن عام 2020 سيشهد الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الواضح أن المفاهيم وأساليب الإدارة وتركيبة النخبة السياسية في هذا البلد ستكون عرضة للتغيير ولو بشكل جزئي. ومن يتابع الشأن الداخلي الأمريكي يدرك أن الولايات المتحدة تدار من قبل «النخبة الحاكمة». والنخبة الحاكمة هناك تتكون من عدد من أعضاء الكونغرس الذين حافظوا على مواقعهم لعقود من الزمن وكذلك جماعات الضغط ومن أبرزها لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية «AIPAC». وهذا يعني أن الرئيس يعتبر ضعيفاً أمام هذه النخبة إذ إنه لا يملك الحرية في اتخاذ القرارات أو حتى اختيار الطاقم الحكومي التابع له. وبما أن الفضاء السياسي الأمريكي فريد من نوعه، فإن هناك فرقاً بين النخبة الحاكمة سالفة الذكر والنخبة السياسية، حيث إن النخبة السياسية تضم أبرز المشتغلين في السياسة بمن فيهم الرئيس ونائبه وبقية أعضاء الكونغرس وحكام الولايات وقيادات الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

وتعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة نقطة تحول في التاريخ السياسي للولايات المتحدة. فبالرغم من أن هذه الانتخابات تعرضت لسيل من الانتقادات والسخرية، إلا أن المحللين والمؤرخين الذين لهم باع طويل فيما يخص تاريخ الانتخابات الرئاسية قد يصابون بالهوس، ويخرجون بتحليلات ونظريات مختلفة لا نهاية لها. وكانت نسبة المشاركة في الانتخابات 55.3 % تقريباً علماً بأن نسب الإقبال في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لم تتجاوز 60 % منذ عام 1968. ومن الملاحظ أن الانتخابات الرئاسة الأمريكية لم تشمل أقاليم ما وراء البحار كبورتو ريكو وغوام وأجزاء من جزر ساموا، وهذه الأقاليم ليس لديها تمثيل في الكونغرس الأمريكي.

وكانت المؤشرات تصب دوماً في صالح مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون حسب استطلاعات الرأي التي تصدر عن مؤسسات تمثل توجهات ومصالح مختلفة، لكن منافسها مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب استفاد من نظام الانتخاب غير المباشر وعلى أصوات الناخبين غير المنتمين لأي حزب بالإضافة إلى الانتصارات التي حققها في معظم الولايات المتأرجحة أي التي لا تميل تاريخياً إلى أي حزب. وقد أدت الرسالة التي بعثها جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية «FBI» - وهو عضو سابق في الحزب الجمهوري - إلى الكونغرس بشأن ظهور أدلة جديدة في قضية استخدام البريد الإلكتروني الخاص لأغراض العمل والتي تورطت فيها كلينتون، إلى القضاء على آمال الأخيرة في الفوز بمنصب الرئاسة. وسيصبح ترامب أول رئيس أمريكي من خارج النخبة السياسية منذ الرئيس دوايت أيزنهاور.

وقد تمكن الخطاب السياسي الذي يميل إلى لغة الشارع من استقطاب عدد كبير من الناخبين الأمريكيين بعد أن سئموا من الخطاب السياسي التقليدي، وقد لعبت وسائل التواصل الاجتماعي دوراً فعالاً في دغدغة مشاعر هؤلاء الناخبين.

إن التغييرات التي ستشهدها الولايات المتحدة لاحقاً لا تعني بروز أحزاب جديدة خاصة وأن الحزبين الجمهوري والديمقراطي يتكونان من تيارات متعددة متماسكة. وسوف يتضح لنا شكل الخريطة السياسية الأمريكية الجديدة من خلال انتخابات الكونغرس في عام 2018 والانتخابات العامة في عام 2020، وسيشكلان اختباراً حقيقياً لترامب لأن تقييم الناخبين الأمريكيين للأداء الشخصي للرئيس المقبل وللأداء العام للحزب الجمهوري سينعكس على نتائج تلك الانتخابات. كما إن السياسة الخارجية الأمريكية تتعرض لنكسات هي الأكبر منذ حرب فيتنام. فإذا اجتمع هذا العامل مع عامل التغييرات الداخلية المشار إليها أعلاه، فإنه سيضعف الولايات المتحدة ويحولها من قوة موازية إلى قوة مكملة لقوى أخرى.