كتب ـ علي الشرقاوي:
الفنانون نوعان، الأول همه الشهرة وجمع المال وتبوء المراكز، والثاني يسعى إلى المتعة ومعرفة الذات واكتشاف معنى الجود وأسراره الخفية.
محمد عواد ينتمي للفريق الثاني، فنان كبير عاش في محراب الفن، يمارسه على خشبة المسرح أو على خشبة الحياة.. أعطى المسرح وكل ما له علاقة بالفرجة أكثر سنوات عمره، ومازال يواصل العطاء، رغم اختلاف الظروف الفنية، ما زال كما هو منذ عقد الخمسينات، حاضراً في كل المناسبات الفنية والحفلات الكشفية.
في أوائل السبعينات
قبل أيام التقيت الفنان محمد عواد وهو يؤدي أكثر من شخصية في المسلسل البحريني التراثي «برايحنا»، من تأليف الكاتب البحريني راشد الجودر وإخراج جمعان الرويعي، ويؤدي دور البطولة فيه معظم الممثلين البحرينيين، فيما لحن المقدمة والنهاية الفنان يعقوب يوسف ونفذ الألحان خالد مندي.
أول مرة التقيت فيها المدرس الشاب محمد عواد كانت عام 1956، يومها كنت تلميذاً في الصف الثاني بمدرسة القضيبية وهو مدرس للرياضة، كان شاباً وسيماً مفتول العضلات، أنيقاً جداً بالنسبة لنا كتلاميذ مهملين نكوي ملابسنا تحت الفرش أو بالزجاج الممتلئ بالماء الحار.
أتذكر الأستاذ محمد عواد وهو يعلمنا كيفية بناء أجسادنا الغضة عبر أغنية حركية، أو كما كنا نطلق عليها نشيداً، تقول كلماتها: «أنا الفلاح ذو البأس
أشق الأرض بالفأس»، ونحن نؤدي حركة الفأس وهو يحفر الأرض.
البدايات الأولى
لكل شيء بداية، وبداية الفنان محمد عواد كانت من البيت، ويسرد حكايات تلك الحقبة «كنت وحيد والدي، عشت مدللاً حيث كانت حالتنا المادية ميسورة قياساً بالثلاثينات، كان لنا بيت واسع مبني من السعف وتتفرع منه مداخل إلى عدة بيوت لأقاربنا، وبيتنا الرئيس به حوش واسع مفروش بالرمل وجزء منه بالصبان، كعادة بيوت أهل الخليج في ذاك الزمان، كنا نسكن قريباً من البحر في منطقة القضيبية المكتظة بالعديد من أهلنا من السعوديين الدواسر والعمانيين وأهل الساحل العماني والإيرانيين».
كان محمد الطفل يلعب ليلاً في الحوش الواسع، على ضوء الفنر والقمر «كنت أستخدم قباقيب والدتي وجدتي وأسيرها على الرمل متخيلاً أنها سيارات تتنقل من منطقة لأخرى حسب مخزوني في الذاكرة، وعندما أتعب ويصيبني الملل، ألجأ إلى جدتي حيث أضع رأسي على حجرها فتبدأ في سرد قصصها المتكررة كل ليلة عن مكائد النساء.. وعن الجن والعفاريت وعلاقتهم بالأنس وقصة محمد ملك الإنسان الذي يتحول إلى داب وهو على ما أظن ذكر الحية في الموروث الشعبي، وكيف يحمل على (لقن) وهو مصطلح للصينية الكبيرة عند أهل الخليج، حيث يحمله مجموعة من العبيد، ويدخلونه إلى مخدع محبوبته ليلاً، فيتحول إنساناً، وقبل الصباح يتحول إلى داب».
هكذا رسخت في ذاكرة محمد كل هذه القصص والخيالات الليلية «كثيراً ما كنت أستيقظ فزعاً، أو أتخيل بعض شخصيات حكايا جدتي وهم ينادونني أو أتخيلهم يتحركون في الظلام، ما ولد لدي فوبيا الظلام، أخشى الظلام وأكرهه ولا أستطيع النوم إلا والنور مشتعل».
