عواصم - (وكالات): أكد محللون وخبراء أن «الإدارة الأمريكية تسعى للحد من أي ضرر قد يلحق بالتحالف الذي يربط الولايات المتحدة بالسعودية من جراء خلاف على تقاعس الولايات المتحدة في إيجاد حلول لقضايا رئيسة بالمنطقة والشرق الأوسط، أبرزت تباينات استراتيجية متنامية». وأضافوا أن «سلسلة من الانتقادات العلنية من أعضاء بارزين في الأسرة الحاكمة في السعودية سلطت الضوء على استياء المملكة من الولايات المتحدة بسبب موقفها من الأزمة السورية وتقاربها الدبلوماسي مع إيران وفتور موقفها من الحكومة المصرية والقضية الفلسطينية». ولا يتوقع المحللون انهيار العلاقة الاستراتيجية التي ظلت على مدار أكثر من نصف قرن أحد أركان السياسة الأمريكية في المنطقة لكن بعض المصالح المتبادلة التي جمعت بين الحليفين بدأت تهتز.
وفوجئت إدارة أوباما بتحذير سعودي أن المملكة تدرس تحولاً رئيسياً عن الولايات المتحدة.وسلم المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني بوجود خلافات مع السعودية لكنه قال «نحن نسويها بطريقة صريحة ومباشرة لأننا نصون الأسس الرئيسة لعلاقة في غاية الأهمية». وأضاف «سنواصل العمل مع شركائنا السعوديين لأن تلك العلاقة مهمة جداً من النواحي الاقتصادية والأمن القومي». وشبه بعض المسؤولين الأمريكيين الحاليين والسابقين في لقاءات خاصة التحذير السعودي بثورة غضب مؤقتة. وقال مصدر بأجهزة الأمن القومي الأمريكية إنه لم تبد أي بادرة على أن السعودية تريد تقليص المنشآت العسكرية الأمريكية. ومنذ سنوات بعيدة ربطت واشنطن والرياض شراكة وثيقة في الحرب على تنظيم القاعدة كذلك فإن المصالح مشتركة في الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في ضمان أمن إمدادات النفط من السعودية ودول أخرى. وقال مسؤول أمريكي كبير سابق له خبرة واسعة بالاتصالات الأمريكية بالسعودية «لا أستطيع القول إن هذا صدع رئيس» مشيراً إلى أن أوجه اعتماد كل من الطرفين على الآخر متعددة».
إلا أن بعض المحللين في واشنطن يقولون إن «الآراء أصبحت متباينة بشأن سوريا وإيران ومصر والقضية الفلسطينية، بدرجة يتعذر معها أن تعود العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية إلى التقارب الذي كانت عليه من قبل. وانفجر الغضب السعودي الأسبوع الماضي عندما رفضت المملكة شغل مقعدها الذي فازت به في مجلس الأمن احتجاجاً على ما وصفته بفشله في تسوية الصراع السوري والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.ومن أبرز المخاوف السعودية أن واشنطن أخفقت في التحرك بالقدر الكافي في سوريا سواء فيما يتعلق بالتهديد باستخدام القوة العسكرية أو في تسليح المقاتلين المناهضين للحكومة بالإضافة إلى استعدادها للتساهل في أي مفاوضات مع إيران. وقال الخبير في شؤون دول الخليج بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى سايمون هندرسون إن الرسالة التي وجهتها السعودية هي أن الرئيس باراك أوباما وإدارته «صموا آذانهم عن المصالح السعودية».
كذلك فإن واشنطن تختلف مع السعودية بشأن الوضع في مصر حيث قلصت من مساعداتها العسكرية للقاهرة عقب الإطاحة بحكومة إسلامية منتخبة وتعهدت الرياض بسد أي نقص نتيجة خفض أي مساعدات خارجية.ويعتقد بعض المحللين أن تعديل فريق الأمن القومي الأمريكي في الفترة الثانية لأوباما ربما ساهم في التوترات وذلك من خلال عدم تعيين شخصية على مستوى رفيع للتعامل مع السعودية وأشاروا إلى ضرورة أن يوفد أوباما مبعوثاً لإصلاح ما فسد. وكان جون برينان رأس الحربة في فريق أوباما لمكافحة الإرهاب والذي أصبح مديراً لوكالة المخابرات المركزية كثيراً ما يتجاوز مهام وظيفته لمعالجة قضايا متعلقة بالسعودية التي شغل فيها منصب رئيس محطة المخابرات المركزية 6 سنوات.
