كتب - أحمد الجناحي:
يثار موضوع هجرة الإعلاميين البحرينيين للخارج في عالم «تويتر» بشكل كبير، ويرى بعضهم أن البيئة الإعلامية في تراجع مستمر، وأن القيمين على الإعلام البحريني راكموا مشاكل فوق مشاكل حتى علاها غبار النسيان دون أن يسعوا لحل المشكلة، ووضع الإعلام على سكته الصحيحة.
عدم وجود بيئة حاضنة للإعلاميين في البحرين، دفع كثيرين للهجرة خارج الوطن، بحثاً عن لقمة العيش تارة، وعن إعلام حقيقي يحقق رغائبهم وأمانيهم في عالم السلطة الرابعة غالباً.
وفي الحديث عن هذا الموضوع تبرز مشكلة غياب الهيكلية الوظيفية في الحقل الإعلامي، ومساواة ديوان الخدمة المدنية الإعلاميين بباقي الموظفين ومطالبتهم بعدد ساعات محددة خلافاً لطبيعة العمل الإعلامي.
الحرب الإعلامية
الإعلامي والفنان القدير أنور أحمد يقول إن مشكلة الإعلاميين ليست لحظية، وأن أسباب هجرتهم هي ذات الأسباب القديمة المتجددة، ومنها انطلقت رحلة «الطيور المهاجرة» في التسعينات، وفي مقدمة هذه الأسباب المشاكل المادية «مشكلة الجانب المادي عند الإعلامييين قديمة وأزلية لم تنل اهتمام القائمين على الإعلام المحلي، لانقول إن الإعلاميين ماديون ولكن الجميع يبحث عن الاستقرار على الأقل».
رحلة الطيور المهاجرة انطلقت في تسعينات القرن الماضي، عندما هاجر الإعلاميون بعيداً عن الوطن الأم لممارسة مهنتهم دون مشاكل مادية أو معنوية تقض مضاجعهم، وتضع العراقيل أمام مهنة جوهرها الإبداع والتألق.
من بين الصحافيين أصحاب الحظوة، ممن نالوا فرصتهم في عرض عمل بالخارج أنور أحمد، الذي رفض كل العروض لحاجة البحرين للإعلاميين إبان تلك الفترة، ويقول أنور «حراك البحرين سواء الاجتماعي أو السياسي أجبر الإعلاميين على البقاء، لأن الوطن بحاجة لجهودهم ووقفاتهم.. فالبحرين لا تتقدمها أولوية، ولكن البعض الآخر اختار الهجرة».
ويشير أنور إلى أن موظفي الإعلام من مذيعين ومعدين ومنتجي برامج لازالوا على الهيكل الوظيفي الحكومي العادي الذي لا يتناسب مع طبيعة عمل هيئة شؤون الإعلام، بينما المفترض أن يكون هناك هيكل إعلامي خاص ذي استقلالية مادية وإدارية ويختلف عن هيكل عام 1993.
ويقول أنور إن المشكلة الأخرى أن معظم الوزراء بعد محمد المطوع، ركز كل واحد منهم على جانب واختص به إما إخباري أو ثقافي، وأهمل باقي الجوانب، وكان الإعلامي نفسه بصف الجانب المهمل عادة، فلم يسعى أحد لتحسين وضعه الوظيفي وتطويره، فبدأ التراجع الشديد والواضح في الإعلام وغابت الاستراتيجية السياسية واضحة المعالم.
ويضيف أن «الإداريين الحاليين ليسوا بإعلاميين ولا علاقة لهم بلغة الإعلامي ولايفهمونها «ما يشير إليه بعض الإعلاميين عبر تويتر صحيح ومبرر، لأن المسؤول عندما لا يفهم طبيعة عمل الإعلام يدمره، والإداريون ليسوا ذوي كفاءة ومعاملتهم للإعلاميين أقل ما يقال عنها سيئة».
ولم يخف أنور تفاؤله بوزيرة شؤون الإعلام سميرة رجب والمدير العام علي الرميحي «ننتظر إنفاذ وعودهم بتغييرات جذرية على مستوى الإداريين «يجب أن تتغير بعض الأسماء وتستبدل، لأن مشاكل الإدرايين داخل الهيئة لا ترضي أي إعلامي».
