كتب - عبدالرحمن أمين:
قال الباحث د.إبراهيم مطر إن انحسار تجارة اللؤلؤ شكل المحرك الثاني لانشغال أهل البحرين بتطوير التعليم، بعد أن شهد العام 1919 تأسيس أول مدرسة نظامية هي مدرسة الهداية الخليفية الثانوية، لافتاً من جانب آخر إلى الدور الريادي الذي لعبته البحرين، على اثر إرسال أول بعثة طلابية للدراسة في الخارج.
وأضاف د.مطر خلال أمسيته «نحو مئوية التعليم النظامي في البحرين»، في جمعية تاريخ وآثار البحرين مؤخراً، أن بدايات 1900 شهدت تحولاً في الوعي الثقافي والاجتماعي بالبحرين، ومع إرساء الأسس الأولية التربوية لتعليم البنين تم التفكير بتعليم الفتاة.
وتابع د.مطر: كان تعليم الكتاتيب أو المطوع في أبسط صوره التعليمية الممكنة وفق ذاك الزمان، حيث كان الكثيرون في ذاك الزمان يشعرون بأن ذاك النوع من التعليم لا يحقق كفاية علمية تناسب روح العصر. مع بدائيات 1900 وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى تغيرت الأمور وأدى انفتاح البحرين بصورة أشمل على تطور ومعطيات النهضة الغربية الجديدة إلى إحداث تحولات سياسية واجتماعية كبيرة في منطقة الخليج والبحرين تحديداً. نتج عن ذلك تحول في الوعي وانبثاق ثقافي واجتماعي بين أفراد مجتمع البحرين. وبحكم ذلك ظهرت الحاجة إلى إنشاء مواقع تعليمية حديثة تختلف عن المطوع أو الكتاتيب من حيث نظمها ومناهجها وأهدافها.
ولكن قبل هذا التحول، حدث أمر آخر قبيل 1900 وهو تواجد بعثة الإرسالية الأمريكية التي اتخذت من البحرين انطلاقة لها. فوفق للوثائق المرصودة، فإن التعليم ما قبل النظامي قد بدأ مبكراً في البحرين تحديداً. إذ أنشأت الإرسالية الأمريكية (من خلال الخدمات الطبية والتعليمية) أول مدرسة للفتيات العام 1899. اتخذت من شعار جوزة البلوط رمزاً لها منذ التأسيس وذاك في بيت جمعة بوشهري في المنامة، وهي موقع مدرسة عائشة أم المؤمنين في حاضر. وتشير المراجع في هذا الصدد بفتح السيدة ايمي زويمر وهي زوجة اللقس صموئيل زويمر، مدرسة للبنات وسمتها شجرة البلوط العام 1899.
وتذكر مراجع التاريخ التي كتبت عن هذه الفترة أيضاً إلى أنه بعد مرور ثلاث سنوات، أي العام 1902 شهد أيضاً إنشاء أول مدرسة للبنين تابعة للإرسالية الأمريكية. لم يقف أهل البحرين ضد علوم الطب والتعلم ولكن عملية التبشير لم يكن مرحباً بها، بدليل أن الأهالي يبعثون أبناءهم إلى مدرسة التبشيريين للتعلم صباحاً وإلى المطوع في المساء. هذا الذي حدث فعلاً، فمع مرور السنوات وتحديداً العام 1936 أغلقت مدرسة الإرسالية الأمريكية في البحرين والتي أسستها إيمي زويمير العام 1899 للبنات ومن ثم العام 1902 للبنين، بعد أن تبين أن كلتي المدرستين قد فشلتا في تحقيق هدفهما وهو التبشير بالديانة المسحية.
مدرسة الإصلاح المباركة
خلال العام 1913 حدث أمر آخر وشهد ظهور مدرسة الإصلاح المباركة وسميت مدرسة العجم. هي أول مدرسة أهلية في فريج العجم بمنطقة المنامة. عمل بوشهري دوراً في تأسيس ثاني مدرسة شبه نظامية في البحرين بعد مدرسة الإرسالية الأمريكية التي تأسست في 1899. خلال العام 1913 قام مجموعة من التجار العجم لتأسيس مدرسة خاصة لتعليم البنين. عقدت المدرسة فصولها الدراسية في بادئ الأمر على عتبات مأتم العجم في فريج المخارقة في أكتوبر 1913، ثم انتقلت إلى عريش مؤقت في مواجهة المأتم. وفي 1915 انتقل العريش إلى مبنى مستأجر من جمعة بوشهري وأطلق عليها مدرسة الإصلاح المباركة. ظلت هذه المدرسة في نفس الموقع حتى 1923 حينما انتقلت إلى مقرها الدائم قرب مدرسة فاطمة الزهراء في المنامة.
