الحوثيون يسعون لاستنزاف التحالف بدفعهم لحرب برية طويلة الأمد
التفوق الجوي محسوم لصالح «التحالف»
قبل إقلاع طائراته
«عاصفة الحزم» كشفت عن ثورة في آلية
اتخاذ القرار الخليجي
التحالف أكد وحدة القيادة السياسية والعسكرية في تطبيق مبادئ الحرب
عمليات «عاصفة الحزم» لم تكن خيار مرحلة وأسست لاستراتيجية شاملة
دول الخليج لم تكن لتقف مكتوفة الأيدي بعد استنفاد الوسائل الدبلوماسية
قوات درع الجزيرة أكبر قوة مسلحة خارج حلف شمال الأطلسي
«درع الجزيرة» تشكل قيمة استراتيجية للتصدي لأي عدوان خارجي
الحوثيون ميليشيات مسلحة غير منظمة أعدادها غير معروفة بدقة
استراتيجية قتال الحوثيين تعتمد على القيادة والسيطرة غير المركزية
تكتيكات الحوثيين العسكرية تقوم على حرب العصابات والكر والفر
نجاح الحوثيين يعتمد في المقام الأول
على داعمهم الإقليمي إيران
الحوثيون سقطوا
في فخ التمدد
في مناطق شاسعة غير جبلية
الحرس الجمهوري اليمني الأفضل تسليحاً وولاء لصالح
الجيش اليمني حقق المرتبة 43 في قائمة أقوى جيوش العالم لعام 2013
عاصفة الحزم قد تغير وجه المنطقة إن تحولت لحرب إقليمية طويلة
عسكرة الملف اليمني كان هروباً إيرانياً من الفشل
في سوريا
التسارع الأخير في الأحداث دفع
طهران إلى وضع
لا تحسد عليه
كماشة الاتهام النووي وانتكاسة الحوثيين قد يدفع إيران للساحات الموالية
الأمن الجماعي سيكون الرؤية الاستراتيجية الحاكمة للسياسة الخليجية مستقبلاً





يرفض الحوثيون والرئيس المخلوع علي عبدالله صالح -في الحرب الدائرة رحاها جنوب الجزيرة العربية- الاستفادة من دروس الحروب؛ فدول التحالف التي تشارك في عملية عاصفة الحزم لديها من الإمكانات التقنية والعسكرية ما يجعلها متفوقة على الخصم بشكل كبير.. وتسعى هذه الورقة إلى إيضاح جانب من الإمكانات التقنية والعسكرية المتاحة لقوات التحالف؛ وذلك عبر نظام معركة الطرفين، مع بيان القصور لدى الجانب الآخر، فالخليجيون وحلفاؤهم يبحثون عن الحسم، والحوثيون يسعون إلى استنزاف التحالف من خلال دفعهم نحو اعتماد استراتيجية الحرب البرية طويلة الأمد؛ انطلاقاً من فكرةٍ مفادها أن «فعالية التحالف مشكوك فيها نظراً إلى السرعة التي تم تشكيله بها».
ساعة الصفر
بعد عصر يوم الأربعاء 25 من مارس 2015 تم إبلاغ طياري مجموعة القتال الجوي الخليجي من السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين بتحديد ساعة الصفر، وقبيل منتصف الليل تم إعطاء الأوامر لفنيي الأسلحة لتذخير الطائرات، وفي الوقت نفسه دخلنا قاعة الإيجاز لتلقي تفاصيل المهام العملياتية، وتحديد الأهداف المراد قصفها في عملية «عاصفة الحزم»؛ ويكمل أحد طياري الجو الخليجيين حديثه قائلاً: كانت مسألة التفوق الجوي Air Superiority محسومة لصالحنا حتى قبل أن نقلع، فقد ضم كل تشكيل أقلع في ذلك الفجر الربيعي أفضل طائرات السيادة الجوية Air Supremacy من طائرات الجيل الرابع في العالم؛ كالنسر F-15 سترايك إيجل ويوروفايتر تايفون والترنيدو والصقر F-16 والدبور الكويتي FA-18. فيما كانت طائرات الخصم كما جاء في التقرير الاستخباري ميغ MiG-23، وميغ MiG-29، وسوخوي SU-22، وسوخوي 22UM3، أما سواها فخارج نطاق الخدمة.