تحت عصا المطوع
في صباه ألحقه والده بالمطوعة لحفظ القرآن الكريم «كلما حفظت سورة كان يبعث للمطوعة بمبلغ معلوم ينال استحسانها، فتوليني اهتماماً وتركيزاً أكثر، وعندما ختمت القرآن الكريم طوف بي في موكب احتفالي، حيث ألبست الشطفة والملابس المقصبة والمنادي ينادي في الفريق، وأقيمت وليمة بتلك المناسبة، ثم تلتها مرحلة التطهير (الختان)، حيث استفاد اثنان من أقاربي من تلك المناسبة فكنا 3 مر علينا موسى المطهر، وأحضرت فرقة لليوة وأخرى نسائية عزفت البستات ورقص الراقصات ونثرت المكسرات والنقوط».
ويتذكر محمد عواد أنه في كل عام من عاشوراء كان يطاف بفرشة مزركشة محمولة على الأكتاف تسمى «الحجلة» وهي رمز لفرشة سيدنا الحسين عليه السلام «يردد حملتها بعض الأدعية الحسينية باللغة الفارسية وهي تخص (مأتم نوخذا أحمد أو مأتم الميناوية) ونذرت والدتي أن أدخل الفرشة المبطنة بالقماش الأخضر والمفروشة أرضيتها بالمشموم وماء الورد، فترفع الفرشة ويطوفون بي حول بيتنا، فتدفع لهم والدتي مبلغاً من المال وبعض الهدايا فيسير القيم الموكب ويربط في إحدى كتفي شريطاً أخضر مطهراً مقتطعاً من ديكور الفرشة، أفاخر به وأحتفظ به لعدة أيام».
كانت القضيبية إبان تلك الفترة تعج بالعديد من العادات والفنون الشعبية لمختلف الجنسيات الموجودة «هناك أكثر من فرقة لليوة، والطنبورة، والقربة، والهبان، والكاسر للميناوية وأهل فارس، والسوما للبلوش والمسقطيين، والعرضة العمانية حيث تجرى فيها مبارزة بالسيف والدرع والسامر للدواسر، والعديد من الفرق النسائية، ومطربي الحي والدور والراقصات من المتحررات المتبرجات، ناهيك عن أهل اليمن وملابسهم الزاهية».
كل تلك المظاهر الاحتفالية تركت انطباعاً ومخزوناً في ذاكرة محمد في مراحلها الأولى «تلتها المرحلة الثانية، عندما التحقت بالمدرسة في الصفوف التحضيرية قبل الابتدائية، كنت مولعاً بجمع القراطيس والقصاصات، فأي ورقة تصادفني في طريقي كان مقرها جيبي، وكم عانت والدتي وجدتي في إفراغ جيبوبي كلما عدت من المدرسة، وكنت محظوظاً إذ سمح والدي لأمي بالذهاب إلى السينما عصر كل خميس وإثنين، وهما اليومان المخصصان لدخول النساء والأطفال، شاهدت في تلك المرحلة أفلاماً كثيرة هندية وأمريكية وعربية».
في أحد الأيام دخل المدير الصف برفقة الفنان حسن فايق «تعلقت أبصارنا بهذا الزائر الأصلع الطويل المبتسم دوماً، أما أنا فذهلت للمفاجأة.. وسألنا المدير.. أتعرفون الرجل؟ وعلى الفور رفعت إصبعي وصحت بدون استئذان حسن عرسولي، وكان هذا اسمه في أحد الأفلام التي شاهدتها، فالتفت إلي حسن عرسولي وقال شاطر برافو عليك، ثم ضحك ضحكته الشهيرة، وأخبرنا المدير أن اسمه الحقيقي حسن فايق، وقبل أن يغادر الصف أتحفنا بضحكة أخرى أدخلت علينا السعادة، وكانت هذه المرة الأولى التي أشاهد فيها نجماً سينمائياً بشحمه ولحمه وصلعته وضحكته الشهيرة والمميزة».