أنور من الرعيل القديم في الإعلام «عشت فترة ذهبية قدرت معنوياً ولكن التقدير المعنوي ما يوكل عيش.. نحن فقراء مادياً عقب 30 سنة خدمة في الإعلام، زملاؤنا في دول الخليج يبدأون برواتب تفوق رواتبنا الحالية 3 مرات أضعاف».
ويراهن أن حل مشكلة هجرة الإعلاميين يكمن في تحسين الرواتب ووضع هيكل وظيفي خاص بالعاملين بالحقل الإعلامي، وتدريب الإعلاميين وإعادة تأهيلهم «على الجميع أن يؤمن بدور الإعلام في حماية البلد، لأن الحرب حالياً إعلامية لا عسكرية».
الأحلام وصخرة الواقع
ويرى الإعلامي عمار البناي أن «مأساة» تلفزيون البحرين بدأت مع دخول جيله - جيل الوسط ـ إلى هيئة شؤون الإعلام، حيث اكتشفوا أن أحلامهم الوردية للنهوض بالرسالة الإعلامية تحول دونها سدود وعقبات لا مجال لإزاحتها.
وحسب رأيه أن الخلل يمكن في غياب الاستراتيجية الواضحة والخطة الصحيحة وعدم الاستقرار الإداري على مستوى الوزراء والمدراء، فكل 6 أشهر أو سنة يعين وزير جديد يدخل بشيء مختلف تماماً عن سابقه ويطلق مجموعة عهود تبقى على الورق دون تنفيذ «ومع تعيين أي وزير إعلام جديد يتغير المدراء بطبيعة الحال، ولا نعلم عن معايير تعين المدراء شيئاً، أهي الخدمة في الطويلة بقطاع الإعلام؟ أم الشهادة والمؤهل الجامعي؟ أم لا هذا ولا ذاك؟».
ويقول «إذا لم يكن المدير ذا خبرة فكيف يخرج العمل الإعلامي إبداعياً؟! كيف يوجه ويعطي النصائح التطويرية إن كان هو نفسه يجهل أبجديات العمل الإعلامي».
ويسرد مواصفات المذيع ومقدم البرامج الناجح «التقديم والإذاعة موهبة تكمل أكاديمياً، المقدم يجب أن تتوفر فيه صفات معينة كالتلقائية وسرعة البديهة ويجب أن يكون على مستوى عال من الثقافة».
وفيما يخص الهيكل الوظيفي يقول البناي «حال الإعلامي بالهيئة كحال أي موظف في ظل غياب الهيكل الوظيفي المناسب، ومنذ سنوات نسمع به ولا نراه».
«جوكر» الإعلام
ويصف البناي الإعلامي البحريني بـ»الجوكر» ويقول «هو مطلوب عند القنوات الخارجية»، بالمقابل في الإعلام المحلي «الإعلامي يعد البرامج ويقدمها ويتصل بالضيوف ويستقبلهم وتصل بهم الحال لدرجة تنظيف الاستديو وتقديم الشاي والقهوة للضيف، وإذا نجح البرنامح شُكر المدير وإن فشل فعلى الإعلامي السلام».
ومصيبة الإعلام البحريني حسب رأيه «نكلف بالبرامج بنفس يوم عرضها وأحياناً قبل البرنامج بساعتين، خلافاً لما يدور في الاجتماعات المغلقة من ضرورة إعطاء الوقت الكافي للإعداد للبرنامج وضمان نجاحه».
ويشير إلى أن العروض المقدمة للإعلامي مغرية وتصل لدرجة منحهم الجنسية «كثيرون قبلوا العروض، وآخرون رفضوها أملاً بتعديل الأوضاع».
ويتحسر البناي على حال تلفزيون البحرين «هل سنصل لمرحلة أن تلفزيون البحرين لا يحمل الهوية البحرينية؟ الهيئة تستعين بمذيعين ومراسلين من خارج المملكة وتدفع لهم 3 أضعاف راتب البحريني».
الهيكل الإعلامي أولاً
يجمل المذيع محمد عيسى أسباب هجرة الإعلاميين بغياب الهيكل الوظيفي «وزير شؤون الإعلام سميرة رجب قالت إن متوسط راتب الإعلامي البحريني 600 دينار، لكن هناك من الإعلاميين من يستلم راتباً أقل، في غياب الهيكل الوظيفي للإعلاميين».