ولم تحدث مواجهة جوية بين الطرفين، وكان الخطر الأكبر من المضادات الأرضية التي يملكها الحوثي والميليشيات المؤيدة للرئيس السابق علي عبدالله صالح؛ التي حالت بين قوات التحالف وبين قائمة الأهداف التي تضمنت تدمير الصواريخ البالستية، وإخماد وسائل الدفاعات الجوية، وتدمير مخازن الذخيرة؛ ثم تطور بنك الأهداف Bank Of Targets في الأيام التالية ليشمل قطع حركة الإمداد والتموين، واستهداف تجمعات الميليشيات الحوثية وأنصارها، وقد تم بالفعل قصف تجمعات عربات الميليشيات ومقرات القيادة والمعسكرات التابعة للميليشيات الحوثية القريبة من الحدود السعودية، وإذا كانت ثورة الشؤون العسكرية التي بشر بها أنتوني كوردسمان مقدراً لها أن تبدأ في طرف جزيرة العرب الشمالي الشرقي إبان حرب تحرير الكويت عام 1991، وكان أبرز مظاهرها تقنيات الحملة الجوية الساحقة التي استخدمت طائرات الشبح والصواريخ الجوالة؛ فإنه يمكننا القول: إن ثورةً في آلية اتخاذ القرار الخليجي قد تشكلت في جنوب غرب جزيرة العرب كالتالي:
ولت الصورة النمطية؛ حيث تربض الأرستقراطية الخليجية متربعة في مظهر غير المبالي أو اتكالية استراتيجية؛ فالقرار الخليجي بتنفيذ عملية «عاصفة الحزم» جاء مخالفاً للسلوك الخليجي الهادئ.
تم تطبيق مبادئ الحرب (Principles of War) بمهنية عالية، كالمبادأة في سرعة اتخاذ القرار والمفاجأة؛ فالهجوم جاء مباغتاً، والحشد الخليجي الصلب ووحدة القيادة السياسية والعسكرية التي انعكست في صلابة المواقف في قمة شرم الشيخ المصرية.
ضرورة استراتيجية
وقد بدا أن هناك ضرورة لخلق موقف ميداني جديد، فعملية «عاصفة الحزم» لم تكن خياراً بين خيارات أو موقفاً عملياتياً مرحلياً؛ بل ضرورة استراتيجية للأسباب التالية:
كانت الميليشيات الحوثية تقوم بمناوراتها على الحدود السعودية متزامنة مع مناورات إيرانية قرب مضيق هرمز؛ وهو ما يعني تحرك فكي الكماشة الإيرانية-الحوثية من كلتا الجهتين: باب المندب ومضيق هرمز.
لتفادي الوقوع في شرك فرضية أن سيطرة الحوثي على كافة مناطق اليمن بعد احتلال عدن تعني أنه الطرف الأقوى، ما سيقود بدوره إلى تعامل الخارج مع الطرف الأقوى.
المسيرة المتعثرة للمبادرة الخليجية، وعليه لم يكن لدول الخليج أن تقف مكتوفة الأيدي؛ بل إن تسعى لإعادة الفرقاء إلى طاولة الحوار ولو بقوة السلاح بعد استنفاد كافة الوسائل الدبلوماسية.
لم تستند الرياض -والتحالف الذي شكلته- إلى شرعية الدعوة التي تلقتها من الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لإنقاذ اليمن فحسب؛ بل اعتمدت أيضاً على المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تعطي الحق الطبيعي للدول في الدفاع عن أنفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة؛ وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدوليين.
