عواصم - (وكالات): احتدم الجدل في الولايات المتحدة في اليوم الثالث من شلل الإدارة الفيدرالية، فيما حذرت وزارة الخزانة من أن تخلف واشنطن عن سداد ديونها ستترتب عليه عواقب «كارثية» في حال استمرار الوضع الحالي، بينما أوضحت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد أن شلل الميزانية شيء مؤذٍ وعدم القدرة على رفع سقف الدين سيكون أسوأ وربما لا يلحق ضرراً جسيماً بالولايات المتحدة وحدها وإنما أيضاً بالاقتصاد العالمي كله». وإلى أبعد من شلل الدولة الفيدرالية يشخص العالم البصر على تاريخ 17 أكتوبر.
وفي غياب أي مفاوضات حمل الرئيس باراك أوباما مباشرة على محاوره الجمهوري الرئيسي جون باينر رئيس مجلس النواب الذي أخذ عليه عدم الرغبة «في إغضاب المتطرفين في حزبه». وقال الرئيس الأمريكي في كلمة حادة اللهجة ألقاها في روكفيل بولاية ميريلاند القريبة من واشنطن «صوتوا على الميزانية، أوقفوا هذه المهزلة وأنهوا هذا الشلل». وأغلقت الإدارات الفيدرالية الأمريكية جزئياً منذ صباح الثلاثاء الماضي بسبب عدم التوصل إلى اتفاق في الكونغرس حول الموازنة. وأصبح نحو 900 ألف موظف أي 43% من موظفي الدولة في عطلة إجبارية بدون أجر حسب موقع متخصص. ويصر المحافظون الجمهوريون على مطلبهم بإلغاء أو تعديل قانون «أوباما كير» للتأمين الصحي مقابل الموافقة على ميزانية السنة المالية الجديدة التي بدأت الثلاثاء الماضي. لكن الرئيس يرفض أي مساس بقانون الإصلاح الصحي الذي عمل جاهداً لإقراره.
كما هدد هؤلاء النواب بربط هذه المسالة بمسالة رفع سقف الدين الذي يجب أن يتقرر قبل 17 أكتوبر الجاري.
وفي حال عدم موافقة الكونغرس على رفع سقف الدين قبل هذا الموعد ستكون سابقة حذرت وزارة الخزانة من جديد من عواقبها أمس. وقالت الوزارة في تقرير إنه في حال تخلف الولايات المتحدة عن السداد، فإن «سوق التسليف قد يتجمد وقيمة الدولار تنخفض وأسعار الفائدة الأمريكية تصعد بقوة ما يقود إلى أزمة مالية وانكماش يذكران بأحداث 2008 إن لم يكن أسوأ».
من جهته أعلن وزير الخزانة جاكوب لو في بيان «كما رأينا قبل عامين، فإن الغموض الطويل الأمد بشأن ما إذا كانت أمتنا ستدفع في الوقت المحدد كامل مستحقاتها المالية، سيضر باقتصادنا».
وأضاف أن «تأخير رفع سقف الديون حتى اللحظة الأخيرة هو بالتحديد ما لا يحتاج إليه اقتصادنا».
ويتمتع الكونغرس بصلاحية رفع سقف ديون الولايات المتحدة البالغة حالياً 16700 مليار دولار، لكن الغالبية الجمهورية في مجلس النواب ترفض ذلك في خضم معركتها مع إدارة الرئيس باراك أوباما حول الموازنة الأمريكية.
وفي صيف 2011، أدى وضع سياسي مماثل حول سقف الديون إلى شل واشنطن ما دفع بوكالة ستاندارد اند بورز للتصنيف الائتماني بحرمان الولايات المتحدة من تصنيفها الممتاز «ايه ايه ايه».
وتتمثل الاستراتيجية الجديدة للجمهوريين، الذين يسيطرون على نصف مجلس النواب ويملكون بذلك سلطة التعطيل، في محاولة إعادة فتح الوكالات الفيدرالية واحدة تلو الأخرى للتخفيف من «وجع» شلل الدولة.
واقر مجلس النواب إجراءات لإعادة فتح المتنزهات العامة والمتاحف والنصب الوطنية وإعادة عمل مؤسسات وطنية للصحة حيث تجرى أبحاث تجريبية لعلاج الأمراض الخطيرة. على أن يتبع ذلك قسم الاحتياطيين العسكريين وأجهزة مساعدة المحاربين القدامي.
إلا أنه من المتوقع أن يرفض مجلس الشيوخ طريقة «التجزئة» هذه التي ينوي الرئيس أوباما على أي حال استخدام حقه في الفيتو لرفضها.
وعلى مدى ساعة التقى أوباما في البيت الأبيض الزعيم الجمهوري جون باينر، غير أن المحادثات لم تحقق أي اختراق. وقال باينر إثر الاجتماع إن «الرئيس كرر مرة جديدة القول إنه لا يريد التفاوض».
وفي هذه المعركة التي تدور أيضاً على ساحة الرأي العام يبدو أن أوباما يحظى بدعم أكثر من خصومه حيث يرفض 72% من الأمريكيين فكرة شلل الدولة بسبب الخلاف على برنامج التأمين الصحي مقابل 25% يرون أنها فكرة جيدة حسب استطلاع لشبكة «سي بي سي» نشر امس.
وإلى أبعد من شلل الدولة الفيدرالية يشخص العالم البصر على تاريخ 17 أكتوبر. وقالت مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد محذرة في كلمة ألقتها في واشنطن إن «شلل الميزانية شيء مؤذٍ بالفعل إلا أن عدم القدرة على رفع سقف الدين سيكون أسوأ وربما لا يلحق ضرراً جسيماً بالولايات المتحدة وحدها وإنما أيضاً بالاقتصاد العالمي كله».
كما عبر رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي عن قلقه، معتبراً أن شلل الإدارات يطرح «إذا طال أمده مخاطر على الولايات المتحدة والعالم». وفيما يبدو أن شلل الإدارات سيستمر لفترة طويلة، سجلت البورصات الأمريكية تراجعاً حيث خسر مؤشر داو جونز عند الإغلاق 0.39% فيما تراجعت الأسواق الأوروبية والآسيوية أيضاً. وخسرت بورصة طوكيو أيضاً 2.17%. وكان للأزمة أيضاً تأثير على برنامج عمل أوباما الذي ألغى زيارة كانت مرتقبة في 11 أكتوبر الجاري إلى ماليزيا وأخرى إلى الفلبين. ولايزال الشك يحيط بإمكانية حضوره قمتين دوليتين.
وهذا الإغلاق يأتي بعد 33 شهراً من التجاذبات والمواجهات بشأن الميزانية بين الديمقراطيين والجمهوريين الذين استعادوا السيطرة على مجلس النواب في يناير 2011 بعد انتخاب عشرات الأعضاء من التيار الشعبوي المتشدد المعروف بحزب الشاي «تي بارتي».