ويؤكد محمد الحاجة الماسة لهيكل وظيفي، إلى جانب تعديل نظام ساعات العمل «العمل الإعلامي لا يقاس بعدد الساعات بل بقيمته وكفاءة إنجازه، كثير من الإعلامين يعانون مشاكل إدارية في الهيئة، لأن ديوان الخدمة المدنية يطلب ساعات عمل معينة يجبر الإعلامي على قضائها رغم إنجازه كل أعماله».
ويرى في جانب التطوير والتحفيز في البحرين أقل بكثير مقارنة بدول الخليج العربية «طريقة معاملة الإعلامي في الهيئة دون المستوى المطلوب».
وينقل محمد عن سمو رئيس الوزراء قوله في لقائه الإعلاميين قبل سنتين «دور الإعلام لا يقل أهمية عن أي دور آخر، ومن الواجب دعم خط الدفاع الأول عن البحرين المتمثل بالإعلام.. دور الإعلام كبير في إظهار إنجازات الوطن خلال الفترة الماضية».
وبالإشارة إلى تغريدة كتبها محمد عيسى على حسابه عبر تويتر قال «مسؤول الإعلام لا يعلم أنه يضيع البلد بسياسته الفاشلة، وبعدها يأتي ليحاسب المذيع»، ويعلق عليها الكاتب الصحافي فيصل الشيخ بتغريدة «يهاجر الإعلاميون لأن مسؤولي الإعلام بدل تحمل المسؤولية يلقونها على الصحافي وكأنه هو من رسم الاستراتيجية!».
ويوجه محمد رسالة لكل من يعنيه الأمر «يجب الاهتمام بالإعلام أكثر، وأنا متفائل بالوزيرة سميرة رجب وتحتاج لدعم أكثر من النواب، بالفعل نحن بحاجة لتطوير الإعلام الذي سبقنا دول الخليج في تأسيسه وسبقونا بتطويره».
مغريات تسيل اللعاب
ناريمان أمير الدين إعلامية بحرينية التحقت بقناة الكأس القطرية مارس 2013، لاكتساب مزيد من الخبرة ومواكبة تطور الإعلام وأساليبه الحديثة، ترى السبب الرئيس وراء هجرة الإعلاميين في اكتساب مزيد الخبرة إلى جانب المغريات المادية.
وتقول ناريمان إن خبرة الإعلامي وكفاءته وكيفية تعاطيه مع المادة العلمية، لا تقل أهمية عن المؤهل العلمي «يجب تقدير الإعلامي على أساس الخبرة.. المؤهل العلمي مهم ولكن يجب ألا نغفل الجوانب الأخرى».
وعن تدني الرواتب في البحرين قياساً بدول الجوار الخليجية تضيف «الجماعة عندنا مو متفهمين أن هيئة الإعلام يجب ألا تعمل كوزارة، الإعلام بحاجة لميزانية ضخمة خاصة لتخدم الإعلام بشكل صحيح وتطوره، وبحاجة لإعادة الهيكل الوظيفي وفصله عن ديوان الخدمة المدنية لعدم توافق قوانينها مع طبيعة العمل الإعلامي، القانون الحالي يطالب بكم الساعات لا بجودة العمل وكفاءته».
وتجرد ناريمان مسؤولي الإعلام من سلاح الخبرة «بعض المسؤلين بالإعلام لا علاقة لهم بالإعلام ولايفهمون طبيعته ولا المواد الإعلامية وطريقة صناعتها، هناك قضايا كثيرة تستدعي تعاملاً إعلامياً مختلفاً عما هو سائد، عبر ابتعاث مراسلين ذوي خبرة وتخصص وعلى دراية بالأوضاع المتعلقة في البحرين، ولكن المسؤولين يبعثون بمراسلين دون الكفاءة والخبرة والثقافة المطلوبة، يجب الاستعانة بالخبرات المناسبة كما تفعل أغلب الهيئات الإعلامية بدول العالم».