المحرق تشهد أول مدرسة أهلية
وفق عدد من المصادر فإن مدرسة علي بن إبراهيم الزياني هي أول مدرسة أهلية خيرية تقام في المحرق، وكان ذلك العام 1912. مدرسة علي بن إبراهيم الزياني كان بيت مثل المطوع ويقع على مشارف الحالة بالمحرق. كان لصق المسجد في منطقة فريج الزياني.
مدرسة علي بن إبراهيم الزياني افتتحت كمدرسة أهلية خيرية العام 1912 م أي قبل افتتاح مدارس التعليم النظامي بسبع سنوات وكان يتحمل نفقات المدرسة وكل ما يتعلق بالتدريس المحسن علي بن إبراهيم الزياني. المدرسة بسيطة وكانت تفي بغرض وحاجيات ذاك الزمان وكانت تحتوي على ثلاثة فصول ويدرس فيها خمسين طالب. كان عدد المدرسين 5 وكان يدير المدرسة الأستاذ حافظ وهبة. بعدها بسنوات قليلة، استخدمت مدرسة علي بن إبراهيم الزياني كمقر مؤقت لمدرسة الهداية وكان ذلك في عام التأسيس للهداية العام 1919 إلى حين الانتهاء من إنشاء المبنى الجديد للهداية. من ذاك الموقع انطلق التعليم النظامي في البحرين من المحرق.
درس في تلك الفترة الكثير من الطلاب ومنهم الأستاذ أحمد العمران الذي أصبح ناظر المعارف لاحقاً. خلال العام 1922 زار المؤرخ أمين الريحاني البحرين وزار مدرسة الهداية المؤقتة ( وهو موقع مدرسة علي بن إبراهيم الزياني) وكان مدير المدرسة آنذاك الأستاذ عبدالعزيز العتيقي. البداية كانت صعبة والمراحل الأولى نحو تأسيس نظامية التعليم في البحرين لم تكن صدفة، فهناك عوامل رئيسة أدت إلى انتشار التعليم خلال بدائيات 1900، حيث برزت في البحرين ما بين العام 1920 وتعميمه في ربوع البحرين بما يشبه الطفرة. ولعل وأهم هذه المظاهر: هي تفاعل الأحداث في المنطقة بسبب الحرب العالمية الأولى. ظهور وتطور المؤسسات الإدارية والفكر التنويري الذي كان يتمتع به الشيخ الحاكم عيسى بن علي آل خليفة وهو ممسك بمقاليد السلطة آنذاك. انفتاح تجار البحرين ووجهائها على العالم الخارجي وذلك لتعدد أسفارهم المتكررة للهند وباريس بهدف التجارة.
إذن أصبحت البحرين أكثر انفتاحاً وتقبلاً على التأثيرات الغربية والتجارة والحاجة لتعليم البنين الحساب واللغة والكتابة بشكل أكثر منهجية إبان الحرب العالية الأولى. هذا الأمر الذي جعل الوجهاء والتجار يفكرون في إنشاء نظلم تعليمي لأبناء البحرين. وشهد العام 1919 تأسيس وظهور أول مدرسة نظامية لتدريس البنين وهي مدرسة الهداية الخليفية، وهي أول مدرسة نظامية رسمية في المحرق ولكن خيرية، التي اتخذت من منزل الحاج علي بن إبراهيم الزياني موقع لتنير به الشعلة الأولى.
