حوار – جعفر الديري:
أكد الباحث البحريني المتخصص في حضارة دلمون د.عبدالعزيز صويلح أن الأختام الدلمونية أهم تركة ثقافية اكتشفت بالبحرين والمواقع ذات العلاقة بها، لافتاً إلى أهمية الأختام الدلمونية من حيث إنها توضح جانباً من الحياة اليومية ورموز العبادة، كممارسة الدلمونيين للقنص والصيد في البر والبحر، ونظراً لكونها مصدراً يعتمد عليه لفهم مستوى الفن الدلموني وتطوره لما يحويه من أساليب فنية متنوعة.
وقال د.صويلح في لقاء مع «الوطن» إن الأختام الدلمونية تميزت بالاستقلالية في تنفيذ عناصر المشهد، والمظاهر الفنية للختم الدلموني تدل على الذوق الفني الرفيع والإحساس المرهف للصانع الدلموني، مشيراً إلى أن أغلب موضوعات الأختام الدلمونية ترجع بأصولها إلى بلاد الرافدين، حيث اكتشفت في مواقع «سندية» وفي بلاد عيلام. ورجح د.صويلح وجود دلالات فكرية وعقائدية للأشكال والعناصر على الأختام الدلمونية، ولم يستبعد احتلال الغزال مكانة كبيرة بعقائد الدلمونيين، وتأليه النخلة وتقديس السلحفاة البحرية، كذلك الثور الذي يعد ثاني أكثر العناصر ظهوراً بالأختام الدلمونية ومن أبرز التأثيرات السندية. وكشف د.صويلح عن جوانب أخرى في اللقاء التالي...
فالنبدأ الحوار بسؤال تقليدي بسيط لكنه مهم.. ماذا نعني بالأختام؟
- الختم عبارة عن قطعة صغيرة من الحجر أو الطين ونادراً من المعدن، يحفر على وجهها موضوع معين بشكل معكوس، يمثل رمزاً مميزاً لصاحبه، يثبت شخصيته وملكيته على الشيء الذي يحمل طبعة هذا الختم، ولذلك ليس للختم نسخة ثانية إطلاقاً، وكان الختم في أغلب الحالات يدفن مع صاحبه خوفاً من أهله على قيام غيره باستخدامه والتلاعب به. ويتفق الباحثون على أن الختم لم يرتبط بتاريخ الكتابة وإنما ظهر قبل اختراعها وكان وسيلة للتعبير عن الملكية الشخصية.
والأختام الدلمونية عبارة عن قطعة من الحجر ذات وجهين، على شكل نصف كرة ذات وجه مسطح دائري الشكل يتراوح قطره ما بين 3 - 1 سم. ولقد نفذ صانع الختم على هذا السطح صوراً وعلامات ورموزاً تشكل موضوع الختم، والوجه الآخر للختم يمثل ظهر الختم وهو على شكل حدبة. وفي الكثير من الأختام يمكن ملاحظة شريط ضيق بين الحدبة والمحيط الخارجي لظهر الختم. ولقد حفرت على ظهر الختم المحدب حزوز أفقية يتراوح عددها ما بين 1 – 3 تقسم ظهر الختم إلى قسمين، وعلى جانبي نهايات الحزوز توجد دائرتان متقابلتان منتظمتا الاستدارة تتوسطهما نقطة تمثل مركز الدائرة، وفي الجانب المعاكس من امتداد الحزوز الأفقية يوجد ثقب أفقي نافذ استخدم لتمرير خيط تعليق الختم في الرقبة، ويبلغ سمك الختم الدلموني من 2 - 1 سم.
الأختام سمة حضارية لدلمون
وما أهمية هذه الأختام؟
- الأختام الدلمونية أهم تركة ثقافية اكتشفت بمملكة البحرين والمواقع الأخرى في دول الخليج العربي ذات العلاقة بحضارة دلمون، فهي توضح من خلال نقوشهاً جانباً من الحياة اليومية للدلمونيين ورموز عبادتهم وتأثرهم بفنون الحضارات الأخرى، وتساعدنا على تفهم مستوى التفكير والحياة، وهي مصدر جيد يمكن الاعتماد عليه في فهم مستوى الفن الدلموني وتطوره لما يحويه من أساليب فنية متنوعة. ولذلك نعتقد بأن صناعة الأختام الدلمونية، من السمات الحضارية البارزة لحضارة دلمون؛ إذ تمثلت في هذه الصناعة دقة الفن وأصالته.
