كتب - عبدالرحمن صالح الدوسري:
احتفى العالم 21 أبريل بالذكرى الـ198 لميلاد الروائية والشاعرة الإنجليزية شارلوت برونتي، صاحبة رائعة الأدب العالمي «جين آير»، والشقيقة الكبرى للأختين إيميلي صاحبة «مرتفعات وذرنج» وآن برونتي.
ولدت شارلوت يوم 21 أبريل 1816 لأب أيرلندي هو باتريك برونتي، وهي الثالثة بين 6 أطفال، وكما جرت العادة في حياة الأدباء ذوي اللمسات الخاصة، تعرضت شارلوت برونتي لأزمات عائلية خاصة، حيث توفيت أمها وهي في الخامسة من عمرها، تاركة 5 بنات وابن وحيد في رعاية الأب، ثم توالت الأحزان عليها فأصيبت شقيقتاها الكبريان بمرض السل، وتوفيتا مبكراً، فتأثرت الأخت الكبرى شارلوت برونتي بهذه الأحداث القاصمة، وهي بعد في التاسعة من عمرها.
تعليمها في رو هيد ميرفيلد
أكملت شارلوت تعليمها في رو هيد مير فيلد من 1831 إلى 1832، وهناك قابلت رفيقات حياتها ألين نسي وماري تايلور، اللواتي لم ينقطعن عن تبادل الرسائل معها، وكتبت في هذه الفترة روايتها «القزم الأخضر» 1833 تحت اسم ليسلي.
عادت شارلوت إلى المدرسة فيما بعد كمدرسة من 1835 إلى 1838، وفي عام 1839 عملت مربية خاصة لدى عدد من العائلات في يوركشاير، وظلت في هذه المهنة حتى عام 1841، وفي عام 1842 سافرت شارلوت وأميلي إلى بروكسل للتسجيل في مدرسة داخلية يديرها قسطنطين هيغر (1809 ـ 1896) وزوجته كلير زوي بارينت هيغر (1814 ـ 1891)، في محاولة لتسديد أقساط انتسابهم إلى المدرسة. درست شارلوت اللغة الإنجليزية بينما درست أميلي الموسيقى، واضطرت الأختان إلى ترك المدرسة عام 1842 عندما توفيت خالتهم إليزابيث برانويل بانسداد داخلي في شهر أكتوبر.
عادت شارلوت وحدها إلى بروكسل مرة أخرى في يناير 1843 لتتولى التدريس في المدرسة مرة أخرى، ولكن إقامتها الثانية في المدرسة لم تكن سعيدة على الإطلاق، فشعرت بالوحدة وأصابها الحنين إلى الوطن وتعلقت بعمق بقسطنطين هيغر، «أشيع أن شخصية إدوارد رويشستر في روايتها (جين آير) كانت مستمدة من شخصيته»، فعادت مرة أخرى إلى هاوراث في يناير 1844، واستخدمت وقتها في المدرسة الداخلية كمصدر إلهام لروايتيها «البروفيسور» و«فاليت».
مشوارها الأدبي والسينمائي
شرعت برونتي منذ صباها في كتابة الروايات، حيث كانت البداية من رواية «القزم الأخضر»، ثم حكايات من مملكتها الخيالية «حكايات من أنجريا»، وفي بداية مرحلة الشباب، توجهت قليلاً إلى الكتابة للأطفال فكتبت «زورما في المنفى»، «مينا لوريو كارولين فيرنون»، أما رواياتها التي اشتهرت في العالم أجمع، وتم تحويل بعض منها إلى أفلام روائية مشهورة، أهمها : «جين آير» 1847 وتم تحويلها إلى عمل سينمائي.
وتتحدث الرواية عن بطلة يتيمة تكبر في منزل خالها المتوفى، وتتربى بين أبنائه وزوجة خالها التي تفرض عليها كرهها الدائم، ومن ثم ترسلها إلى مدرسة داخلية لتلقي التعليم بعيداً جداً، حتى لتكبر جين وتعمل معلمة لدى طفلة في قصر، يمتلكه روشستر.