وتدعو ناريمان إلى فصل هيئة الإعلام عن ديوان الخدمة المدينة وإعادة النظر في تعيين بعض المسؤولين «يجب أن تحصل الهيئة على الدعم بعيداً عن عراقيل ديوان الخدمة قبل الحديث عن أي استراتيجية تطويرية، وعلى الهيئة تحسين معاملتها للإعلامي ليتنسى له الإبداع وتقديم الأفضل في مجال تخصصه».
وتشعر ناريمان بالأسى لمغادرتها أرض الوطن، وتتمنى أن يكون عطائها الإعلامي لوطنها، ولكن الأسباب وحال هيئة الإعلام في البحرين يجبر الإعلامي على الهجرة «أتمنى أن يتم تقدير الإعلامي وأن يلقى الاهتمام المستحق، وتسند مهمة إدارة الإعلام لأشخاص كفؤ يتفهمون طبيعة الإعلام، على قاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب».
وفي رسالة ناريمان تتمنى على الجهات المعنية تخصيص ميزانية مناسبة للإعلام، وتهيئة مناخ من الراحة النفسية وأجواء العمل المناسبة للإعلاميين والصحافيين «بإمكاننا أن نكون أفضل دولة من ناحية الإعلام إذا تم احتضان الإعلاميين وتقديرهم» وتضيف «ليش نعطي فرصة حد ثاني يحتضن إعلاميي البحرين وأحنا بحاجتهم».
دوافع الهجرة
ترى الإعلامية إيمان مرهون أن هناك دوافع ذاتية وأخرى خارجية لهجرة الإعلاميين البحرينيين «تتلخص الدوافع الذاتية في رغبة الإعلامي في تنويع معارفه وتوسيع دائرة رسائله الموجهة للجمهور، فيما تتمثل الدوافع الخارجية بتطور الإعلام بالخارج قياساً بالبحرين، فالبيئة الإعلامية في البحرين غير مهيئة لاستيعاب الإعلاميين وقناة تلفزيونية واحدة لا تكفي لاستيعابهم».
وتقول «المشكلة لا تقتصر على وجود قناة وحيدة، بل يضاف إليها عدم تنوع البرامج وهشاشتها، فيما يطمح كل إعلامي إلى مواكبة كل جديد بعالم الإعلام، والتي وجدها أغلب الإعلاميين المهاجرين إلى دول أخرى»، داعية إلى إسناد إدارة هيئة الإعلام لمؤسسة متخصصة.
وتوجه إيمان سؤالاً لكل من يهمه الأمر «إلى متى تستمر الشخصنة في التعامل مع الإعلاميين؟!» وترى مشكلة الإعلاميين في علاقتهم بمسؤوليهم المباشرين «الإعلامي يقدم برنامجه ضمن تعليمات مسؤوله، فإن وفق بالخطة ونجح البرنامج شُكر المدير وحده، وإن فشل فإن اللوم يقع على الإعلامي دون سواه».
إيمان مرهون تشغل منصب مستشارة إعلامية رغم رغبتها بالعمل كمذيعة «الوضع المهني والمادي للمذيعين لا يسمح لي بالعمل كمذيعة، فمتوسط الراتب 300 أو 600 دينار في أحسن الأحوال، والتغييرات بالهيكل الوظيفي سطحية لا تتوافق وطبيعة الوظائف».
وتضيف «متوسط راتب الإعلامي يصل إلى 600 دينار في حال اعتماده على مصادر دخل أخرى»، وتلفت إلى أن «طموح الإعلامي لا يتوقف على راتب مناسب، بل يطمح لتقديم برنامج يخصه ويبدع فيه».
وتدعو إيمان إلى تطوير قوانين الإعلام بما يتناسب مع الإعلاميين، إلى جانب الانفتاح الإعلامي وفتح المجال وفرص العمل وكسر الاحتكار الإعلامي على مستوى الإذاعة والتلفزيون، ووضع استراتيجية واضحه للتلفزيون «لأن التعليمات الحالية تتعارض أحياناً مع السياسة العامة».
وتوجه مرهون رسالة للمسؤولين والمهتمين بالإعلام «البحرين تملك كفاءات إعلامية لا تملكها دول أخرى، وعلى المسؤولين رعايتها والاهتمام بها، وتحسين أوضاعها».