فأي الأدوات استخدمها صانع الأختام الدلمونية؟
- استعمل صانع الأختام أدوات بسيطة تتناسب في متانتها مع حجم الأختام الدلمونية البسيط. فالأختام التي نفذت بصورة عميقة لابد وأن يكون الحرفي قد استعمل لتنفيذها الأزاميل الصغيرة والمطارق الخشبية والمقاشط والمثاقب والإبر، لإبراز التفاصيل الدقيقة، وعثر على بعض أدوات صناعة الأختام في مملكة البحرين وفيلكا، ومن أهمها المثاقب أو المزراف، التي استعملت لها مقابض من عظام الدجاج والأرانب.
«الإستياتيت» المادة الأساسية
ماذا عن مادة هذه الصناعة؟
- أكثر الأختام الدلمونية صنعت من مادة حجر الإستياتيت (Steatite) الذي يسمى الحجر الصابوني بمختلف ألوانه الأخضر والرمادي والأسود، وهو حجر جيري له ملمس دهني ناعم، لذلك أطلق عليه اسم الحجر الصابوني. ويعتقد بعض الباحثين بأن مصدره مناطق تبه يحيى الواقعة في الجنوب الغربي من إيران، إلا أن التحريات الحديثة، تشير إلى أن مصادر الحجر الصابوني قد شخصت أيضاً في بلاد نجد واليمن وجبال عسير، كما يرجح أن تكون جبال عمان مصدراً مهماً آخر لهذا النوع من الحجارة.
ورغم أن الحجر الصابوني يمثل الخامة الرئيسة لصناعة الأختام الدلمونية، إلا أن الأشكال الأولى للأختام صنعت من القواقع البحرية، والتي طورت بتحسين شكلها الخارجي وتحوير الشكل الطبيعي الداخلي للقوقعة، كي تستخدم فيما بعد كختم، والأختام الحجرية والصدفية متزامنين. وكان صانع الأختام الصدفية ينشر قاعدة الصدفة للاستفادة من الشكل الطبيعي الحلزوني كوجه للختم، وأحياناً يحاول أن يدخل على هذا الشكل بعضاً من الدوائر المتشابكة على هيئة حيوان كالغزال أو دوائر متفرقة، ولكن الغالب أن يبقي الشكل الحلزوني هو السائد في هذه الأختام، أما الجزء الخارجي للصدفة أو قاعدتها فيُشكّل على هيئة مدببة يثقب أفقياً للتعليق.