وبعد ظهور مدرسة جوزة البلوط التابعة للإرسالية الأمريكية وظهور مدرسة الإصلاح المباركة العام 1913 ، وقبيل العام 1919 تشاور أهل الرأي والعقد في جزيرة المحرق وأجمعوا على ضرورة العمل لإنشاء مدرسة نظامية مجانية. بطبيعة الحال، بارك حاكم البحرين هذا النداء واكتتبوا لصالح المشروع وبُدئ العمل المنظم وتأسست مدرسة الهداية الخليفية للبنين العام 1919م في المنطقة الشمالية من مدينة المحرق. لقد قام بإنشاء هذه المدرسة لجنة خيرية أهلية من الأهالي برعاية ورئاسة المغفور له الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة رجل المعارف حينها بمساعدة التبرعات التي جمعت لهذا الغرض. بخصوص أعضاء اللجنة المؤسسة الخيرية التي أسست مدرسة الهداية الخليفية، فهم: الشيخ عبدالله بن عيسى بن علي آل خليفة، الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة، عبدالوهاب بن حجي الزياني، سلمان بن حسين بن مطر، محمد بن راشد بن هندي، محمد صالح بن يوسف خنجي، يوسف بن عبدالرحمن فخرو، عبدالعزيز بن حسن القصيبي، محمد بن صباح آل بن علي، عبدالرحمن بن محمد الزياني، عبدالرحمن بن عبدالوهاب الزياني، عبدالرحمن بن أحمد الوزان، أحمد بن حسن بن إبراهيم، علي بن عبدالله العبيدلي.
خلال 1920 تم وضع الأساس لمدرسة الهداية الخليفية للبنين، وتم افتتاح المدرسة خلال 1923. يعتبر افتتاح مبنى مدرسة الهداية الخليفية في شمال المحرق، والتي هي مرحلة مهمة في تاريخ ومسيرة التعليم في البحرين كأول مدرسة حديثة لتعليم البنين في شمال جزيرة المحرق. وتذكر المصادر على أنه قد استخدم في بناء المدرسة أفضل أنواع الحجر الطبيعي تم جلبه من جزيرة جدة ويقال من منطقة قلعة البحرين. أشرف على تصميم مبنى المدرسة مهندس معماري هندي، وتعتبر المدرسة محطة مهمة في مسيرة التعليم الحديث في الدولة.
يقول الأستاذ عبدالحميد المحايدين في أحد لقاءاته: لقد كان اختيار اللغة العربية للتعليم الرسمي في البحرين خياراً موفقاً، فلو كان اختيار لغة غير اللغة العربية، لكانت الصورة مختلفة عن ما نراه اليوم. إذن شهد العام 1920 وضع حجر الأساس لمدرسة الهداية الخليفية النظامية للبنين بالمحرق وذاك يوم الاثنين 16 نوفمبر 1920. كلف المبنى 300000 روبية من تبرعات الأهالي والأعيان والوجهاء. جلبت الأحجار من جزيرة جدة، والأبواب والنوافذ من ملبار بالهند.
كان تشيد مدرسة الهداية استثنائياً وفق معطيات ذاك الزمان، في كل شيء ومميزاً عن غيرها في نواح عديدة. فالمبنى أقيم على أحجار كبيرة قطعت من جزيرة جدة ويقال من منطقة القلعة. ليس هذا كل شيء بل أتوا لها من الهند ببنائين مهرة اختصوا في تقطيع مثل هذا النوع من الأحجار الكبيرة بينما أبوابها وشبابيكها جلبت أيضاً من مليبار بالهند وقد شرع في البناء العام 1920، وبما أن بناء هذه المدرسة كان يعتبر في ذلك الوقت مشروعاً كبيراً نتيجة لجهود أهلية مشتركة، وكأولى الخطوات فقد بدئ بالاكتتاب لجمع التبرعات من أهالي الخير خصوصاً من مدينة المحرق حتى بلغت مائتي ألف روبية بينما بعض الأهالي الميسورين فضلوا دفع اشتراكات مالية شهرية.
كانت مساحة الأرض التي أقيمت عليها هذه المدرسة هي هبة من الشيخ الحاكم عيسى بن علي آل خليفة، أضف على ذاك تبرعه المالي السخي هو والعائلة الحاكمة. أما كلفة البناء فقد بلغت ثلاثمائة ألف روبية. وقد فتحت المدرسة أبوابها للطلاب العام 1923 حين اكتمل من صفوف الأجنحة الثلاثة بالمدرسة. كما وبنيت حجرات سكن للأساتذة المدرسين الوافدين في الطابق العلوي من الجهة الشمالية.
