أصل إلى موضوع هام، لأوضح فيه الحقائق، حول قضية «أرض فدك»، التي خصها الله سبحانه وتعالى في «سورة الحشر»، في الآية رقم «6»، للرسول صلى الله عليه وسلم وآل بيته، للإنفاق على احتياجاتهم اليومية، بعد أن قام الصفويون بتشويه صورة سيدنا أبي بكر الصديق وسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بما دار حولها.

كانت «أرض فدك» مملوكة لبني النضير من اليهود، حصلوا عليها قبل أن يسيطر عليها جيش المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم منح الله سبحانه الرسول قطعة من هذه الأرض لكي ينفق منها على نفسه وأسرته، وظلت هكذا بعد وفاته دون أن يرثها أبناؤه، حسب قول النبي صلى الله عليه وسلم «الأنبياء لا يورثون»، وهناك حديث يقول فيه الرسول «نحن معاشر الأنبياء لا نورث»، وهذان الحديثان معترف بهما، عند علماء السنة والشيعة، بأن الأنبياء لا يورثون المال وإنما العلم والحكمة. يقول الله تعالى في كتابه الحكيم: «وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير»، «سورة الحشر: الآية 6».

وقد جاءت السيدة فاطمة الزهراء بنت الرسول رضي الله عنها، تطلب من الخليفة أبي بكر الصديق خليفة المسلمين «أرض فدك»، وما بقي من خمس خيبر كإرث من والدها صلوات الله وسلامه عليه، ورد عليها أبو بكر الصديق مطيعاً لما ذكره الرسول الكريم أمامه قائلاً «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا نورث ما تركنا صدقة»».

ثم ذكر لها قائلاً «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم من هذا المال»، وإني لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كانت خلال عهده صلى الله عليه وسلم». ولم يمنح أبو بكر الصديق فاطمة الزهراء رضي الله عنها «أرض فدك».

وغضبت فاطمة، لكنها رضيت فيما بعد، وبايعت أبا بكر الصديق مع زوجها الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه، وماتت وهي راضية عنه، بل لقد جاء أبو بكر الصديق لزيارتها وهي مريضة، فسألها علي إذا كانت تقبل بزيارته، فردت عليه بأنها تقبل به، فدخل عليها يسترضيها فقال لها: «والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله ومرضاة رسوله ومرضاتكم أهل البيت».

و«فاطمة رضي الله عنها تعلم من والدها رسول الله صلي الله عليه وسلم أن المسلم لا يحل له أن يخاصم أخاه أكثر من 3 ليال، لذلك لا يمكن أن تخاصم أبو بكر الصديق»، كما قال القرطبي في سياق شرحه لهذه القضية.

وقد أكد حديث الرسول الكريم «أن العلماء ورثة الأنبياء وأن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً وإنما ورثوا العلم»، العالم الشيعي «الكليني» في كتابه «الكافي» إذ قال «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن العلماء هم ورثة الأنبياء، وأن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ولكن ورثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر»، وقد تحدث عن هذا الحديث أيضاً المجلي في مرآة العقول»111/1».

فلماذا يتغاضى عنه الصفويون في مسألة إرث الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما لم يمنح أبو بكر فاطمة الزهراء إرثها. وعندما جاء عهد عمر بن الخطاب، جاء علي بن أبي طالب والعباس إلى عمر بن الخطاب يريدون إرث فاطمة من والدها الرسول صلى الله عليه وسلم، لكنه رد عليهما قائلاً: «أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا نورث، ما تركناه صدقة»، وعندما سأل علي والعباس إذا كانا يعلمان بذلك، فأقرا بذلك. فقال عمر «فإني أحدثكما عن هذا الأمر، إن الله قد خص رسوله صلى الله عليه وسلم بشيء لم يعطه أحداً غيره»، ثم قرأ عليهم الآية رقم «6» من سورة الحشر، ثم قال: «لقد جعل الله هذه الأرض خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما احتازها دونكم «لا أستولي عليها منكم»».

وقد يدعي البعض أن النبي سليمان ورث والده النبي داوود عليهما السلام، حسب قول الله سبحانه وتعالى في كتابه الحكيم «وورث سليمان داوود»، والإرث هنا ليس المال إذ كان للنبي داوود عدد كبير من النساء والأبناء، حسب عادات ذلك العصر، فكيف يرث النبي سليمان وحده إرث النبي داود؟

إذن الإرث كان هو النبوة والحكمة اللتين أورثهما النبي داود لابنه النبي سليمان.

لقد كان أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما يعطيان المال من إنتاج الأرض إلى آل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذا منه شيئاً، وظل الأمر كما هو بعد عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. ورفض الخليفة علي بن أبي طالب أثناء حكمه أن يرث الأرض لأن الصحابة من قبله لم يفعلوا، ذلك حسب وصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك فعل الحسن والحسين رضي الله عنهما، إذ لم يقبلا بهذا الإرث، وظل للإنفاق على آل البيت. وللحديث بقية.