أعتقد أن أنصار ومؤيدي رئيس النظام السوري بشار الأسد، دولاً وحكومات، جماعات وأفراد، أحزاب وتنظيمات، في موقف لا يحسدون عليه، خاصة بعدما أحرجت روسيا نظام الأسد، وأسقطت عنه ورقة التوت، بشكل متعمد، وقررت إعلان صياغة مشروع دستور لجمهورية سورية بقيادة بشار، في إشارة صريحة إلى تقزيم موسكو لدور الأسد. ولا تقدم دولة بحجم روسيا على هذا الفعل إلا إذا كان لديها يقين بأنها بالفعل تملك زمام الأمور في سوريا وتتحكم في مصير الأسد، فيبدو حملاً، لا نسمع له زئيراً، باعتبار أن دوره لا يتجاوز بيدقاً في رقعة شطرنج، يحركه الكرملين، وقتما يشاء، وهو الأمر الذي يدعو إلى عقد مقارنة تساوي بين الدستور الروسي لسوريا، والدستور الأمريكي للعراق، بعد سقوط نظام الرئيس صدام حسين في 2003، رغم تحفظ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف – الذي تولى أمر تسويق الدستور الجديد – على المقارنة بين الفعلين، بذريعة أن «الدستور الأمريكي للعراق وضعه المحتلون وفرضوه على الشعب العراقي، بينما موسكو لا تحاول فرض اقتراحاتها على أحد»!

ويبدو أن لافروف لا يدرك أن ما تقوم به بلاده ما هو إلا تكريس لسياسة الاحتلال، بعدما تدخلت وحسمت المعارك بضربات جوية مميتة لصالح النظام وحلفائه، وليست معارك شرق حلب وتهجير سكانها، عنا ببعيد، ولذلك يتساءل أحرار سوريا، معارضو الأسد، أهل العروبة الحقيقيين وليس المسخ، بمرارة وألم، حائرون «هل هناك دولة تضع دستوراً لدولة أخرى إلا إذا كانت تحتلها؟!».

وقد وضعت روسيا حليفها في موقف مخجل، بعدما كشفت عن كذبه ضمنياً، بإعلان وجود مشروع دستور روسي لسوريا، من 85 مادة في 24 صفحة، بينما كان النظام يسارع إلى النفي، بوضع أقرب إلى الكذب منه إلى إنكار الحقيقة، وهو ما صرح به رئيس وفد موسكو إلى مؤتمر أستانة في كازاخستان ألكسندر لافرينتييف من أن بلاده سلمت وفد المعارضة السورية نسخة من مشروع الدستور الذي أعده خبراء روس، ولم تأخذ المعارضة وقتاً طويلاً لرفض مشروع الدستور بل إنها رفضت استلام المسودة من الأساس، وفقاً لتصريحات رئيس وفد المعارضة في مباحثات أستانة محمد علوش.

ولأن روسيا مصرة على تسويق دستورها، سلم لافروف الجمعة الماضي في موسكو مشروع الدستور إلى ممثلين عن معارضة الداخل ومعارضة القاهرة – وهي المعارضة السورية في الداخل والمعارضة السورية المقيمة في القاهرة – في اجتماع غاب عنه ممثلو أهم التكتلات السياسية المعارضة والفصائل المسلحة.

وقد وصلت السخرية مداها، عبر ما جاء في مشروع مسودة الدستور «المفصل» من الروس، بعدما برعت موسكو في أداء دور «الترزي» أو «الخياط» الذي يخيط دستوراً بإبرة الاستهزاء والمهانة، فلم يتبق غير خطوة واحدة حتى تكمــــل روسيــــا استهـــزائها بالنظام وحلفـــائــه فتكتب على مشروع مســـودة الدستــور «Made In Russia»!!

والواقع أن الشعب السوري الحر الأبي الذي خرج عن بكرة أبيه في وجه نظام فاشي مستبد - لم يأت إلى الحكم بانتخابات حرة نزيهة وفقاً لدستور دولة عرفت بانها جمهورية منذ الاستقلال - لن يقبل أن «يلبس» ما يخيطه محتل، والواقع يقول إن من «يلبس» ذلك الدستور المهترئ، النظام «العروبي» وأنصاره في الداخل والخارج، وحلفاؤه في طهران، وبغداد، والضاحية، وصعدة، بعدما أسقطت موسكو اسم الجلالة عن القسم، فأصبحت «أقسم» فقط، بدلاً من «أقسم بالله»، إضافة إلى نزع صفة «العربية» عن اسم الدولة لتصبح «الجمهورية السورية»، عوضاً عن «الجمهورية العربية السورية»، وإلغاء خانة الديانة الإسلامية من الدستور. وأمام إسقاط عروبة الجمهورية وعدم الالتزام بالديانة الإسلامية للرئيس، وعدم اشتراط إقامته في سوريا، وإمكانية تكبير وتصغير جغرافيا الجمهورية، يجد السوريون أنفسهم أمام رئيس مستورد من روسيا، يدعى بشاروف أسدوف!!

ولأنه «كل يغني على دستوره»، سارع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي إلى «الترحيب» بإزالة كلمة «العربية» من تسمية «الجمهورية السورية»، معتبراً أن «الأسد يجب أن يبقى في الحكم في المرحلة الانتقالية حفاظاً على الأمن»!

وقد سارع مسؤولون في النظام إلى إجراء تعديلات بخط اليد على مشروع المسودة الروسية، ومنها أن يسمح بانتخاب الأسد لولايتين على التوالي، ما يعني أن يترشح الأسد مجدداً في 2021، فيما تم إرسال النسخة المعدلة بخط اليد إلى موسكو وطهران لبحث الأمر.

* وقفة:

ليصمت أنصار الأسد، مدعوو العروبة في الداخل والخارج، أبد الدهر، فلا نسمع لهم صوتاً بعدما استهزأت بهم روسيا و«فَصّلت» لهم دستوراً ينزع عن سوريا عروبتها وديانتها الإسلامية!! ومن ثم، بعد الآن، لن يجرؤ بشار وأعوانه وحلفاؤه، دولا وحكومات، جماعات وأفراد، أحزاب وتنظيمات، على أن يزايدوا على عروبة أحرار سوريا وثوارها الذين خرجوا عن بكرة أبيهم، ضد جبروت الطاغية، حفاظاً على سوريا العروبة، والجيش العربي السوري، بعدما حوله الأسد إلى جيش موسكو وطهران وميليشيات «حزب الله» و«الحشد الشعبي»!!