جاء الزمان فوجدنا الصفوف تضيق على من فيها مما أجبر مدير المدرسة إلى أن يتفق مع إدارة النادي الأدبي بالمحرق على فتح صفوف مسائية مؤقتة في النادي نفسه. وكل ذلك جرى بسبب الإقبال الكبير على تلقي العلم والمعرفة. وتشير الوثائق والمصادر التاريخية المتوافرة إلى الدور البارز الذي اضطلع به بن الحاكم الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة الرئيس الرسمي للإدارة الخيرية للتعليم، والذي صار وزيراً المعارف فيما بعد، في سبيل الترويج لقبول فكرة المدرسة من قبل أبناء المجتمع آنذاك ومطالبتهم بالمساهمة في نجاحها من خلال تبرعهم لهذا المشروع.
«الهداية» وجلسة العمل الأولى
يشير المحايدين في كتابه، وقد تطرق الكاتب إلى ظروف انطلاق تأسيس المدرسة النظامية الأولى بالبحرين، إلى أن ذلك كان خلال جلسة العمل الأولى لهم التي عقدت برئاسة الشيخ عبد الله بن عيسى بتاريخ الرابع من يناير 1920. وقد حضر هذه الجلسة 47 من وجهاء البحرين ومن نخبتها المثقّفة. يروي عبد الحميد المحادين أنّ الاجتماع «كان بدار الشيخ عبد الله بن عيسى آل خليفة وبرئاسته. وأثناء الاجتماع دخل مندوب الملك حاملاً مرسومه الكريم لنجله رئيس الجلسة، فتناوله وفضّ أختامه وأمر من يتلوه على مسامع الحاضرين، فتناوله السيد يوسف كانو وتلاه على الحاضرين: بسم الله الرحمن الرحيم.. من عيسى بن علي الخليفة إلى حضرات الأجلاء الكرام الذوات المجتمعين في ما يرضي رب العالمين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أمّا بعد فإني أنهي إليكم ابتهاجي العظيم وشكري الجزيل على اجتماعكم واتفاقكم في سبيل هذا العمل الخيري الجليل سائلاً المولى جل شأنه أن يوفّق الجميع لما فيه رضاه يوم تلقاه إنّه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته في 13 ربيع الثاني 1338 (ويوافق 4 يناير 1920)».
شكر الحاضرون تعطّف الملك المعظّم ودعوا له بدوام التأييد. ويتابع المحادين «نقف في هذا الصدد عند شخصية مهمة هي الشيخ المالكي قاسم بن مهزع الذي تصدّى لبعض علماء الدّين الذين عارضوا إنشاء مدرسة الهداية. فلمّا ظهرت لدى بعض وجهاء البحرين فكرة تأسيس تعليم حديث في البحرين واجهوا معارضة حادّة، حتّى إنّ الشيخ الصحاف إمام أحد المساجد خطب محذّرًا من التعليم ومدعيًا أنّ التعليم ضدّ الدين بل هو نقيض الدّين. هذا جعل الشيخ قاسم بن مهزع يعلن تأييده للتعليم بأن ردّ على الشيخ الصحّاف معتبرًا ما قاله تناقضًا بين الدّين والعلم». د. عبد الحميد المحادين – الخروج من العتمة.
إنّ هذا الموقف الجليل يجعل من القاضي قاسم بن المهزع شخصيةً رياديةً في مجال بروز التعليم النظامي الحديث لما كان يتمتّع به من سلطة دينيّة منحته هيبةً لدى الخاصة والعامة. وقد قدّمت هذه الشخصية مساعدة أساسيّة للقائمين على مشروع إنشاء المدرسة في مقابل أطراف معارضة لها من المؤسسة الدينية. وقد تجلّت هذه المساعدة من خلال محضر الجلسة التمهيدية المؤرخة بـ 19 ربيع الأول سنة 1338 الموافق لـ 5 ديسمبر 1919، فقد وجدت «معارضة للمشروع لم يغفلها الحاضرون، بل التفتوا إليها وعلّقوا الجلسة حتّى يزيلوا من أذهان المعترضين ما علق بها من سوء فهم لمشروع التعليم وتوجهاته ولما أوجسوا من نتائجه. وكان لا بدّ لإزالة هذا التوجّس الذي استند أصحابه إلى أسانيد دينية من اللجوء إلى جهة مرجعيّة دينية تدافع عن هذا المشروع وتزيل من ذهن العامّة مخاوفهم وتطمئنهم، ومن غير قاسم المهزع آنذاك لكي يقول كلمته الفاصلة في هذا الأمر، وهو الموثوق من العامة والخاصة، ولقد كانت المعارضة الدينية كفيلة بوأد المشروع في مهده لو تركت على رسلها».