أحب محمد عواد الرسم والابتكار، وتشكلت لديه إرهاصات موهبة التقليد ورواية القصص المستحضرة من حزاوي جدته ومشاهداته من الأفلام والمبالغة فيها «توسعت ذاكرتي التخيلية، فكنت أمتع أقراني في المدرسة والحي وأرتجل الأحداث فكنت موضع اهتمامهم، أما والدي فكان في البداية يستحسن أدائي وحركاتي التي تضحكه، وعندما أضجره يزجرني فألوذ هارباً إلى فضاء آخر أشبع فيه هوايتي المبعثرة».
فاكهة المواقف الحياتية
ويواصل عواد سرد تفاصيل علاقته بالفن «تطورت قدراتي على التقليد والاستيعاب والابتكار وارتجال المواقف الهزلية، فتكون لدي جمهور من التلاميذ يلاحقونني أينما أتنقل في الفسح الدراسية، أو حصص الرياضة، وكثيراً ما كنت أمزق ملابسي طبقاً لمتطلبات الحالة أو الدور الذي أؤديه، كما إني أحظى بامتياز حصولي على السنبوسة والبيبسي مجاناً، حيث يتسابق ابناء الشيوخ لتقديمها لي مقابل أن أنكت لهم أو أخلق جواً ضاحكاً يمتعهم ويحرجهم في أوقات أخرى».
كانت المنافسة شديدة بينه وبين تلميذ آخر موهوب هو الأستاذ الفنان سلمان الدلال الذي يفوقه شهرة وبراعة في الأداء والتمثيل «نظراً لاهتمامي بمتابعة الفن وأهل الفن في مصر والشام، وقعت ضحية أحد زملائي في الصف، كان يحضر لي مجلات فنية قديمة كأهل الفن، ودنيا الفن، والإثنين، تخلص منها أخوه فكان يبيعها لي مقابل 3 روبيات، كما إن والدي رحمه الله كان له الفضل الأول في تنمية ولعي بقراءة المجلات الفنية وسير البطولات، وفتح لي اشتراكاً في إحدى المكتبات لاقتناء مجلة الكواكب ودنيا الفن كل أسبوع، ومجلدات الزير سالم وحمزة البهلوان وعنترة العبسي وكليلة ودمنة».
كان ينهل بشغف من محتويات المجلات الفنية، ويقرأها مرات ومرات «كان من عادة المدرسة أن تقيم نشاطات تنافسية بين الأسر الطلابية في مختلف المجالات في نهاية كل عام دراسي، والتحقت بفريق التمثيل، وأوكل لأحد المدرسين مهمة تدريبنا وإعدادنا لتقديم عمل تمثيلي، إلا أنه أتضح لنا فيما بعد أن المدرس يعرف كل شيء عدا التمثيل، كان يجمعنا كل يوم في الفصل ويجلس صامتاً حائراً، بينما نحن نتحرك ونثير ضجة وفوضى، وشاء سوء حظه أن حضر ذات يوم وعلى غفلة في جولة تفقدية مدير المدرسة الراحل حسن جواد الجشي، وهو مربٍّ فاضل وأديب مخضرم، وله هيبة ترعبنا، وأرعبت وأربكت المدرس المسكين الذي تورط معنا، ولم يجد جواباً على سؤال المدير عما كان يفعل، فأنذره بأنه سيعيد الزيارة بعد يومين ويود أن يرى ما نقدمه».
احتار المدرس الذي أعلن صراحة جهله التام بالتمثيل «قالها لنا، والله ورطة.. أنا وين والتمثيل وين.. أنا مدرس إنجليزي.. يبوني أسوي لكم تمثيلية.. شسوي الحين معاكم؟ وكانت فرصتي الذهبية.. وطوق النجاة الذي أنقذ المدرس البائس، حين تقدمت إليه مقترحاً فكرة تمثيلية، فما كان منه إلا أن وافق على مقترحي وطلباتي وهي تزويدنا بكيسين من الفحم».