حدثنا عن المميزات الفنية للأختام الدلمونية؟
- تميزت الأختام الدلمونية بالاستقلالية في تنفيذ عناصر المشهد وبأسلوب خاص اتصف بالبساطة والوضوح والتجريد في الكثير من الحالات. ولقد برزت مميزات فنية يمكن ملاحظتها ضمن إطار نقوش الأختام الدلمونية، وهي تشكل مجتمعة أسلوب المدرسة الدلمونية في فن النقش على الحجر، ويمكن أن نجملها في: الرمزية: وهي ترتيب مجموعة من الرموز والإشارات ذات الصلة بالطبيعة في مشهد واحد، ربما للتعبير عن مفهوم خاص يتصل بالمعتقدات الدينية، التعبيرية: إذ أجاد الحرفي الدلموني تنفيذ بعض الأعمال التي تنم عن صدق المعايشة للعناصر التي نفذها على سطح الختم، وذلك واضح من خلال محاولته إبراز وتحديد الصفة الجسمية التي تتميز بها عناصر الختم، المنظور: فعلى رغم الأسلوب البدائي في معرفة المنظور لدى صانع الختم، إلا أنه استطاع أن يحققه بأسلوب بسيط فرضه شكل الختم، فنراه حاول إمالة الأجسام والقرون والأرجل أو تكبير صورة الحيوان أو الإنسان رغم وجود تلك العناصـر ضمن إطـار النقش على خـط واحد، محاولاً بذلك إيجاد بعدين للعمل الفني في الختم قريب وبعيد، التناظر والتقابل بين عناصر المشهد الواحد: فحاول صانع الختم عمل تناظر وتقابل بين عناصر المشهد الواحد، وذلك بإظهار الشكل المحفور في نصف الختم العلوي مطابقاً للنصف السفلي أو الشكل المحفور في الجانب الأيمن من سطح الختم مطابقاً للجانب الأيسر دون تغيير في الحركة. ولابد أن يكون ذلك العمل استلزم من الحرفي الدقة في تقسيم مساحة الختم لإيجاد نوع من التوازن الفني في إطار الختم الدائري، لكي يتطابق المشهد مع النصف الآخر، تكرار نقش الأشكال حول مركز الختم: وتكرار نقش الأشكال بأسلوب هندسي حول عنصر فني واحد يتوسط الختم سمة من سمات كثيرة من نقوش الأختام الدلمونية سواء كانت هذه الأشكال حيوانية أو نباتية أو رموز آلهة أو أشكال هندسية، كذلك ملء الفراغ: فقد تكون بعض العناصر التي نفذها صانع الختم ذات مدلولات فكرية، إلا أنه من الناحية الفنية يجب الإشارة إلى أن بعضها لا يمثل هذا التصور الفكري، ووجودها ضمن مجموعة العناصر الرئيسة التي يتكون منها مشهد الختم هو لملْ الفراغ بين تلك الوحدات، ومن هذه العناصر: القدم، جرة صغيرة، طائر، سمكة، دوائر، شكل يشبه العين وغيرها من الأشكال.
أشكال وعناصر متنوعة
والآن.. ما الرموز والدلالات الفكرية التي تمثلها عناصر الأختام الدلمونية؟
- قام صانع الختم بنقش العديد من الأشكال والعناصر على الأختام الدلمونية، والتي لا نستبعد أن تكون لها دلالات فكرية وعقائدية، وهي عناصر آدمية، حيوانية، الطيور، عناصـر نباتية، عناصـر ورمـوز دينية، عناصر بحرية، موضوعات بحرينية، وعناصـر متنوعة.
فما الأشكال والعناصر الآدمية التي أمكن حصرها؟
- الملوك والآلهة: الملـوك والآلهة صوروا جالسين على مقاعد، ويرتدون مئزراً أو ملابس أخرى ويتخذون وضعاً جانبياً، ويعتمرون تيجاناً أحياناً تكون ذات قـرون لتميـزهم عن الأشخاص الآخرين، الذين يتواجدون في المشهد المصور على الختم، العبيد أو الخدم: العبيـد أو الخدم غالباً ما يكونوا عاريين ويتخذون مواقع خلفية في مشهد الختم، ويصورون غالباً في وضعية الوقوف خلف شخص ذي مكانة اجتماعية، وأحياناً يكونون أشخاصاً عاديين في مشاهد أخرى يمارسون بعض الأنشطة اليومية، رجال يرتدون لباساً: غالباً يرتدون ما يشبه المئزر وفي أحيان أخرى تنوره، وأحياناً رداء طويلاً يغطي الجسم كله أو يغطي الجسم حتى الركبة، رجـال ونساء في أوضاع جنسية: مشاهد لرجال ونساء في أوضاع جنسية مختلفة تبين أهمية الجنس، على اعتبار أنه جزء من الطقوس الدينية التي يمارسها الملوك وكهنة المعابد في الاحتفالات الرسمية السنوية، والتي نعتقد بأنها تدل على عملية الإخصاب والتكاثر وتجدد الحياة وديمومتها، إنسان مركب (إنسان ممسوخ): أشخاص يرتدون أقنعة على رؤوسهم كرؤوس الثيران أو الطيور، وفي أحيان أخرى أجنحة طيور يركبونها على ظهورهم ويبدون في أشكال ممسوخة، قدم إنسان: قدم الإنسان رمز استخدمه صانع الختم للتعبير عن الوجود الإنساني، ويمكن أن يكون رمزاً ذا دلالة في العقيدة الدلمونية، كالوقاية من الحسد وما إلي ذلك من المعتقدات.