هكذا إذن، كانت أحداث التعليم الأولى في عهد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، وهو الذي جعل ابنه عبد الله يمثّله على أرض الميدان من أجل تحقيق مشروع المدرسة الأولى، الذي كان حاضرًا في المحطات الرئيسة لهذا الحدث وهو إنشاء أوّل مدرسة نظامية حديثة في البحرين. وهذا ما تجلّى في حضوره يوم الاحتفال بوضع الحجر الأوّل لهذه المدرسة يوم الاثنين الموافق لـ 15 نوفمبر 1920.
لقد خطب الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة، أثناء وضع حجر أساس المدرسة، خطاب مملوء بالأمل المشرق وكانت له دلالاته الخاصة حين قال: «إني أشعر كما تشعرون بأن قلبي يطفح سروراً وآمالاً كباراً لأننا غرسنا أول غرس للحياة الصحيحة وسيكون سروري وسروركم مضاعفاً عندما يثمر غرسنا الشهي».
بدأت الدراسة الفعلية في مدرسة الهداية الخليفية العام 1921، و هو في يوم السادس من سبتمبر. كما إنه تم تعيين أول مدير لها وهو الأستاذ حافظ وهبة حيث كان عدد الطلبة الدارسين فيها 140 طالباً وعدد المدرسين 19 أستاذاً من عدة جنسيات بحرينية وكويتية وسورية ومصرية ويمينية.
اختلفت الروايات بخصوص من أدار مدرسة الهداية في البداية، هل هو حافظ وهبة، إذن وتذكر كتب التاريخ أن الأستاذ عبدالله صدقة دحلان كان أول مدير أدار مدرسة الهداية بعد الافتتاح. الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة وبدعم من حاكم البحرين آنذاك الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، لعب دوراً مهماً في بداية مدرسة الهداية الخيرية منذ مرحلة التأسيس. في الوقت نفسه بينما كان العمل جارياً على تأسيس هذه المدرسة النظامية في البحرين، والتي تولى أيضاً رئاسة مجلس إدارتها الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة العام 1919، كان العمل جارياً لتأسيس مدرسة لتعليم البنات أيضاً، لكن حدث هذا العام 1926 بعد إزالة معارضة من بعض المحافظين. ساهم الشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة في إرسال أول بعثة من الطلبة للدراسة على حساب الحكومة في الخارج العام 1928 وفي العام 1931 عين كأول وزير للمعارف وخول سلطات واسعة في كافة شؤون التعليم حينها.
ما بعد «الهداية»
بدأت فكرة التعليم بالاتساع، وفي هذه الفترة أيضاً شهد بناء مدارس الهداية في المحرق والحد والرفاع والمنامة. ففتحت مدرسة ابتدائية للبنين في المنامة العام 1921 وأطلق عليها أيضاً اسم الهداية الخليفية. كما وفتحت مدرستان في مدينتي الحد والرفاع الشرقي في سنة 1927 وحملت أيضاً اسم الهداية الخليفية. وبعد سنوات غيرت أسماؤها واحتفظت مدرسة الهداية الحالية في المحرق بالاسم التاريخي لها. وخلال تأسيس التعليم النظامي وخلال بناء مدرسة الهداية الخليفية، قامت اللجنة الأهلية الخيرية المشرفة باستقدام معلمين من المنطقة العربية ومنهم مدير المدرسة (حافظ وهبة) و(عبدالعزيز العتيقي) و (عثمان الحوراني) و(عمر يحيى).
كانت بداية انتشار المدارس النظامية صعبة والمراحل الأول نحو نظامية التعليم شهدت عدة عقبات ولكن استطاعت اللجنة الأهلية الخيرية أن تتقلب عليها. محرك آخر ذو أهمية كبرى ساعد في انتشار التعليم بشكل سريع والذي صب في مصلحة ظهور هذه المدارس النظامية الخيرية في المحرق والمنامة وهو يتعلق بفكر الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حكم البحرين آن ذاك. فكانت عنده رؤية عميقة للتعليم، ولا ننسى في ذا السياق المؤازرة من ابنه الشيخ عبد الله بن عيسى بن علي آل خليفة (رئيس لجنة المعارف حينها) الذي كان داعماً للتعليم أيضاً والذي شهد عصره تحوّل التعليم من الأهلي الخيري إلى الحكومي الرسمي.