بل إن مبدأ مسؤولية المجتمع الدولي لحماية المدنيين «Responsibility to Protect (R2P)» الذي طبق في ليبيا وفي دول أفريقية يعطيها الحق بالتدخل، كما إنها اعتمدت على ما تملك من قدرات عسكرية عملياتية ولوجستية؛ مما يمكنها من دعم عملية عسكرية متوسطة إلى طويلة الأمد، على الرغم من أن الخصم مقاتل عصابات ماهر، وقد استولى على مخازن أسلحة الجيش والحرس الجمهوري في اليمن، كما لم يتوقف الدعم الإيراني لجماعة الحوثي في الفترة التي سبقت إعلان بدء «عاصفة الحزم» من خلال تزويدها بما تحتاج إليه من الأسلحة والمعدات عن طريق البحر والجو.
وحتى نتمكن من استشراف مراحل الصراع المتوقعة لابد من قراءة نظام المعركة «ORBAT» في هيكل القيادة والوحدات والانتشار والقوة والعتاد لدى الطرفين، وهما قوات التحالف -من جهة- التي لبت نداء المملكة العربية السعودية بالتدخل العسكري لمساندة شرعية الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي والحيلولة دون انهيار الدولة اليمنية، وهي أربع دول خليجية: الكويت وقطر والإمارات والبحرين، وخمس دول عربية وإسلامية أعلن عن مشاركتها أو مساندتها لقوات التحالف؛ وهي: الأردن والمغرب ومصر والسودان وباكستان، كما لابد من قراءة نظام معركة الطرف الآخر، ونقصد بالطرف الآخر جماعة الحوثي والميليشيات الموالية للرئيس المخلوع علي عبدالله صالح المتحالف مع الحوثي.
معركة التحالف
المملكة العربية السعودية: هي دولة مواجهة في الأزمة؛ وضعت ما يزيد على 100 طائرة مقاتلة في مقدمتها طائرات F15، والتورنادو، واليوروفايتر تايفون، ولدعم الحملة الجوية وفرت الرياض طائرات إنذار مبكر -أواكس- وطائرات للتزويد بالوقود في الجو، وطائرات للنقل الجوى، وعدداً من طائرات الهليوكوبتر. ومن أسلحتها صواريخ جو/جو (سايد ويندر)، و(سبارو)، وصواريخ جو/سطح (مافريك). كما وضعت القوات الجوية الملكية السعودية -التي تعتبر من أكبر القوات الجوية في آسيا والعالم- 150 ألف مقاتل من الجيش البري في حالة استعداد، وهو الجيش الأقوى في منطقة الخليج العربي، والثالث من حيث القوة عربياً، ويملك 1210 دبابات، و5472 عربة مدرعة مقاتلة، و524 مدفعاً ذاتي الحركة، و432 مدفعاً مجروراً، و322 راجمة صواريخ متعددة القذائف. أما القوات البحرية الملكية السعودية فتمتلك 55 قطعة بحرية من بينها 7 فرقاطات.
دولة الإمارات العربية المتحدة، خصصت 30 طائرة مقاتلة من نوع F-16 للمهمة.
دولة الكويت: تشارك بـ15 طائرة من نوع F-18.
مملكة البحرين: تشارك بـ15 طائرة من نوع F-16.
دولة قطر: تشارك بعدد 10 طائرات من نوع F-16.
الأردن: أعلن عن مشاركته بـ6 طائرات أردنية مقاتلة من نوع F-16.
المغرب: قرر تقديم جميع أشكال الدعم والمساندة إلى التحالف من أجل دعم الشرعية في اليمن سياسياً ومعلوماتياً ولوجيستياً وعسكرياً (6)، وشارك بعدد 6 طائرات من نوع F-16.
جمهورية السودان مشاركة بـ3 طائرات سودانية، ووعدت بالمشاركة بقوات برية سودانية مكونة من 6 آلاف جندي.
