مثلما يوجد رابط مقدس بين الأب وأبنائه، والزوج وزوجته، والرضيع وأمه، بل حتى بين الفلاح وأرضه، فكذلك يوجد رابط وحبل متين بين المواطن وحكومته، والرئيس ومرؤوسه، ورب العمل وطاقمه، وجميع هذه الروابط والعلاقات تحكمها مقومات لديمومتها، لينتفع منها الطرفان، وقد يشوبها بعض الفتور أو ربما النفور أحياناً، بسبب عدم تفهم الآخر أو بسبب تأثير خارجي أو غمط أحدهما لحق الآخر.

وأغلبنا يعلم يقيناً وعلى وجه الدقة الطريق الأمثل في الحفاظ على الروابط الأسرية والحقوق الفردية، إما من خلال تعليمات الشرائع السماوية، وما ورد بيانه وتفصيله في الكتاب والسنة، أو من خلال العرف الاجتماعي، أما باقي العلاقات والتعاملات فتحكمها ضوابط وقوانين تضمن لكل طرف حقه.

وقد تصل في بعض الأحيان العلاقة بين تلك الأطراف إلى حد القطيعة وصعوبة الإصلاح، فيذهب كل طرف لوجهته إما بالتراضي أو بتدخل قضائي يلزم المسبب للضرر بأداء ما عليه ورغماً للضرر الذي يتركه فك ذلك الرابط لكن يبقى أثره محدوداً عدا الرابط، والعلاقة الوحيدة التي إن انفصمت أو تهشمت أو أصابها الخرق فالجميع يدفع ثمنها باهظاً وتكاد أن تقضي على الطرفين ألا وهي العلاقة التي يجب أن تكون متينة وفي أعلى مستوياتها وتتمثل في «العلاقة بين المواطن وحكومته».

ومتانة العلاقة بينهما تنعكس إيجاباً على الوطن وتصب في صالح استقراره وازدهاره وتسوره بجدار عال متماسك من الصعب خرقه أو تسلقه من الأعداء، ومتى ما تمكن الأعداء من ولوجه، فليعلم الطرفان أن هنالك تقصيراً من أحدهما تجاه الآخر مكن الأعداء من النفوذ من خلاله وسيلقي لا محالة بظلاله وعبئه الثقيل على المواطن والحكومة على حد سواء.

إن حقوق المواطنين على الحكومات وفي أي بلد تكاد تكون مشتركة ويجب على الحكومات التي ارتضت لنفسها تحمل هذه الأمانة الثقيلة أن تفي بالتزامتها في الرخاء والضراء، وتتمثل أغلبها في الذود عن الأوطان وبسط الأمن والأمان ومجانية التعليم والصحة وتوفير الخدمات والحفاظ على مكتسباته وتأمين عيشه ومصدر رزقه وعدم المساس بهما.

فمتى ما قصرت الحكومات في أي من تلك الحقوق فقد فتحت على نفسها باباً يدخل منه الأعداء خلسة، كما تسلل إبليس إلى الجنة ليوسوس إلى آدم وزوجه فأخرجهما منها ليشقيا.

فعلى الحكومات عند العسرة تدبر أمرها، والركون لمستشارين أكفاء ليرفدوها بالحلول المتزنة التي تحافظ على الروابط واللحمة بينها وبين مواطنيها، ولتعلم أنه متى ما جاءت المشورة وفيها غبن لحق المواطن والمساس بمكتسباته، فليتيقنوا أن ذلك المستشار إما إنه مخترق أو إنه ليس كفؤاً لشغل مقعده، فليسارعوا بعزله قبل تفاقم الهوة بين المواطن وحكومته، فكثير من المستشارين من هدموا بمشوراتهم دولاً كانت آمنة مستقرة! هذا من جانب التزام الحكومات تجاه مواطنيها.

أما الواجبات الملقاة على عاتق المواطنين لديمومة العلاقة مع حكوماتهم فسنامها يتمثل بالحفاظ على الشرعية، والتي بقوامها تستقيم الحياة، كذلك اليقظة ومشاركة الحكومة في تحمل جزء من المسؤولية في الالتزام بتطبيق القوانين النافذة والحفاظ على الأمن، وعدم الاتكال على الحكومة وأجهزتها الأمنية كلياً، فليس بمقدورها مهما أوتيت من عدة وعدد من بسط الأمن ما لم تكن عين المواطن هي الرديف والرقيب وأن يمارس دوره الإصلاحي والرقابي، بدءاً من الأسرة ومروراً بالمشغل والدائرة والمؤسسات التعليمية والمنبر، ليكونوا عيوناً ساهرة ترفد تلك الأجهزة بما يعينها على أداء مهامها على وجه الإتقان وعدم التستر على الإرهابيين والمنحرفين ومناصحتهم بدءاً لإخراجهم من مستنقعاتهم، فإن تعذر فلا أقل من الأخذ على أياديهم ومنعهم من جرمهم والاستعانة إن تطلب الأمر بالأجهزة الأمنية، للوصول إليهم مهما كانت درجة قربهم لردعهم قبل وقوع المحظور.

كذلك الوقوف صفاً واحداً مع الحكومات عند تعرضها للأزمات الاقتصادية وكما هو حاصل اليوم وذلك بإعادة رسم الأوليات وضغط النفقات وترشيد الاستهلاك والمحافظة على البنية التحتية والخدمات وصيانتها وحسن استخدامها وإيقاف الهدر لعبور النفق الاقتصادي بسلام.

فليس من الإنصاف وفي ظل هذه الأزمات الخانقة تحميل المواطنين أو الحكومات ما لا يحتمل ويستحيل على أحدهما أن يعبر إلى ضفة النجاة دون الآخر.