بوادر انحسار تجارة البحر
في حقيقة الأمر، ووفق الكتب والمصادر فقد بدأت آثار تدهور اقتصاد منطقة الخليج التي كانت تعتمد على اللؤلؤ الطبيعي بعد الحرب العالمية الأولى، وخصوصاً خلال الفترة العشرينات حتى فترة الأربعينات. فوفق الإحصائيات الرسمية آنذاك، إذ تقلص عدد القوارب التي تتحرك من أسياف البحرين لاستخراج اللؤلؤ في سنة 1948 إلى 80 قارباً مقارناً بالعدد 1500 في سنة 1833. كانت تجارة اللؤلؤ تعد الصناعة الأولى في الخليج العربي، أيضاً لكونها المهنة الأكثر اقتراناً بالمنطقة البحرية. وكانت القوة الشرائية لسكان الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية تعتمد إلى حد كبير على ما يستخرج من هيرات اللؤلؤ. كانت البحرين مركزاً مهماً لتجارة اللؤلؤ، حيث كان يباع للأسواق العالمية منها خاصة الهند. إلا أنه باتت هذه التجارة في الانحسار، فشكل هذا المحرك الثاني لانشغال أهل البحرين بتطوير التعليم في منتصف العشرينات خصوصاً بعد وصول المستشار بلغريف إلى البحرين العام 1926. نتاج الحرب العالمية الأولى وظهور التعليم النظامي وتغير نمط التجارة وبوادر اكتشاف النفط في المنطقة، أضف إلى ذلك كارثة الطبعة عام 1925 التي ذهب ضحيتها حوالي 5000 من المهرة الغاصة والمحترفين والسفن الكبيرة .. كانوا في الحقيقة المحركات المؤثرة في تحول المجتمع البحريني من مجتمع يعتمد على تجارة البحر والبستان، إن صح التعبير، إلى جهة وصوب البديل وهو الصناعة التي تتطلب تعليماً أكثر حداثة. خلال 1926 وصل المستشار تشارلز بلغريف إلى البحرين، وبعدها مباشرة خلال 1927 تم أيضاً صدور أول تقرير عن التعليم في البحرين وأعده بلغريف.
تعليم البنات يرى النور
الفتيات في البحرين وفي الخليج بأكمله، كن شركاء للبنين في التعليم ولم تكن الفتاة بعيدة عن التعليم، فقد سنحت لها فرصة التعليم النظامي بعد أن استشعر الأهالي بضرورة التعليم للبنات كضرورته للبنين. ما أن تم إرساء الأسس الأولية التربوية لتعليم البنين مع 1927، حتى تم التفكير لتعليم الفتاة وتثقيفها لتضطلع بدورها في المجتمع، إذ هي النصف الآخر المؤثر للمجتمع. في البداية، قوبلت فكرة إنشاء مدارس لتعليم البنات بالاحتجاج والرفض من الشارع في تلك الفترة، خصوصاً وأن فكرة الإنشاء جاءت من مارجوري بلغريف وهي زوجة المستشار الذي يومها أعلن عن الحاجة لفتح مدارس للبنات. فبدأت العام 1928 أول مدرسة تعليمية للبنات وكانت في مدينة المحرق وسميت أيضاً مدرسة الهداية الخليفية للبنات ومن ثم أطلق عليها اسم مدرسة خديجة الكبرى وهي تحمل نفس الاسم حتى هذه اللحظة. كان عدد الطالبات 104 طالبات. وكانت أول مديرة للمدرسة سورية الأصل، ونتيجة للحاجة الملحة لجهاز تعليمي فقد استعانت المدرسة بمجموعة من المدرسات السوريات اللاتي قدمن إلى البحرين لهذه المهمة، وفي العام 1929 تم افتتاح مدرسة أخرى للبنات في المنامة وأطلق عليها مدرسة الهداية الخليفية في المنامة ثم تحولت إلى مدرسة عائشة أم المؤمنين.