رسم الطيور بأشكال مختلفة
وماذا عن العناصر الحيوانية والطيور؟
- جاءت الطيور في أشكال مختلفة ومتنوعة، مثل طائر الحباري، والصقر الذي كان مقدساً في مصر وفي بلاد الرافدين، أما الأشكال والعناصر الحيوانية التي أمكن حصرها، ذات الدلالات الفكرية والدينية، فهي: الغزال: يعتبر الغزال من أبرز العناصر التي احتوتها نقوش الأختام الدلمونية، ولذلك لا نستبعد بأنها احتلت مكانة كبيرة في المفهوم الفكري والعقائدي لدي الدلمونيين، الثور: يعتبر الثور من العناصر المهمة في الأختام الدلمونية، وثاني أكثر العناصر ظهوراً فيها، ولابد أن يكون قد احتل مكانة كبيرة في المفهوم الفكري والعقائدي لدي الدلمونيين، كما هو الحال بالنسبة للغزال، وللثور دلالات كثيرة، فقد كان حيواناً مقدساً لدى الإنسان القديم، فهو يمثل لديه رمز الإخصاب والعطاء والفحولة والقوة، الظبي: الظبي من الحيوانات التي تظهر دائماً جنباً إلى جنب مع الغزال في نقوش الأختام الدلمونية، السباع: تمثل السباع عادة قوى الشر حيث تم تصويرها في حالة هجوم، وفكها مفتوح وتكشر عن أنيابها، وذيلها ملتو للأعلى تعبيراً عن اتخاذها وضع الهجوم، السلحفاة البحرية: نعتقد بأن السلحفاة البحرية من الحيوانات المقدسة لدى الدلمونيين وذات مدلول ديني، وربما كانت ترمز للعمر الطويل والتكاثر، السرطان البحري (القبقب): نعتقد بأنه من الكائنات المقدسة لدى الدلمونيين، وذو مدلول ديني نظراً لتكاثره بأعداد كبيرة في الأماكن القريبة من سواحل البحر، الثعبان: من الرموز التي ظهرت في الأختام الدلمونية الثعبان، وهو يرمز إلى القوة وبث الخوف والرعب، ويرمز أيضاً إلى الشر وإلى الخلود، لارتباطه بملحمة جلجامش، العقــــرب: العقــرب هــو أحد العناصر المهمة في الأختام الدلمونية حيث صورها الحرفي بأشكال مختلفة، ويحتمل أن تكون له دلالة عقائدية عند الدلمونيين وصلت إلــــــــى التقديـــــس، رؤوس حيوانـــــات: تتمثــــل الــرؤوس في حيوانيين فقط وهما الثور والغزال، وربما كانت تستخدم كتمائم، وقرابين في بعض الأحيان،
وما الأشكال النباتية التي نفذها الحرفي على الأختام الدلمونية؟
- تبرز النخلة من بين النباتات التي وضحت على نقوشها كرمز دلموني أصيل ومقدس، ولا تكاد تخلو منها الأختام ماعدا عدد قليل فقط. والنخلة شجرة محلية استلهمها صانع الختم من الطبيعة وأوجدها كعنصر مهم مبين العناصر الزخرفية الأخرى المهمة التي تزخر بها الأختام الدلمونية، لما لها من خدمة في حياة الدلمونيين، فهم يستظلون بها ويأكلون منها، كما استخدموا سعفة النخلة وجذعها في بناء منازلهم وصناعة السفن الصغيرة وغيرها من الفوائد. ولذلك لا نستبعد أن تكون قد حظيت بنوع من التقديس والتأليه، ولتلك الأهمية والمكانة أبرزها صانع الختم في الكثير من الأختام.
