استغل الكيان الصهيوني المحتل انشغال العرب والمسلمين بمحاربة التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم الدولة «داعش» و«القاعدة»، ومتابعة انتهاكات ميليشيات «حزب الله» اللبناني، و«الحشد الشعبي» في العراق، وإرهاب إيران وتدخلها في شؤون العرب بوجه عام، ودول مجلس التعاون الخليجي بوجه خاص، ودعمها للتطرف في المنطقة، إضافة إلى الفوضى الخلاقة للثورات والانتفاضات في عدد من الدول العربية، ناهيك مؤخراً عن عملية انتقال السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية وتنصيب الرئيس دونالد ترامب، وسارع إلى الإعلان عن مشاريع استيطانية كبيرة في استفزاز متعمد للفلسطينيين والعرب والمسلمين، وفي تحدٍّ واضح للمجتمع الدولي والأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، حيث تبنى الأخير الشهر الماضي، وفي الأيام الأخيرة لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما القرار رقم «2334» الذي يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان نهائياً في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية المحتلة، بتأييد 14 من الدول الأعضاء في المجلس وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت للمرة الأولى منذ 1979، وهو القرار الذي أثار غضب دولة الاحتلال، بالرغم من أن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ينظران إلى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية على أنها إجراءات غير شرعية، فضلاً عن أن التوغل في الاستيطان ينسف حل الدولتين.

ومنذ الجمعة الماضي، وتزامناً مع تنصيب ترامب رئيساً لأمريكا، وافقت إسرائيل على بناء أكثر من 3000 وحدة استيطانية في الضفة الغربية المحتلة، والقدس المحتلة، سعياً من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى استغلال عملية انتقال السلطة في أمريكا، من أجل إرضاء جمهور المستوطنين وتحقيق مكسب سياسي للتيار اليميني في دولة الاحتلال، وإرضاء الحكومة الأكثر تطرفاً على الإطلاق في تاريخ الاحتلال، والتي يرفض غالبية وزرائها، وعلى رأسهم وزير الدفاع المتطرف أفيغدور ليبرمان، الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية بل ويطالبون بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة لتصبح تابعة للكيان الصهيوني، وهو ما برز في تصريحات وانتقادات عدد من مؤيدي الاستيطان، للإعلانات الاستيطانية الأخيرة، وعلى رأسهم وزير الزراعة المتطرف أوري إريئيل الذي قال إن «عمليات بناء الوحدات الاستيطانية قليلة للغاية، ومخادعة»!

ولعل الأمر اللافت الذي يثير حيرة الفلسطينيين، صمت إدارة ترامب وعدم تعقيبها على القرارات الإسرائيلية الأخيرة، خاصة حينما رفض المتحدث باسم البيت الأبيض شون سبايسر إبداء رأيه حول قرارات إسرائيل، وقال رداً على سؤال حول رأي ترامب في خطة إسرائيل بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في الأراضي المحتلة، أن «إسرائيل لا تزال حليفاً مهماً جداً للولايات المتحدة»، مضيفاً أن ترامب «يريد التقرب بشكل أكبر من إسرائيل لضمان حصولها على الاحترام التام في الشرق الأوسط وسنتحدث إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو»! مع العلم أن إدارة الرئيس السابق أوباما اعتبرت بناء الوحدات الاستيطانية أمراً غير شرعي وحذرت في الأشهر الأخيرة من أن المستوطنات يمكن أن تعيق التوصل إلى الحل القائم على دولتين.

وتاريخ الكيان المحتل مع بناء المستوطنات بدأ منذ نصف قرن وتحديداً مع اندلاع حرب يونيو 1967، بعدما شيدت إسرائيل مراكز سكنية لكي يقيم فيها مستوطنون، ثم توالت عمليات البناء والاستيطان غير الشرعية مع حكومات الاحتلال المتعاقبة، حيث يعتبر اليهود القوميون الدينيون أنهم «يؤدون واجباً دينياً عبر الإقامة في يهودا والسامرة»، وهو الاسم «التوراتي» للضفة الغربية المحتلة، ولهذا استوطن المئات منهم في مدينة الخليل بالقرب من الحرم الإبراهيمي، وهو الموقع المقدس لدى المسلمين، وكثيراً ما تندلع عمليات للمقاومة ضد الكيان المحتل نظراً لوجود الموقع في قلب مدينة الخليل الفلسطينية.