كان عدد طالباتها 51 طالبة يقوم بتدريسهن 3مدرسات. في هذا الأطر لابد من ذكر بأنه كان للأستاذ عثمان الحوراني، مدير مدرسة الهداية الخليفية، آن ذاك في المحرق دور مهم في حث أعضاء مجلس المعارف على فتح مدرسة للتعليم اللبنات رغم معارضة بعض الأهالي. وكان أيضاً نائب الحاكم وحرمه والشيخ عبدالله بن عيسى آل خليفة وأعضاء مجلس المعارف والمتعلمين من مؤيدي تعليم اللبنات دوراً مهماً في تعزيز هذا الدور. وقد ساهمت الليدي مارغوري بلغريف ومدرسات بحرينيات وعربيات في تعليم البنات في المدارس. ولابد من ذكر دور الأستاذة فوزية البيات ووالدتها في قيامهما بدور تطوعي في تعليم اللبنات حينها.
المدرسة الجعفرية
في المنامة
أدى اهتمام حكومة البحرين بالتعليم إلى الإسراع في تأسيس المدارس ودور التعليم وانتشارها أيضاً في البحرين. ولا ننسى دعم الأهالي وتشجيعهم والمساهمة المالية. لذا فقد تم افتتاح المدرسة الجعفرية خلال 1928. نظراً لعصوية إيجاد المكان، فقد كان التدريس يقام بشكل مؤقت في بيت الجشي في المنامة. وتم بناء المدرسة عن طريق جمع التبرعات من وجهاء المنطقة وأهاليها بعد أن أعطتهم الحكومة قطعة الأرض لبناء المدرسة، وأشرف على بناء هذه المدرسة لجنة من الأهالي.
افتتحت المدرسة الجعفرية تحت رعاية الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة. كانت المدرسة الجعفرية، مدرسة خاصة وبعدها تحولت إلى مدرسة تابعة للدولة تغير اسم المدرسة الجعفرية في المنامة إلى عدة أسماء. فقد سميت بداية المدرسة الجعفرية وبعد انتقال مسؤوليتها للحكومة تغير الاسم إلى المدرسة الخليفية ثم إلى المدرسة الغربية وهي الآن باسم مدرسة أبو بكر الصديق في منطقة المنامة.
خلال 1928 أيضاً، تم افتتاح المدرسة النظامية وهي المدرسة المباركية العلوية في الخميس مع حضور بعض المدرسين من العراق. بعدها تم تغير اسم مدرسة المباركية العلوية في الخميس إلى مدرسة الخميس الابتدائية للبنين حتى اليوم. هكذا ثبتت أول دعائم التعليم في البحرين، ويتضح من خلال استعراض البدايات الأولى للتعليم مدى التعاون والتكامل بين القطاعين الرسمي للحكم والأهلي الخيري والذي كان له أعظم الأثر في النهضة التعليمية التي حققت أهدافها المرجوة في تلك الفترة.
بعثة طلابية للدراسة في الخارج
في المرحلة التالية ومع ابتعاد علاقات الإنتاج تدريجياً عن النمط التقليدي، ترسخ الشكل النظامي للتعليم في البحرين وباتت البحرين تلعب دوراً تربويـاً ريادياً في منطقـة الخليج على إثر إرسال أول بعثة طلابية للدراسة في الخارج وهي إلى الجامعة الأمريكية خلال 1928.
تزايد مجاميع الطلبة الخليجيين الذين تقاطروا إلى البحرين للتعلم اعترافاً من الدول المجاورة بموقع البحرين فـي مجال التربية على الموقع الإقليمي. فأول بعثة طلابية من البحرين إلى الجامعة الأمريكية والطلبة هم : أحمد العمران وعبدالرحمن المعاودة وراشد الزياني وعبدالله بن الشيخ إبراهيم الخليفة وخليفة بن محمد الخليفة وحمد بن عبدالله الخليفة وعبدالعزيز الشملان.
أرسل مجلس المعارف بهذه العثة طلابية إلى الجامعة الأمريكية ببيروت ليقوم البحرينيون بدور مهم في التعليم والأصعدة الأخرى عند عودتهم. حدث هذا بدعم مالي من الحكومة وكان ممن ضمنهم الأستاذ أحمد العمران الذي أصبح مديراً للمعارف في سنة 1946 وأول وزير للتعليم بعد الاستقلال وله إسهامات بارزة في التعليم منذ 1947. إلا أن هذه البعثة رجعت العام 1930 لأسباب اقتصادية. خلال 1929 تجني مدرسة الهداية ثمارها وشهد تخريج أول دفعة من المرحلة الابتدائية من مدرسة الهداية.