كتب – وليد صبري:
في الوقت الذي تعاني فيه أقلية الروهينجيا المسلمة في بورما من الاضطهاد والتمييز العنصري والإبادة الجماعية نتيجة سياسة الحكومة التي تفضل البوذيين على الاقلية المسلمة، تجاهلت واشنطن انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد وأعلنت رفع الحظر المفروض منذ زهاء 10 سنوات على غالبية الواردات البورمية بهدف تشجيع الإصلاحات الاقتصادية في البلاد، بينما قام الرئيس باراك اوباما بزيارة تاريخية إلى رانغون، تجعل منه أول رئيس أمريكي في السلطة يتوجه الى بورما، في خطوة اثارت استياء منظمات حقوق الانسان.
ولم يتطرق المسؤولون الأمريكيين للحديث عن قضية اقلية مسلمي الروهينجيا التي اعتبرتها الأمم المتحدة من أكثر الأقليات تعرضاً للاضطهاد في العالم، بل تركزت تصريحات مسؤولي البيت الأبيض خلال الفترة الأخيرة على دعم الإصلاحات في البلاد، وحث بورما على قطع علاقاتها العسكرية مع كوريا الشمالية، العدو اللدود للولايات المتحدة.
وهنأ اوباما بورما بإصلاحاتها، مؤكداً أن «لا أوهام» لديه أن العملية الانتقالية في بورما لم تنته بعد وأنه لا يزال أمام البلد «مسيرة طويلة» على الصعيد السياسي.
وخلال زياته، تطرق اوباما بخجل الى قضية الروهينجيا، ودعا الى انهاء العنف الديني معتبرا انه «ليس هناك عذر» للعنف ضد المدنيين.
واضاف ان «الروهينجيا يتمتعون بالكرامة نفسها مثلكم ومثلي، المصالحة ستاخذ وقتا لكن حان الوقت لوقف الاستفزازات والعنف من اجل انسانيتنا المشتركة ومستقبل البلد».
ونتيجة لذلك، تعرض الرئيس الامريكي لانتقاد منظمات حقوق الانسان كونه يظهر دعماً قويا لبلد لا يزال يشهد اعمال عنف طائفية وتضطهد حكومته الاقلية المسلمة.
واعترضت المنظمات الحقوقية على تسرع اوباما في التقارب مع النظام الجديد وزيارته لبورما، واعربت عن استيائها من مكافئة اوباما للحكومة شبه المدنية في البلاد قبل اكتمال الاصلاحات الديمقراطية.
وحظيت خطوة اوباما بدعم النواب الامريكيين من الديمقراطيين والجمهوريين الذي اجرى التقارب على مراحل، مدعوما من زعيمة المعارضة و»ايقونة الديمقراطية» اونغ سان سو تشي التي باتت نائبة وعادت الى قلب اللعبة السياسية.
من جانبها، قالت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون إن «الولايات المتحدة تركز على الادوات الاقتصادية في سياساتها الخارجية بينما تتحرك لتأمين موقعها كقائد عالمي»، مشيرة الى ان «انفتاح بورما وإقامتها علاقات جديدة مع جيرانها يجعلها مركزاً تجارياً يربط الاسواق في الهند وبنغلادش مع جنوب شرق اسيا، وهو ممر اقتصادي بين الهند والدول المطلة على المحيط الهادي وسيلقى دعماً من بنية أساسية جديدة في الطاقة والنقل وحواجز تجارية ويخلق الوظائف وينتشل الملايين من الفقر».
وتثير التصريحات الاخيرة لكلينتون كثيرا من الجدل حول ازدواجية واشنطن، وسياسة غض الطرف عن انتهاكات حقوق الانسان في بورما، أمام مصالحها الاقتصادية في دول جنوب شرق اسيا على المدى البعيد.
من جهتها، وصفت زعيمة المعارضة اونغ سان سو تشي اعمال العنف بين البوذيين والمسلمين «بالمأساة الدولية الهائلة» ودعت إلى وضع حد للهجرة غير المشروعة القادمة من بنغلادش.
وأعلنت المنشقة السابقة أنها لم تتحدث باسم أقلية الروهينجيا الملسمة.
وقالت حائزة نوبل للسلام التي خيبت آمل مؤيديها بسبب موقفها غير الواضح من المواجهات «لا تنسوا أن أعمال العنف ارتكبت من قبل الجانبين لذلك أفضل ألا اتخذ موقفا واريد العمل من اجل المصالحة».
ومنذ وصوله الى الحكم وحل المجموعة العسكرية في مارس 2011، حاول الرئيس ثين سين القيام باصلاحات، لكنه فشل في ايجاد حلول للمشاكل التي يعاني منها مسلمي الروهينجيا.
و اعتبر في خطابه الاخير ان «على بلاده وقف اعمال العنف الطائفية غرب بورما ومعالجة اسباب المشكلة وإلا فقدت بلاده حظوتها في نظر المجموعة الدولية».
من جهتها، دعت منظمة التعاون الاسلامي خلال اجتماعها الوزاري في جيبوتي الاعضاء الدائمين في مجلس الامن الدولي الى «انقاذ» اقلية الروهينجيا من الابادة والاضطهاد السياسي.
ورفضت بورما منتصف اكتوبر الماضي فتح مكتب تمثيلي لمنظمة التعاون الاسلامي في البلاد حيث اسفرت اعمال العنف بين البوذيين من اتنية الراخين واقلية الروهينجيا عن مقتل ونزوح عشرات الالاف غالبيتهم من المسلمين منذ يونيو الماضي.
ولم تعترف الحكومة البورمية بـ 800 الف من الروهينجيا، بأنهم مواطنون وتعتبرهم مهاجرين غير شرعيين، وتحرمهم من الجنسية، ويعيش القسم الاكبر منهم غرب البلاد ويواجهون شتى انواع التمييز والاضطهاد التي دفعت مئات الالاف منهم الى المنفى. وكتبت المفوضية العليا للاجئين في تقرير اصدرته ان الاضطهاد «يشمل عمل السخرة، والابتزاز، والقيود على حرية التنقل، وعدم وجود قانون للإقامة، وقواعد زواج جائرة، ومصادرة أراض، كذلك فإن الروهينجيا لا يستفيدون إلا بشكل محدود من التعليم الثانوي والعالي ومن خدمات عامة أخرى».