أزياء الأربعينات
عصراً ذهب بصحبة جمع من الأصدقاء إلى المقصب البلدي «المسلخ» وجمعوا متبقيات الماشية المذبوحة مثل القرون والأظلاف وأغطية زجاجات البيبسي «جهزنا كل هذه المتطلبات في سرعة قاسية، وطرحت فكرتين تمثيليتين، الأولى تدور أحداثها في الأدغال الأفريقية، وهي عبارة عن مجموعة من القناصة البيض تتوغل في الأدغال وتتوه وتمسك بها مجموعة من أكلة لحوم البشر، وتعدها للأكل».
ويضيف محمد عواد «دهنا أجسادنا ووجوهنا بالفحم ووضعنا القرون على رؤوسنا واستترنا بأظلاف حوافر الماشية، وعلقنا في رقابنا قلائد أغطية البيبسي وجلبت الطبول من جيراننا ودربتهم على الرقص وقرع الطبول وترديد الأهازيج، التي انتقيت مفرداتها من الأطلس الجغرافي، اكتشفت فيما بعد أنها أسماء لبلدان ومدن وأنهار في أفريقيا، ولعلني أذكر بعض هذه الكلمات التي ألفتها.. توتو مجانبو هاها توتو.. موجا مبيني مسانكو».
شنكو.. منكو.. تونغو
استمد الفكرة من مخزونه في مشاهدة أفلام طرزان، وأفلام أخرى تدور أحداثها في الغابات والأدغال «قدمت تمثيلية أخرى كوميدية، تدور أحداثها في مقهى، ونالت أسرتنا وتدعى أسرة الشيخ عيسى الجائزة الأولى كأحسن وأفضل نشاط تمثيلي، وبهذين العملين وما لقياه من نجاح واستحسان أصبحت نجم المدرسة ومهرجها الأول».
أصبح محمد عواد بعدها مطلوباً من باقي المدرسين للانضمام إلى أسرهم لبراعته في التمثيل «حاولت مستميتاً أن أوضح لهم أن هذين العملين من إنتاجي، فأنا صاحب الفكرة والمحرك إخراجياً ومصمم الأزياء والديكور والمكياج والكلمات والحركات الراقصة، أي أني كنت آنذاك وبالتعريف الحديث فناناً شاملاً».
لم يصغِ إليه أحد بل اكتفوا بعبارة يعطيك العافية «قالوا لي شو كومديان حلو.. وآخر يداعبني بقوله.. أنت بتخوفنا دلوقتي.. لو سقطت حتاكلنا، في إشارة إلى دوري كزعيم للزنوج، بينما مدرسنا الفاضل المسؤول عن نشاطنا والذي نال ثناء واستحسان الإدارة والمدرسين على الجهد الذي بذله والأفكار الرائعة، فاكتفى بعبارة.. مشكورين يا أولاد.. ما قصرتوا.. أسرتنا طلعت الأولى».
لاحظ محمد أن المدرس يتحاشى النظر إليه أو محادثته مباشرة «سلمت بالأمر الواقع فهو أستاذ وأنا تلميذ، ومن يصدق أن تلميذاً في الصف السادس يبدع بهذا المستوى، إلا أني لم أسكت ونشرت الخبر بين باقي التلاميذ الذين استنكروا ادعائي ومنهم من وصفني بالغرور، ومنهم من نصحني بعدم الجهر بمثل هذه الخطرات كي لا تصل إلى مسامع الأستاذ أو الإدارة، وثنى على ذلك مجموعتي التي عملت معي ممن تعرف حقيقة الموضوع، وأقنعوني بالاكتفاء بالشهرة التي وصلنا إليها».
