عدت منذ أيام من سوريا بعد سفري لها أنا ومجموعة من الأصدقاء لتوصيل الطحين إلى المخابز في محافظة إدلب السورية المحررة، وأستطيع أن أختصر رحلتي الإغاثية هذه بجملة « لا يعرف الشخص قيمة النعمة إلا إذا فقدها « وهذا ما رأيته من حال الناس هناك، ومنذ أن قدمنا حملتنا السابقة في رمضان الماضي إلى اللاجئيـن السوريين في الأردن تمنيت أن أرى الوضع وأعيشه في سوريا الجريحة، وكنت أرى مشاهد الدمار والقتل يومياً على شاشة التلفاز كما أنه لم يسبق لي زيارة سوريا، وعندما سألت بعض أصحاب الخبرة عن طريقة الدخول إلى سوريا قالوا لي بأنهم سييسرون لنا السبيل إلى ذلك وبالفعل قمنا بالتجهيز للحملة.
كان عليّ أن أبلغ الأهل بالحقيقة وأنــي متوجــه إلى سوريــا عـــن طريق تركيا ووضعتهم أمام كل الاحتمالات، وودعـت الأهــل والأصحاب بعد أن قمت بالتقاط صور مع إخوتي لربما تكون الأخيرة، وكان الأشد حزناً وخوفاً علي من هذه الرحلة أمي وأخواتي إذ لم يستطعن إخفاء دموعهن، حتى أن أمي كانت تحــاول أن تعلم ابني «محمد» ذي الثلاث سنــوات كلمات مثل «لا تروح بيذبحونك «علها تشفع بعدم سفري، بل أني كنت أخبره بأني سأسافر إلى سوريا وكان يرد علي بالقول «ودنــي وياك»، لكــن حبي لخوض التجربـة وواجبي الإنساني كــان فــوق كـــل الاعتبارات فقد ذاق الشعب السوري الويلات على يد النظام المجرم. كنــــت أنتظـــــر يـــــوم الجمعــــة 27-9-2013 على أحر من الجمـــر وبفارغ الصبر وجاء الموعد، توجهنا إلى مطار إسطنبول ثم إلـى مطـــار أنطاكيا وصولاً إلى مبنى إحدى المنظمات التركية الإغاثية التي تقوم بالتنسيق مع مختلف الجهات لإدخــال المساعدات إلى سوريـــا، وتوجهنا إلى معبر باب الهــوى الحدودي بين تركيا وسوريا بسيارة تحمل لوحة من حلب، وأثناء سيرنـــا بالطريق سمعنا صوت بوق سيارة فالتفتنا فإذا بأحد مؤيدي النظام من تركيا يحمل علم سوريا وعليه صورة بشار الأسد من أجل إغاظتنا، لكننا لم نعره أي اهتمام فنحن لا نريد المشاكل كما أن المنطقــة تتبع مذهب النظام، وتنقلنا بين عدد من السيارات باختلاف لوحاتها إلى أن وصلنا إلى معبر باب الهوى الحدودي بين تركيا وسوريا.
وما أن دخلنا من المعبر الذي تسيطر عليه حركة أحرار الشام الإسلامية إذ بموفد المكتب يضع السلاح في السيارة يرافقه في كل مكان، كمـــا أن الوضـــع ليـس بمستغرب هناك فالكل يمشي حاملاً سلاحه مع أن المنطقة تعتبر آمنة ومحررة لكن الاحتياط واجب، وكنا نلاحظ الشاحنات والسيارات التي تقف على جانب الشارع لثلاثة أيام أحياناً من أجل الخروج من سوريا إلى تركيـــا، ويتواجد عند المعبر عدد كبير من مخيمات النازحين من المناطق التي تشهد أحداثاً ساخنة ويريدون الفرار إلى تركيا ولكن يمنعون لاحتياطات أمنية، ولاحظت أن كل النصب التذكارية والعبارات التي كانت تمجد النظام قد تبدلت الى آيات قرآنية وأحاديث نبوية وزيادة عبارة «الحرة» على المسميات.
وتنتشر في الشوارع نقاط تفتيش للفصائل الموجودة على الساحة السورية، وكان مفروضاً علينا أن لا نخرج ألا برفقة أحد الأشخاص السوريين التابعين للحركة بحكم علمهم بكل الشوارع والمنافذ، وأكد لنا الإخوة بأن ما يجري في سوريا هي حرب طائفية دولية على الإسلام والمسلمين وكل ذلك من أجل دولة الكيان الصهيوني، ومــا لفــت انتباهــي هــو لبــس المجاهديـــــن للثـــوب «البنجابي» الأسود لتذكيـــــر العــدو الروســـي بانتصار المسلميــن علــى الاتحــاد السوفييتي وبث الرعب في قلوب الجيوش المعتدية.
عبدالله الشاووش