ووفقاً للإحصائيات المتداولة، يعيش نحو 300 ألف فلسطيني و200 ألف مستوطن، في القدس الشرقية المحتلة، بينما يوجد 2.6 مليون فلسطيني و400 ألف مستوطن في الضفة الغربية المحتلة، كما يعيش نحو 30 ألف مستوطن في جزء من مرتفعات الجولان المحتلة من قبل اسرائيل منذ عام 1967، في حين أجبرت إسرائيل على إخلاء المستوطنات التي بنتها في قطاع غزة عام 2005، وفرضت في مقابل ذلك حصاراً خانقاً على القطاع منذ عام 2006، وهو الذي يخضع لسيطرة حركة المقاومة الإسلامية «حماس» حتى الآن.

والسؤال الأهم الذي يفرض نفسه، هل يكتفي العرب بالتنديد بالخطوات الإسرائيلية المستفزة واعتبار المستوطنات الإسرائيلية فقط مجرد جريمة حرب وعقبة كبرى في طريق السلام، واستمرار مطالبة الكيان المحتل بالانسحاب من الأراضي التي احتلها في عام 1967 وتفكيك المستوطنات فقط؟

ولعل السؤال الأكثر أهمية، ماذا سيكون موقف العرب إذا قررت الإدارة الأمريكية نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس المحتلة، خاصة مع إعلان السفير الأمريكى الجديد لدى إسرائيل ديفيد فريدمان أنه سوف يسكن بمدينة القدس المحتلة بغض النظر عن نقل السفارة الأمريكية أم عدم نقلها إلى المدينة. ووفقاً لوسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية فإن السفير الأمريكى الجديد سيصل إسرائيل نهاية فبراير المقبل لممارسة عمله وعلى عكس السفراء السابقين لأمريكا لن يسكن في منزل السفير المعروف فى مدينة هيرتسيليا بتل أبيب، بل قرر أن يسكن فى شقة بالقدس المحتلة، وأن يمارس عمله من المدينة المقدسة دون انتظار لموقف ترامب بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس من عدمه.

ومن المعروف أن ديفيد فريدمان من المؤيدين للاستيطان ويترأس منظمة «فريدمان»، وهي منظمة أمريكية تحول ملايين الدولارات سنوياً لمستوطنة «بيت إيل»، تلك المستوطنة التي أعلنت حكومة الاحتلال عن بناء 100 وحدة استيطانية فيها قرب مدينة رام الله، وأطلقت عليها صحيفة «هآرتس» اليسارية الإسرائيلية «المستوطنة المفضلة لفريق ترامب في الضفة الغربية»! فيما تحدثت مصادر صحافية عن أن والد صهر ترامب، اليهودي، جاريد كوشنير وترامب ذاته يحولون أموالاً إلى المستوطنة!

ولا تتوقف جرائم الاحتلال عند توسيع الاستيطان أو حظر الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، بل تمتد إلى اعتداءات وانتهاكات وقتل الفلسطينيين بدم بارد، وهو ما أدى إلى اندلاع عمليات للمقاومة الفلسطينية شملت عمليات دهس وطعن تستهدف جنوداً إسرائيليين ومستوطنين.

* وقفة:

يا عرب، يا مسلمون.. لا يُلْهكم إرهاب إيران و«داعش» و»القاعدة» و«الحشد الشعبي» و«حزب الله» والفوضى الخلاقة، عن قضيتنا الأولى والأزلية.. ألا وهي فلسطين المحتلة! فمواجهة الاحتلال الغاصب واستيطانه غير الشرعي وجرائمه ضد الإنسانية لا تكون بالتنديد والشجب والاستنكار والقلق!