عندما روى لوالده ما حدث، أيد كلام رفاقه وطلب منه بصرامة عدم إثارة ما يسيء إلى الأستاذ الفاضل «انصعت لأمر الوالد، وقررت معاقبة الأستاذ والإدارة والتلاميذ بالتوقف عن تسليتهم، وانسحبت من نشاطات الأسرة المدرسية، ووضعت حداً للمرحلة الأولى التي تحددت فيها أطر موهبتي في الابتكار وترتيب الأفكار، وهي مرحلة لذيذة، أعود إليها كلما تقابلت مع أنا الآخر أمام المرآة أو في حالات الانسجام مع النفس».
في ميدان الحياة العملية
التحق محمد عواد بسلك التدريس عام 1956 وعين مدرساً للرسم «هي الموهبة تحددت ملامحها لدي إلى جانب التمثيل، كنت أمارس هذه الهواية من خلال طرحي لموضوعات خيالية أو ميتافيزيقية، وكنت أبذل جهداً لتقريب هذه الأطروحات، بهدف أن يتفاعل معها الطلبة، ويعبروا عنها بطرقهم الاستنتاجية، وكثيراً ما كنت أقتطع بضع دقائق من وقتي لتزويد الطلبة بمعلومات عامة مبسطة عن السينما وصناعة الأفلام وتعريف بالممثلين».
كان يردد عليهم زيارة الفنان حسن فايق، وكان لايزال يتابع أخبار النجوم من خلال المجلات المصرية واللبنانية «كنت أحرص على التعرف والتقرب إلى المدرسين المصريين، أو الوفود الزائرة وخاصة الصحافيين أتبرع بمرافقتهم طوال زيارتهم، أملاً في الحصول على معلومات عن الفنانين المصريين، وأتضح لي فيما بعد أن أغلبهم لا علاقة لهم بالفنانين ولكنهم كانوا يجاملونني أو يأخذونني على قد عقلي، ولم أجد بداً من السير إلى القاهرة، لإشباع نهمي والتعرف على الفنانين والمسرحيين عن قرب وفي المنابع الأصلية، وكانت تراودني الأحلام والخيالات، ويزين لي أنا الآخر أني وبمجرد وصولي إلى القاهرة ستتخاطفني شركات السينما ومؤسسات المسارح وتطاردني وسائل الإعلام، وأعود إلى البحرين نجماً متلألئاً».
لم يقتنع والده بالسماح له بالسفر إلى القاهرة في البداية «تمكنت من إقناعه بعد أن بينت له أني ذاهب لدراسة الفنون الجميلة في كلية الزمالك، فسمح لي بذلك ولما لم أحصل على إجازة دراسية استقللت من التدريس، وذهبت والتحقت بالدراسات الحرة في كلية الزمالك للفنون الجميلة، وانتظرت أن تتخاطفني المؤسسات الفنية، وأن تطاردني الجماهير، ولكن كل ذلك لم يحصل، ونتيجة لصعوبة وصول المصاريف التي يبعثها لي والدي وتأخرها، وتأثري بالخيبة المريرة من تجاهل أهل الفن والإعلام فضلت العودة إلى البحرين وإنهاء مشواري وعدت، بعد أن شاهدت مسرحيات ومسرحيين ونجوم السينما عن قرب، والتحقت ثانية بسلك التدريس، وتكونت لدي قناعة أنه علي أن أثبت وجودي في بلدي أولاً، وأن أتخلص من الأحلام، فالتحقت بنادي الفجر الثقافي والرياضي».
أيام الهيلا هوب
ألف محمد عواد تمثيلية تحمل مقومات البناء المسرحي اسمها «الهيلا هوب» وأخرجها ومثل الدور الرئيس فيها وعرضت على مسرح النادي الأهلي لعدة أيام ولاقت حينها نجاحاً وتجاوباً كبيرين «انتشرت المسرحية في دولة قطر وأجزاء من دول الخليج، بعد أن سجلها المطرب الراحل عيسى بدر خفية من خلف الكواليس وطبعها على أسطوانات صدرت وبيعت في دول الخليج، واستمعت إلى إحداها في بيت أختي التي تعيش في قطر وأخبروني أنهم اشتروها بـ12 روبية».
