ساسون حسقيل شخصية يهودية بارزة، ولد في العام 1860 في بغداد لأسرة تجارية، شغل مناصب عدة في الدولة العثمانية قبل الحرب العالمية الأولى، حتى انتخب نائباً في مجلس النواب «العثماني»، وعند تأسيس الدولة العراقية الحديثة بعد الحرب العالمية الثانية، كان من ضمن الأعضاء الثمانية الذين شكل بهم الإنجليز أول حكومة مؤقتة في العراق 1918-1923، إذ شغل منصب وزير المالية، وبقي وزيراً للمالية في خمس حكومات، كل ذلك شيء من التاريخ الذي انقضى، الجديد في الأمر أن هذه الشخصية وحكاياتها ومآثرها تشهد تسويقاً واسعاً هذه الأيام على المستوى الاجتماعي داخل العراق وخارجه أيضاً، فلمصلحة من ذلك، ولماذا في هذا التوقيت؟

كل يوم نقرأ قصة مشرفة عن ساسون حسقيل، تظهر أمانته وحرصه على المال العام، وتظهر لنا وطنيته واعتزازه ببلده العراق ومهنيته العالية ودوره البارز في بناء الدولة العراقية الحديثة، وبناء على هذه القصص تكتب المقالات وتصبح حديث المجالس، وكلها قصص إيجابية، ترسم صورة مثالية للشخصية دون ذكر أي سلبيات أو أخطاء، وللإنصاف فقد قدم الرجل خدمات جليلة لبلده ولم يكن سارقاً وكان متقناً لعمله، لكن في المقابل، لا أحد يذكر أن اليهود وحسقيل من وجهائهم كانوا معارضين لمنح بريطانيا العراق استقلاله بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وكانوا يعتبرون العرب جهلة لا يمكنهم إدارة دولة، بل كانوا رافضين للجنسية العراقية وطالبوا بريطانيا منحهم جنسيتها أو الجنسية العثمانية، على ألا يكونوا في دولة يديرها العرب، لكن البريطانيين طمأنوهم وفرضوا حسقيل وزيرا للمالية في أول حكومة شكلوها، كما أنه لا أحد يذكر من قصص حسقيل قصة انتمائه لجمعية الاتحاد والترقي التي عملت على إسقاط الدولة العثمانية التي كانوا من رعاياها، ولا أحد يذكر أن حسقيل أطاح بساطع الحصري الذي كان مسؤولاً عن التعليم في العراق، لكن الملك فيصل أعاده إلى موقعه رغماً عنه.

كل ذلك لا يذكر في قصص حسقيل والسبب في ذلك أن جهات خارجية تريد تسويق اليهود على أنهم وطنيون، كانت لهم اليد الطولى في تأسيس الدولة العراقية الحديثة، ولولاهم لما تمكن العرب من تأسيس وبناء الدولة، خصوصاً وأن كل قصص حسقيل التي تروج الآن تتعلق بصولاته وجولاته في المفاوضات مع بريطانيا حول حقوق العراق وحفاظه على حقوق البلد المالية ورفضه صرف دنانير قليلة حتى لو أمر الملك فيصل بصرفها خارج التعليمات.

استثمار هذه الشخصية التاريخية وإظهار الجانب الإيجابي لها يأتي في سياق إظهار صورة لامعة لليهود خصوصا، وأن هناك بعض الإشارات لمشروع جديد يقضي بتوطين 150 ألف يهودي في العراق مرة ثانية، وتحديداً في سهل نينوى بالموصل، ولهم هناك مزارات وارتباطات وحتى أوقاف داخل مدينة الموصل، أما التوقيت فيأتي مع بداية طرد تنظيم الدولة «داعش» من الموصل، ومع الإحباط الشديد الذي وصل إليه العراقيون ومن يتابع شأنهم نتيجة إجرام وفشل وعمالة النظام الحاكم هناك، النظام الذي تكفل بتبييض وجوه الصهاينة فضلاً عن قدماء يهود العراق، مع رغبة الناس الشديدة بالهروب من الواقع مستمتعين بقصص ساسون حسقيل التي وصلوا من خلالها إلى مرحلة يتمنون فيها حكم اليهود لهم بدلا من ملالي قم وطهران، كل ذلك يدل على أننا أمام إعادة ترتيب لأوراق المنطقة التي سيكون اليهود جزءاً فاعلاً فيها.