كتب مهند أبو زيتون:
تقديم العرض غداً، نقل الأجهزة في الطيارة أضر بها، فك اللحام في الجهاز الرئيس، نحتاج أن نلحم الأشرطة من جديد. لا وقت كاف لذلك، المنافسات تبدأ صباحاً وها نحن عند المساء، أمامنا خياران: الاستسلام للواقع وتقديم الجهاز بوضعه الحالي، أو محاولة تحدي الظروف.
ركبت الفتيات الثلاث التاكسي في الدوحة، همن على وجوههن يبحثن عن ورشة لحام، دخلن الدواعيس. نجحن أخيراً ولحمن الأشرطة.
كان هذا التحدي الأخير لآلاء ومروة وآمنة في مسابقة كأس التخيل (imagine cup) التي جرت منافساتها قبل أيام في قطر بتنظيم من مايكروسوفت.
فاز الفريق البحرين «Butterfly»، بالمركز الأول وسيمثل العرب جميعاً في منافسات سياتل الأمريكية نهاية يوليو المقبل، الكل بات يعرف ذلك، ولكن كيف فاز الفريق ومن كان ينافس؟ ومن دعمه؟ وأي ضغوط تعرض لها؟ وماذا يعني فوزه بالكأس؟
هنا تقدم «الوطن» مشاهدات من جو الحدث.
حدث ضخم
لأول مرة تنظم مايكروسوفت مسابقة كأس التخيل على مستوى عربي لاختيار فريقين في فئتي «الابتكار» و«المواطنة العالمية» لتمثيل العرب في المنافسات العالمية. 23 فريقاً تضم 144 طالباً في العشرينات من عمرهم ومحكمين من 12 دول عربية (البحرين، السعودية، الإمارات، عمان، قطر، الأردن، مصر، فلسطين، المغرب، الجزائر، تونس، لبنان) اجتمعوا تحت سقف واحد مدة 4 أيام. كل فريق أتى بمشروع تكنولوجي. 12 فريقاً في فئة المواطنة العالمية، و11 في فئة الابتكار، تنافست بشراسة.
فهذا قدم مشروعاً لمروحية تساعد الدفاع المدني في إنقاذ ضحايا الحرائق، وذاك اخترع روبوتاً يقلد الحركات، وثالث لعبة مبتكرة، ورابع جهاز علاج طبيعي افتراضياً، وخامس جهازاً لتصحيح وضعية الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر، وسادس تطبيقاً للتواصل العائلي، وسابع تطبيقاً لتحديث المعلومات الطبية في المستشفيات، وثامن عربة تسوق لمساعدة المكفوفين... إلخ.
كان على كل فريق أن يقدم عرضاً عن مشروعه بالإنجليزية أمام لجنة تحكيم أولية فيها محكمون عرب، ويرد على أسئلتهم في وقت لا يتجاوز عشر دقائق. يختار المحكمون 3 فرق أولى من كل فئة تتأهل للمنافسات النهائية في ليلة العرض الكبيرة فتعرض الفرق الستة مشروعاتها مرة أخرى أمام محكمين من مايكروسوفت في حفل مبهر، ليفوز في النهاية فريق من كل فئة يمثل العرب جميعهم في سياتل. وكان أن فازت البحرين في فئة الابتكار وقطر في «المواطنة العالمية».
ماذا قدمت البحرين؟
ذهبت البحرين بفريقين، واحد للابتكار وآخر للمواطنة العالمية.
ضم فريق الابتكار آلاء عبدالرحيم (24 سنة) مروة بوهيلة (20 سنة) آمنة حاقظ (24 سنة) تخصص هندسة كمبيوتر من جامعة البحرين وجميعهم بحرينيون. فيما ضم فريق المواطنة: محمد ببيلي (سوري)، محمد هلال (بحريني)، ديما دراج (فلسطينية كندية) من جامعة AMA.
قدم فريق آلاء «باتر فلاي» جهازاً لخلط ألوان طلاء الأظافر، عبر ربط الجهاز بتطبيق، تستطيع الفتاة من خلاله اختيار أي لون تريده والضغط على زر لتحصل على لونها في 50 ثانية. وتعتبر آلاء أن الجهاز يحل مشكلة كثير من الفتيات اللاتي يضطررن لاقتناء ألوان كثيرة تناسب ملابسهن. صنع الفريق الجهاز بالكامل وعمل عليه نحو سنة كانت شاقة ومليئة بالمغامرة. وفاز أخيراً.