في عام 1957 انضم إلى جمعية أسرة هواة الفن، والتي تحول اسمها فيما بعد إلى أسرة فناني البحرين، وهي تجمع فني يضم مختلف مجالات الأدب والفنون «فيها شعب للموسيقى والغناء، وكتابة الشعر والتمثيل وجمع الطوابع، والتحقت بفريق التمثيل، الذي وفر لي مساحة أكبر وحرية في إفراغ ما لدي وإشباع هوايتي».
التقى محمد عواد هناك بنخبة جيدة كون معها فريقاً تمثيلياً «أصبح لنا برنامج نقدم خلاله عملاً أو أكثر في الأسبوع، وكونا قاعدة جماهيرية ثابتة، وكانت معظم أعمالنا ارتجالية، أطرح الفكرة ونتشارك في تنميتها وتطويرها فوراً ثم أقوم بالتنظيم الإخراجي ونعرض للجمهور الذي تغص به قاعة الأسرة أو النوادي التي نطوف بها ونقدم عليها عروضنا».
كان الجمهور يلاحقهم أينما حلوا «ثم كونت فريقاً للتمثيل ضمن فرقة الكشافة التي كنت قائداً لها وكان الجمهور وأهالي الكشافة يحرصون على متابعة ومشاهدة عروضها أو الفقرات الكوميدية التي أقدمها شخصياً في ليالي السمر، وصادف أن شاركنا في مخيم كشفي في الكويت، وزرت هناك المسرح الشعبي الذي تربطني به صداقة وكنت بملابس الكشفية، وصادف تواجد وفد من إخواننا العراقيين هناك، وما أن شاهدني المرحوم باقر الخريبط صاحب ورئيس تحرير مجلة صوت الخليج الكويتية وكان شاهد قبلاً بعض ارتجالاتي في البحرين، حتى وقف وأعلن أنه وبمناسبة هذا التجمع الفني ووجود فنان بحريني بيننا فإنه يطلب مني إعادة عرض ما شاهده في البحرين، وكان موقفاً محرجاً ولا مجال لي للاعتذار بعد أن صفق الموجودون وترقبوا ما سأقدمه، فارتجلت مشهداً إيمائياً، وعندما توقفت دوى التصفيق».
مساحة أخرى للإبداع
ويحكي عواد سبب ابتعاده عن أسرة هواة الفن «تركت الأسرة بعد أن ساءت أوضاعها وتفشت فيها الفرقة والكراهية، وشكلت فرقة خاصة غير رسمية مقرها النادي الأهلي، وتطور بي الأمر إلى كتابة النصوص وحفظها من قبل الممثلين وإخراجها بالإمكانات المتوفرة، فكتبت نصوصاً
(مثل ما رحنا جينا)، جمعية الطراروة، مالية بوزلوخ، عائلة خريش، دبلوماسية بوجوهر (ساهمت بها في المجهود الحربي) الكرة سنة ألفين، من سرق من؟ وقهوة الأرزاق».
الفرق المسرحية الرسمية
في التكوين الثالث من مسيرته الفنية وإثر نضجه الفني وتطور أدائه وأدواته من خلال ممارسة هوايته المسرحية ومحاولته الدؤوبة في تنميتها بكل ما يتوفر من مصادر الاطلاع والانطباع والتخزين والتعرف على الكفاءات الأخرى في مجالات الأدب والفنون «أدركت من خلال مشاورات ومداولات مع أنا الآخر أنه لابد من الانتقال إلى فضاءات أوسع، تمتص وتفجر ما بداخلي».