تقع جين في غرامه ويبادلها الإحساس إلى أن تكتشف قبل زواجهما، بأنه لايزال متزوجاً من امرأة مجنونة، محبوسة في قصره، فيلغى الزفاف وتفر جين خاوية اليدين حزينة، دون مال حينما تنتهي في منزل صغير، فيه شقيقتان، وأخ قسيس، سرعان ما يشفقون عليها، ويساعدونها وتتآلف معهم وتمر الأيام لتكتشف صلة القرابة التي تربطهم بهؤلاء الثلاثة، حينما ترث مبلغاً كبيراً عبر قريب لم تحظ بفرصة لقائه.
ومن ثم تقتسم المال على أقربائها الأربعة، وتسعد كثيراً إلى لحظة يطلب منها قريبها القسيس الزواج منها للسفر معاً إلى الهند في سبيل ديني بحت، فترفض بشدة في البداية، لكنه ينجح في إقناعها، وبعدها يراود مسمعها صوت روشستر من البعيد، فيدركها الهلع، وتستغل سفر قريبها للعودة إلى قصر سيدها الذي تحب، لتكتشف ما استحال إليه من بعد رحيلها، بانتحار زوجته المجنونة، وبفقدان ذراعه، والعمى الذي يشوب عينيه.
تقرر جين العودة إليه والبقاء لجانبه، ليتزوجا أخيراً ويعيشا معاً حتى إنجاب وليد صغير وسعادة تنهي سوءات الماضي، بعد صراع طويل من المشاعر المختلفة، في مراحل متعددة ومواقف ومشاهد وانتقالات لحالات نفسية، تتحدث بها جين وتسهب في وصفها في بيئة تصويرية وأحاسيس إنسانية لامرأة تتحدث عن قلب ضئيل، وعالم شاسع حينما كان قلبها أكبر من العالم كله.
ولها العديد من الأعمال منها «شيرلي» 1849، «فيوليت» 1853 تم تحويلها إلى عمل سينمائي، «البروفيسور» لم تحظ بالنشر إلا بعد وفاة شارلوت برونتي عام 1857، «إيما» وهي رواية غير مكتملة، تم كتابة 20 صفحة منها فقط من قبل شارلوت برونتي، وتم نشرها أيضاً بعد وفاتها عام 1860. في عام 1980 أكملت سيدة تدعى كونستانس سافري الرواية على نفس نمط شارلوت برونتي، رغم من أنها نشرت باسم إليزابيث جود، ثم عام 2003 أكمل كلاير بولين الرواية على طريقته الخاصة تحت اسم «إيما براون».
في سن الـ38 وزعت شهادة وفاتها لإصابتها بمرض السل «الدرن»، ولكن العديد من المؤرخين يرجح أن يكون سبب الوفاة ناتجاً عن الجفاف وسوء التغذية، بسبب الإفراط في القيء الشديد من غثيان الصباح أو التقيؤ الحملي.
وهناك أيضاً أدلة تشير إلى أن شارلوت توفيت من التيفوس، وكان سبباً في وفاة تابيثا أكرويد، مدبرة منزل عائلة برونتي، وكانت وفاتها سابقة لوفاة شارلوت بفترة وجيزة، ودفنت شارلوت في المدفن العائلي في كنيسة القديس مايكل وجميع الملائكة في هاوارث، غرب يوركشاير في إنجلترا.
كانت حياة شارلوت برونتي، السيرة الذاتية والمنشورة عقب وفاتها بقلم غاسكل، أولى السير الكثيرة عن شارلوت برونتي، رغم أن غاسكل كتبت أسماء الأماكن بوضوح وصراحة، إلا أنها أخفت تفاصيل حب شارلوت لهيغر والذي كان رجلاً متزوجاً، اعتقاداً منها أنها تحمل الكثير من مواجهة للقيم الأخلاقية المعاصرة، وربما تكون سبباً في الإساءة لأصدقاء لايزالون على قيد الحياة، والدها وزوجها.