أما مشروع فريق «future torch» فكان عبارة عن «جاكيت» مزود بكاميرات وحساسات لإخبار الكفيف عن أي جسم يعترض طريقه. حظي المشروع بإشادات متنوعة غير أنه لم يفز.
أفكار مفاجئة
23 فكرة عربية مبتكرة، اختلف الجميع في تقييمها، غير أنهم اتفقوا على أهميتهما، وحجم مفاجأتهم بها. أسئلة المحكمين للفرق كانت تنم عن اهتمام بالفكرة. يقول نعيم يزبك المدير العام في مايكروسوفت قطر لـ«الوطن» إن «مستوى الطلاب كان ممتازاً (...) الأفكار مبهرة فعلاً. أنا متفائل جداً بمستقبل هؤلاء الطلاب. أفكار خدمة المجتمع أبهرتني، مثل فكرة كيف تجعل المكفوفين يعيشون من دون مساعدة».
ليس معي نصف دينار
«أحياناً لم يكن في «مخباي» نصف دينار»، تقول آلاء في حديثها عن رحلة إنجاز المشروع. «أهلي دعموني كثيراً قدموا لي كل ما أحتاجه، شعرت أني أرهقتهم، فعمدت مرة إلى بيع هدية عيد ميلادي بـ82 ديناراً لأكمل المشروع، لكني في النهاية استطعت أن أصنع النموذج الأولي للمشروع بتوفيق الله سبحانه أولاً ودعم أهلي الذين سهروا معي فعلاً وقدموا لي المال والوقت والتشجيع المعنوي ثانياً (..) كنت أعمل في حاضنة بجامعة البحرين وفي سيارتي، أحياناً كنت أعمل من 8 صباحاً حتى 12 ليلاً. دخلت المصانع وصنعت مشروعي من ألفه إلى يائه. عدت مرة 2 بعد منتصف الليل وكان أهلي يتفهمون كل ذلك».
حصلت آلاء بعد ذلك على دعم من بنك التنمية فصنعت به النموذج النهائي للآلة وسجلت مشروعها كبراءة اختراع في البحرين. وتقدمت لمسابقة كأس التخيل، ووصلت لسياتل.
من يدعم هؤلاء؟
يحتاج الفريق الآن إلى دعم حقيقي من جامعته، جامعة البحرين، خصوصاً أن عضواته تمثلن البحرين والعرب في منافسة عالمية الشهر المقبل. كما يحتاج إلى من يتبنى اختراعه كمشروع تجاري، علماً أن المحكم عمار عواجي من قسم التسويق في تمكين قدم مقترحاً لـ«تمكين» لتقوم بتغطية الحدث بشكل كامل ودعوة الفريقين لحضور تجمع بهذه المناسبة.
وعمار كان أكثر من محكم في المسابقة، إذ قام تقريباً بدور المرشد النفسي للفريق البحريني وتوجيهه إلى نقاط ضعفه في العرض الأولي. وكان ذلك في جلسة فطور صباحية خرج منها الفريق البحريني بمعنويات عالية أثرت على قوة تقديمه في العرض الختامي مساء.
عمار قال لـ«الوطن» إن تمكين «تدعم الطلاب بأشكال مختلفة أحدها حضورنا هذه المسابقات، ودعم مشاركة البحرينيين في الكأس (..) كانت مفاجأة جميلة لي أن أرى بحرينية تقدم هذا المشروع المميز».
وعن نوعية الدعم، قال عمار: لدى تمكين دعم لرأس المال الابتدائي وهو يعنى بهذه الفئة من الأشخاص، في مرحلة ما قبل العمل التجاري. إذ تدفع 5 آلاف دينار لشراء المواد الأولية. وفوز الفريق حافز كبير لتقديم الدعم المادي واللوجستي والمعنوي عبر تمكين وشركائها لتتحول الفكرة إلى مشروع تجاري»، مضيفاً أن المرحلة الثانية من الدعم تتمثل في دراسة الجدوى إذ تقدم تمكين 5 آلاف دينار، أما المرحلة الثالثة فهي الحصول على رأس المال العامل بقرض أو تمويل من البنك وتمكين تدفع نصف أرباح التمويل وتضمن نصف قيمة التمويل في حالة التعثر. كما توفر دعماً لشراء المعدات وتسويق المنتج.