الشمس بأشكال رايات الآلهة
وأي العناصـر والرمـوز الدينية أمكن حصرها؟
- من العناصر والرموز الدينية المرجح لدينا أنها ذات مدلول ديني، هي؛ الشمس: وجاءت في أشكال مختلفة، أحياناً كانت ترسم كإطار خارجي محدّد للعمل الفني المنقوش على وجه الختم، وأحياناً أخرى كانت تأتي في أشكال رايات الآلهة. وأعتقد بأن الشمس عبدت عند الدلمونيين، كما عبدت في بلاد الرافدين، الهـلال والنجمـة: عبد الدلمونيين الهلال، والدليل على ذلك معبد سار الذي أنشئ وخصص لعبادته، أما النجمة فإنها أحياناً كانت تنقش في وسط الهلال، وأحياناً أخرى كانت تأتي كمفردة تشكيلية. وكلا العنصرين غالباً ما كانا يمثلان رمزاً دينياً دلمونياً أصيلاً ومقدساً، المعبد الـدلموني: صور الحرفي صانع الختم المعبد بطرق مختلفة حيث جاء في شكل مربع أو مستطيل أو مثلث، وهذه الأشكال الهندسية مقسمة من الداخل إلى مربعات، ربما يمثل كل مربع منها مرفقاً أو قسماً من أقسام المعبد الدلموني.
وبقية العناصر؟
- منها موضوعات بحرية: فنجد على بعض الأختام نماذج مختلفة للأشكال والعناصر التي تصور الأنشطة والأحياء البحرية مثل: موج البحر، التماسيح، والقشريات البحرية كسرطان البحر، والأسماك وبعض الأحياء المائية الأخرى، وشباك صيد الأسماك، أدوات الصيـد: مارس الدلمونيون القنص والصيد البحري والبري، ولقد أوضحت نقوش بعض الأختام جانباً من الأدوات لممارسة تلك الأنشطة ومنها، العصا والقوس والعصا المعقوفة وشباك صيد الأسماك والصنارات، جـرار شراب: صور صانع الختم أشكال متعددة من الجرار، ومنها جرار الشرب، وأتت في الأختام أحياناً بماصة واحدة، وأحيان أخرى بماصتين، السفن: عرف الدلمونيون ركوب البحر، وصنعوا نوعين من السفن أحدهما للنقل التجاري، والنوع الآخر للصيد.
ميل الأختام للتجريد الرمزي
هلا عرفتنا على التأثير الثقافي للحضارات المجاورة على نقوش الأختام الدلمونية؟
- يمكن أن نوجزها أولاً في تأثير ثقافة حضارة بلاد الرافدين: أغلب موضوعات الأختام الدلمونية ترجع بأصولها إلى موضوعات أختام حضارة بلاد الرافدين، وإن كان بعضها قد نفذ بأسلوب مغاير، يميل إلى التجريد الرمزي ويتسم بضعف التقنية. ومن تلك الموضوعات المقتبسة فكرتها من الأختام الرافدية، أشكال الحيوانات، المشاهـد الـدينية، الـزواج المقـدس، مشاهـد اللقـاءات الاجتماعيـة، مشاهـد ذات طبيعـة أسطوريـة، مشاهد جلسات الطرب، ثانياً: تأثير ثقافة حضارة وادي السند: تتأكد الصلات والتأثير الثقافي لحضارة وادي السند على فن صناعة أختام حضارة دلمون في تفضيل كلا الحضارتين الشكل المنبسط مع فارق أساسي، فالأختام السندية مربعة أو مستطيلة الطابع، بينما الأختام الدلمونية فهي منبسطة دائرية مقببة، كما إن أختام كلا الحضارتين صنعت من حجر الإستياتيت. ويعد الثور الهندي واحداً من أبرز التأثيرات السندية الواضحة في الأختام الدلمونية، إذ ظهر على مجموعة كبيرة منها، ومن الأدلة الواضحة عن العلاقة مع وادي السند ما وجد من الكتابة السندية على الأختام الدلمونية، وهذه الأختام ربما تعود إلى تجار دلمونيين