التقى عواد بنخبة طيبة ومخلصة لهواياتها واهتماماتها الأدبية والفنية «أسسنا مسرح أوال عام 1970 وكنت آنذاك انتهيت من كتابة نص مسرحي طويل أسميته (كرسي عتيق) وشاركت به في مسابقة للتأليف المسرحي برعاية إدارة العلاقات العامة، التي تطورت فيما بعد إلى وزارة الإعلام، وإزاء اشتراط إدارة العلاقات العامة، بعدم منحنا إجازة إشهار المسرح ما لم نقدم عملاً نثبت فيه صدق توجهاتنا وانتماءاتنا، قبلنا هذا التحدي واضطررت إلى سحب نصي من المسابقة، رغم إلحاح لجنة التحكيم وتمسكي بقراري المصيري، استلمت النسخة وعليها إشارات علامات لجنة التحكيم، فأخرجتها للمسرح وكانت باكورة مسرح أوال، وقدمت من خلالها الفنان خليفة العريفي والفنان عبدالله يوسف، والدكتور راشد نجم، كما ولأول مرة في المسرح البحريني الحديث، اخترت فناناً شاباً مغموراً كان يعزف على الأورغ، طلبت منه أن يتابع التمارين وأن يرتجل موسيقى تصويرية للأحداث، وكانت فرصته وفرصتي في التجريب ونجحنا معاً».
لاقت المسرحية نجاحاً نقدياً وجماهيرياً حسب ادعاء الصحافة الفنية «حصلنا مباشرة على الاعتراف، وأشهرنا مولد مسرح أوال، ويبدو أنها كانت الشرارة الواعدة والمؤثرة في بلورة تكويني المسرحي، كتبت بعدها مسرحية ثانية بعنوان (السالفة وما فيها) وجاءتني الفرصة، حين تم نقلي من التدريس إلى العمل في قسم المسرح بوزارة العمل عام 1973 وبعد شهور أخرجت للمسرح مسرحية (إذا ما طاعك الزمان) وهي مسرحية شعرية للشاعر الأستاذ إبراهيم بوهندي، استخدمت فيها الأسلوب التجريدي المناسب للسينوغرافيا التجريدية وهو عبارة عن سطح سفينة بصارية وشاشة خلفية تدور عليها الأحداث».
ولأول مرة أيضاً في تاريخ المسرح البحريني الحديث قدم محمد عواد عرضاً سينمائياً متناسقاً ومنسجماً مع الأحداث مع خلفية روائية لأشعار المؤلف بصوت الراحل إبراهيم كانو وهو إذاعي مخضرم شهير كان له الفضل في إثراء العمل «أدخلت أيضاً خلفية ثانوية لقصائد الشاعر الأستاذ علي عبدالله خليفة، أما العرض السينمائي فأخرجه الفنان خليفة شاهين، الذي كان يحضر كل ليلة مع زوجته الإنجليزية ويعدون آلة العرض والفيلم ويمكثون خارج الخشبة المسرحية حتى تحين فرصة عرض الفيلم، ثم يلملمون أغراضهم وينسحبون بتواضع بعد أداء مهمتهما، وكان مهندس الإضاءة كولن كاميرون وهو إنجليزي تربطني به معرفة حميمة بحكم وضعي كمشرف للمسرح في قسم المسرح، وهو عضو في إحدى الفرق الإنجليزية ومتعاون معنا، هذا الفنان ومن خلال متابعته للعرض كل ليلة، طلب مني نص المسرحية والموسيقى التأثيرية وبعث بها إلى قسم الدراسات الشرقية في جامعة دورم في بريطانيا، وجاءتني الفرصة الثانية حين تقرر ابتعاثي إلى بريطانيا لدراسة المسرح ويعود الفضل في ذلك إلى الصديق الأديب د.محمد علي الخزاعي الذي كان مراقباً للمسرح والفنون آنذاك».
اشترط المعهد البريطاني أن يحضر مخرج بريطاني ليلتقي بمحمد عواد ويشاهد عملين من أعماله «قبلت التحدي وحضر المخرج وارن جنكنز، وأعددت له عرض مسرحية (إذا ما طاعك الزمان)، وبعد نقاش طويل، لم أعرف فيه مصيري ولم يطلعني على رأيه بل أعطاني كتاباً في الإخراج، بعنوان (الإخراج المسرحي) جلبه معه، تصفحت الكتاب عدة مرات، ونقلت منه ما استطعت، وفي الصباح ذهبت إلى المطار مودعاً، وقبل المغادرة والوداع سلمته الكتاب، فهمس لي يمكنك الاحتفاظ به وأراك في لندن، فعلمت أن الحظ ابتسم لي».