الليلة الكبيرة
جاءت كل الفرق بمشروعاتها على أمل أن تكون بين الفرق الثلاثة الأولى بكل فئة. أُعلنت الفرق الثلاثة في جو من الإثارة نجحت مايكروسوفت بتحقيقه في عرض مبهر وكلمات افتتاحية مبتكرة. ترشح في فئة الابتكار تونس والبحرين ومصر. وفي فئة المواطنة تونس وقطر والأردن. قدم الستة مشروعاتهم، تفاوتت قوة الحضور أمام رهبة مواجهة لجنة التحكيم والجمهور، ثم كان عليهم الانتظار لإعلان النتائج. البحرين أولاً وتونس ثانياً ومصر ثالثاً في «الابتكار». قطر أولاً وتونس ثانياً والأردن ثالثاً في «المواطنة».
كانت آلاء تقول قبل إعلان النتائج: «أريد الكأس ولا شيء غيره». نصحها عمار عواجي بالدعاء، ولشدة التوتر صارت تدعو «اللهم صيباً نافعاً»، فقاطعتها مروة بوهيلة «بينزل مطر الحين!».
كانت ليلة مثيرة غلب عليها الحماس وهتاف كل فريق لبلده. انتهت برفع علم البحرين.
روح البحرين
رافق الفريقين البحرينيين في الدوحة عمار عواجي، وسري مشعل من نادي الإعلام الاجتماعي، والدكتور العراقي زياد و»الوطن». عملوا جميعهم كفريق واحد، وعلى اختلاف جنسياتهم كانت البحرين هدفهم الوحيد، قلقوا معاً، شجعوا معاً، وفرحوا معاً. واحتفلوا أخيراً معاً في سهرة عشاء رائعة. فكانت روح البحرين الجامعة.
الانتماء للفكرة
إضافة إلى تقديم الفرصة لهؤلاء الشباب، نجحت مايكروسوفت في تحقيق الانتماء للفكرة، فبعض الفرق كانت تضم طلاباً من جنسيات مختلفة، جمعتهم الفكرة ودافعوا عنها في تجاوز للحدود للجغرافية، ونافسوا أحياناً فرقاً من جنسياتهم نفسها. والأهم أنهم اجتمعوا جميعاً تحت سقف واحد. يقول نعيم يزبك من مايكروسوفت إن هذا العام شكل فرصة استثنائية لجمع الطلاب، إذ لا توجد منتديات تجمع الشباب العربي والمثقفين العرب الشباب تحت سقف واحد. يوجد شباب كثيرون لا يعرفون أفكار بعضهم. ومن هنا جاءت فكرة جمع الشباب على مدى أسبوع ليتعرفوا على أفكار بعضهم في جو من المنافسة لحثهم على الإبداع واتخاذ المبادرات الفردية. وفي الوقت نفسه جعل الشباب العربي يتواصل ويلغي الموانع والحواجز بين البلدان العربية (..) جنسية الطالب لا تهمنا بل من أي جامعة جاء، وبالتالي هو يمثل البلد الذي جاء منه».
وعما تحققه مايكروسوفت من ذلك بعد العمل 8 شهور على الحدث، يقول يزبك: «وجودنا في الوطن العربي ليس وجوداً اقتصادياً فقط بل التزام بأن نكون جزءاً من هذا المجتمع ومساعدته. فحث فكرة الإبداع عند الشباب فكرة أساسية. وأيضا أن نري الشباب والمجتمع أن التكنولوجيا يمكن أن تلعب دوراً في تحسين اقتصادنا وحياتنا. جزء من هدفنا أن نجمع الشباب العربي تحت سقف واحد. وحث شركات أخرى على تنفيذ مبادرات مشابهة».
أما سامر أبو لطيف المدير العام الإقليمي لمايكروسوفت الخليج فقال لـ«الوطن»: «اليوم قدمنا للعالم العربي فرصة للطلاب ليكونوا على تواصل مع مايكروسوفت. لمساعدتهم على تحويل أفكارهم لمشروع. لدينا قدرات وإمكانات عربية ويجب استيعابها لتكون جزءاً من بناء اقتصادنا في المستقبل. قدمنا فرصة للتنافس واللقاء والاتصال مع خبرات يمكن أن تساعد مستقبلهم. ونتمنى أن كل الشباب خرجوا بأشياء يستفيدون منها في حياتهم العملية. وبالتأكيد أهنئ البحرين على نجاحهم المبدع». وعن دور مايكروسوفت بعد المسابقة قال أبو لطيف «مايكروسوفت على استعداد لدعم كل الفرق المشاركة وأفكارهم ولدينا برامج مخصصة لذلك. وأبوابنا مفتوحة في كل وقت».