وأبلغ رئيس المخابرات السعودية الأمير بندر بن سلطان دبلوماسيين أوروبيين أن الرياض تفكر في «تغيير كبير» في علاقاتها مع الولايات المتحدة احتجاجاً على عدم تحركها بشكل فعال فيما يخص الحرب السورية ومبادرتها للتقارب مع إيران. وقالت مصادر دبلوماسية في الخليج إن هذه الرسالة لا تعكس فقط آراء الأمير بندر، بل أيضاً آراء خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز وبقية القيادات السعودية. وأضافت المصادر أن خيبة أمل السعودية في واشنطن حقيقية وتدفعها لتفقد بدائل لاعتمادها منذ نحو 70 عاماً على هذا التحالف الاستراتيجي ومع ذلك لا يعتقد أحد حقيقة أن التعاون السعودي مع واشنطن سيتوقف.وقال محلل سعودي مقرب من أسلوب التفكير الرسمي «السعوديون يمارسون ضغوطاً حتى لا يتصرف الأمريكيون بهذا الضعف».
وأضاف «هذه الرسالة مفادها: أنتم تحتاجون لنا. ونحن لن نلعب الكرة معكم إلى أن تفيقوا».وراقبت السعودية باستياء تودد أوباما للرئيس الإيراني الجديد المعتدل حسن روحاني وسعيه لإحياء المفاوضات لحسم الشكوك الدولية بشأن برنامج إيران النووي.
ورغم تصريحات روحاني بأنه يسعى لعلاقات أفضل مع العالم الخارجي لاتزال السعودية تتشكك في نوايا إيران وما إذا كان رئيسها الجديد يمكنه تحقيق أي تغيير.وبالنسبة للرياض تثير إمكانية توصل الولايات المتحدة إلى اتفاق مع إيران احتمالات عديدة غير مستساغة منها استمرار هيمنة إيران على دول عربية كبيرة مجاورة مثل سوريا والعراق بالإضافة إلى احتمال نشوب حرب بين إسرائيل وإيران تجد دول الخليج نفسها محاصرة وسطها.
وقال أستاذ العلوم السياسية السعودي والكاتب في صحيفة «الحياة» خالد الدخيل «ما أعتقد أنه يحير الرياض هو الموقف الأمريكي من سوريا. فالأمريكيون لا يرون سوريا بشكل يقترب حتى من نظرة السعوديين لها. فهي لا تمثل لهم أولوية».وتواصلت ردات الفعل الغربية على قرار السعودية بعدم قبول عضوية مجلس الأمن، وما تلاها من تصريحات للأمير بندر بن سلطان والأمير تركي الفيصل حول العلاقات مع واشنطن. وأفردت صحيفتان بريطانيتان بارزتان أمس مساحات واسعة في محاولة منهما لتفسير أسباب الخلاف بين واشنطن والرياض.وفي تحقيق نشرته صحيفة «الإندبندنت»، قال المحلل روبرت فيسك إن «رفض السعودية غير المسبوق لمقعد مجلس الأمن لا يتصل فقط بسوريا ولكنه رد على التهديد الإيراني». وربط التحقيق بين هذا الموقف والصراع الشيعي السني، قائلاً إن «الخلاف بين الإسلام السني والشيعي له تداعيات عالمية».
من جهتها، وصفت صحيفة «ديلي تليغراف» الخلافات بين واشنطن والرياض، وسعي السعودية لتقليص التعاون والتعهد بالبحث عن مصدر بديل للسلاح الأمريكي، بأنها «غير مسبوقة وبالغة الأهمية».