ذهب عواد إلى لندن والتحق بأكاديمية لندن للموسيقى والفنون الدرامية، ونال منها دبلوما في التمثيل والإخراج المسرحي «ثم تدربت في المسرح الذخائري في برمنجهام، وأيضاً نلت شهادة في المسرح التربوي، ومسرح الأطفال من مدلند سنتر، وتدربت في مسرح بلغريد، وفي مدينة لستر تدربت لفترة قصيرة على المسرح الاستعراضي ومسرح الشباب، تحت إشراف المخرج مايكل بوغدانوف وتجولت مع فرق جوالة وعدت للبحرين».
العمل في المسرح القطري
في عام 1976 عمل في دولة قطر رئيساً لقسم المسرح والفنون، ونظم دورات في التقنيات الجسدية قادها العراقي الفنان سعدون العبيدي وورشة عمل مسرحية قادها الفنان التونسي المنصف السويسي «أخرجت عملين من تأليفي هما (السالفة وما فيها) و(حسن وفرارة الخير)، كما مثلت في مسرحية المغني والأميرة من إخراج الفنان القطري عبدالرحمن المناعي وشاركنا بها في مهرجان الحمامات في تونس».
وفي عام 1981 عدت إلى البحرين وتوليت إدارة الفرقة المسرحية الوطنية بوزارة الإعلام التي لم ترَ النور، ثم عينت مشرفاً لمراقبة المصنفات الفنية، وتقاعدت مبكراً عن العمل عام 1996، ولكني لم أتقاعد عن المسرح أو التواجد في مقر مسرح أوال كل مساء رغم تقدم العمر والمسؤوليات الاجتماعية.
ألف محمد عواد مجموعة نصوص مسرحية هي كرسي عتيق، السالفة وما فيها، العطش (اللعنة)، رجب يوقع اتفاقية الفار، حسن وفرارة الخير (أطفال)، المغامرون (أطفال)، الرجل الذي ضحك على الأباليس، شسالفة يا بوناصر.
وشارك في أعمال مسرحية كثيرة منها سبع ليال، مالا ولا انكسر، السالفة وما فيها، إذا ما طاعك الزمان، المغني والأميرة، يا ليل، بنت النوخذة، بوخليل في الميدان، السوق، حليمة ومنصور، سوق البطيخ، الخيول، درب العدل، جويرة (ورشة)، العرض لم يبدأ (ورشة)، عرس رشدان، ربع المكدة، أرض الملوك، أوبريت دار يوكو، سرور وإعداد ورشة مسرحية (ورشة – محمد الخزاعي المسرحية 2006) مسرحية مظلتي لاتزال مبللة 2006.
وأخرج محمد عواد مسرحيات كرسي عتيق، السالفة وما فيها، إذا ما طاعك الزمان، حسن وفرارة الخير، الحارس لهارولد بنتر «منعت ليلة الافتتاح»، وساهم في تصميم ملابس مسرحية المغني والأميرة، وملابس وديكور مسرحية حسن وفرارة الخير، وحضر مهرجانات عديدة أهمها مهرجان أفينيو بفرنسا، وشاهد عروض مسرح تياتر دوفل بباريس، وعروض مسرحيات الغرفة والمقهى.
وفي لندن وباقي المدن البريطانية عاش أجمل أيام حياته مع المسرح، وفي إحدى المرات استضاف د.إبراهيم غلوم ود.مرزوق بشير لحضور عرض الحارس بالمسرح الوطني في لندن.
وشارك في فيلم الحاجز وفي العديد من الأعمال التلفزيونية والإذاعية، وألف مسلسلاً واحداً «الفرسان الثلاثة»، ونال محمد عواد حظاً يسيراً من الشهرة في مسلسل أم هلال إذ لازمته شخصية «أبوهلال» حتى الآن رغم مضي كل هذه السنين.