في حين قال نسيم تفاحة المدير الإقليمي لمايكروسوفت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤتمر صحافي عقب إعلان النتائج إن هذه ليست النهاية بل البداية بالنسبة لمايكروسوفت بما يخص دعم المشروعات التي تقدم بها الطلاب العرب في هذه المسابقة.
فلسطين حاضرة
كان غياب الفريق الفلسطيني بسبب عدم تمكنه من مغادرة غزة حديث الفعالية طيلة أيامها، غير أنه حضر وقدم مشروعه عبر تقنية الاتصال عن بعد. لم يفز لكنه أثبت من جديد التضامن الشبابي العربي مع القضية الفلسطينية. الفريق الفلسطيني الآخر من جامعة بيرزيت تمكن من الحضور، وتكوّن من أمير نصر الله وداوود شاهين وفهد أبو مسلم الذين قالوا لـ«الوطن» إنهم فوجئوا بحجم ترحيب الشباب العربي بالفلسطينيين «يعتبروننا أبطالاً ويتعاملون معنا كذلك. وهذا فاجأنا وأبهجنا».
الفريق القطري
تكون الفرق القطري الفائز من وعد هاكوز 22 سنة، نور الموسى 23 سنة، تخصص هندسة كمبيوتر جامعة قطر، أردنيتا الجنسية.
قدمتا روبوتاً يقلد حركات الإنسان من أطفال التوحد لتعليمهم مهارات التواصل الاجتماعي إضافة إلى ألعاب. تقولان لـ«الوطن»: «جربنا الروبوت في المدارس ونجح. استغرق المشروع سنة دعمتنا خلالها جامعتنا كثيراً إضافة إلى مراكز اجتماعية ومدرسة».
وعن الخطوة التالية تقولان: «نفكر بروبوت متطور بوظائف أكثر ومرونة أعلى. ومن الممكن أن يكون بالشخصية الكرتونية التي يفضلها الطفل».
ماذا ينقص العرب؟
«الوطن وجهت سؤالاً لمعظم من التقتهم «ماذا ينقص العرب ليتقدموا في الابتكارات والتكنولوجيــا؟» تفاوتـــت إجابــــات الطلاب والمحكمـــين بين «الاهتمـــام» و«الدعـــم» و«التمويــــــل» «والإيمــــان بقدرة الشبـــاب» و«الجدية» و«تغيير المناهج النظرية»، والثقة بالنفس»، نعيم يزبك قال « الشباب العربي لا ينقصه الإبداع، هو مثقف وملتزم ولكنه بحاجة فرص. المبادرات الفردية في الوطن العربي موضوع جديد. لكننا في الطريق الصحيح وأنا متفائل. الأفكار ممتازة والالتزام قوي. وأهم ما ينقصنا تطوير التعليم». سامر أبو لطيف قال: «ينقصنا الطموح وعدم الرضوخ لفكرة أننا أقل من غيرنا. لدينا طاقات كبيرة ويجب أن يكون لدينا تأثير على العالم». وكان لافتاً إجابة أحد المشاركين «تنقصنا ثقافة الابتكار نفسها».
غير أن آلاء عبد الرحيم ومروة بوهيلة وآمنة حافظ أثبتن أنه لا ينقصنا شيء إذا أردنا.
نظرية الفشادغ
تعبيرات محبطة واجهت الفريق البحريني، منها مثلاً «هل كل ما نحتاجه طلاء الأظافر»، أو السخرية من المشروع، أو أن ليس فيه جديداً. وكان عمار عواجي يذكّر الفريق دائما بقصة الضفادع «الفشادغ» التي قررت أن تتسابق إلى قمة الجبل فتجمعت الحيوانات حولها تسخر وتستهزئ طوال السباق وكانت الضفادع تتساقط واحداً تلو الآخر إلا ضفدعاً واحداً وصل القمة واكتشف الجميع بعدها أنه كان أصم. فكان عمار يقول لآلاء دائما «خليك فشدغة». وفي النهاية قررت لجنة مايكروسوفت أن مشروعها هو الأكثر تكاملاً والمشروع التجاري الأنجح.
عادت آلاء وفريقها إلى البحرين. قوبلت بكثير من المحبة من أهلها في المطار، وهي تستعد الآن لتمثيل العرب في سياتل. وتحتاج إلى كثير من الدعم أهمه المعنوي.