كتبوا أسماءهم المحلية الدلمونية باللغة السندية أو تجار سنديين مقيمين في البحرين كمندوبين تجاريين. علماً أن الأختام الدلمونية اكتشفت في عدة مواقع سندية، مما يدل على التفاعل الحضاري بين المركزين وعمق الصلات والعلاقات الحضارية والثقافية بينهما، ثالثاً: تأثير ثقافة حضارة بلاد عيلام: بلاد عيلام لها علاقات واضحة مع الساحل الغربي من الخليج العربي، تأكدت من خلال اكتشاف مجموعة من الأختام الدلمونية في عاصمتها سوسة ومواقع أخرى، كما عثر في سوسة على طبعة ختم منبسط على رقيم طيني، تعود إلى حوالي 1923 ق.م، ويذكر في هذا الرقيم اسم ميلخي - إيل (Milhi - EL) ابن تيم - إنزاك (Tem - Enzak) والذي بالتأكيد جاء اسمه من اسم الإله إنزاك الذي كان معروفاً باعتباره إله دلمون. وهناك الكثير من العناصر الفنية التي نفذت على الأختام الدلمونية لها ما يماثلها في أختام بلاد عيلام، وهذا يدل على أن الجوار الجغرافي ساهم في إيصال وتلقي التأثيرات مع المراكز الحضارية المجاورة، ومن تلك التأثيرات نقوش مصارع الحيوانات والحيوانات الخرافية وغيرها.
عبقرية الحرفي الدلموني
علينا الآن أن نتعرف على نتائج دراسة الأختام الدلمونية؟
- لقد لعب موقع دلمـــون (مملكــــة البحريـــــــــــــن) الاستراتيجي على خطوط التجارة الدولية في كل العصــــــور دوراً كبيراً في جعلها أرضـــاً مفتوحة علــــــــى مختـلف التيـارات الحضارية، إذ تعايشــــــت فـــي ربوعهــا شعــــوب من جنسيات وأديان متنوعة، وفي بلد مثل مملكة البحرين لا نستغرب إذا واجهنا في تراثها مزيجاً كبيراً من الأفكار والتصورات الدينية التي انعكست بطبيعة الحال في فنونها التشكيلية من جانب وفي انتشار أختامها من خلال التجار لمناطق مختلفة. ورغم من بساطة الإمكانات المتوفرة من خامات وأدوات لدى الحرفي الدلموني صانع الختم، إلا أن المختص في الدراسات الفنية يستطيع بتأمله ودراسته لنقوش الأختام الدلمونية أن يتعرف على عناصر وميزات فنية كثيرة قد تسهم في تكوين فكرة واضحة عن مستوى الفن الدلموني، وكذلك في اكتشاف جوانب غامضة من حضارة وثقافة دلمون والتعرف على المعتقدات الدينية والحياة الاجتماعية، إن المظاهر الفنية التي زخر بها الختم الدلموني تدل على الذوق الفني الرفيع والإحساس المرهف في تنفيذ الأشكال على سطح الختم البسيط، فالحرفي صانع الختم لم يعتمد كلياً على المدلولات الطبيعية بل جسم ما رآه في هذه الطبيعة بأسلوب راق له الأخذ به. فلقد ظهرت هذه الأعمال بأسلوب يدل على عبقرية الحرفي الدلموني وقوة إبداعه في التعبير وقدراته الفنية في استخدام مبدأ التصرف بالإشكال التي نفذها على ختمه الدائري بتحوير وتبسيط، ليعبر بها عن المفاهيم والأفكار الدينية التي يؤمن بها، فنراه تفنن في تنفيذ أشكال الحيوانات، فمثلاً نرى أشكال الثور الدلموني تتفاوت في الدقة والوضوح والقرب من الطبيعة من ختم إلى آخر وأيضاً الغزال نراه ينقشها برقبة منتظمة محررة وقرون بارزة مستقيمة ومقوسة، وذلك حسب ما يفرضه عليه الجزء المحدد من سطح الختم الدائري لتنفيذ الشكل.