مصر: أعلنت عن مشاركتها بـ4 سفن حربية و16 طائرة مقاتلة وفرقاطة بحرية، وقد قصفت السفن الحربية المصرية طابوراً من المقاتلين الحوثيين والقوات الموالية للرئيس السابق صالح، أثناء محاولتهم التقدم نحو مدينة عدن.
باكستان: أبدت استعدادها للمشاركة البرية، وشاركت قواتها النخبوية في 29 مارس 2015 بالتمرين المشترك «الصمصام 5»؛ الذي تم تنظيمه بين القوات البرية الملكية السعودية ووحدات من القوات الخاصة بالجيش الباكستاني؛ وذلك في مركز الملك سلمان للحرب الجبلية، بميدان شمرخ في منطقة الباحة جنوب المملكة؛ علماً أن هناك ما يتراوح بين 750 و800 جندي باكستاني فعلياً في السعودية (9).
الولايات المتحدة الأمريكية: أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة تنسق بشكل وثيق مع قوات التحالف، وتشارك واشنطن في الجانب الاستخباري والتكنولوجي للعملية بالأواكس وبطائرات دون طيار.
تحالف مأرب القبلي: من محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز داخل اليمن؛ حيث شكلت قبائل مأرب حزاماً أمنياً منذ حوالي 6 أشهر، لحمايتها من الحوثيين، وقد أعلنت تأييدها لعملية عاصفة الحزم ضد ميليشيات الحوثي المتحالفة مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، كما خرجت مظاهرات حاشدة تأييداً للعملية العسكرية، وقد توكل مهمة الحرب البرية للتحالف القبلي؛ بينما يمكن لقوات التحالف القيام بتوفير الغطاء الجوي لها.
كما أبدى اللواء علي محسن الأحمر تعهده بقيادة المعركة القادمة والانتصار للوطن وإخماد الفتنة الحوثية وتصفية أوكارها من صنعاء حتى صعدا. ويرجح الباحث أن يكون لقوات الأحمر الموجود الآن في مأرب دور كبير.
قوات درع الجزيرة المشتركة: وهي ذات إمكانات وقدرات عسكرية عالية، حيث تجاوز عدد منتسبيها 30 ألف عسكري من دول منظومة مجلس التعاون الخليجي، ويمكن وصفها بأنها أكبر قوة مسلحة خارج حلف شمال الأطلسي. فالقدرة القتالية لقوات درع الجزيرة تؤهلها لخوض حرب دفاعية، كما إنها تشكل قيمة استراتيجية للتصدي لأي عدوان.
يضاف إلى ذلك وجود القوة المشتركة للتدخل السريع، وقد تقرر إنشاؤها في القمة الـ30 للمجلس في ديسمبر 2009، وهي قوات عالية التدريب، أنشئت للتعامل مع الأزمات الطارئة التي يصعب التفاعل معها وفق الظروف والأوقات الاعتيادية التي يستغرقها تحريك الجيوش من ثكناتها باتجاه مسرح العمليات.
القوة العربية المشتركة: التي أقرت تشكيلها في القمة العربية الـ26 المنعقدة بمدينة شرم الشيخ 25 مارس 2015؛ حيث إن العملية العسكرية في اليمن تعتبر تجربة للقوة العربية المشتركة.
الحوثيون وقوات صالح
بصمودهم أمام الهجمات الجوية لقوات التحالف يخطط الحوثيون بالتعاون مع قوات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح والقبائل الموالية لهما، لخلق ظروف مواتية لحرب استنزاف برية طويلة بلا حسم، ولعل أقوى مؤشر على ذلك هو استمرار الهجمات على عدن رغم القصف الجوي، ولا يتطلب أمر التحقق من مدى صحة مسعى الحوثيين وفريقهم في جر التحالف إلى حرب استنزاف برية إلا إلى سبر أغوار الخريطة الجينية لمكونات آلتهم العسكرية ونظام معركتهم.
نظام المعركة
• الحوثيون: هم في الأساس ميليشيات مسلحة غير منظمة، وأعدادها غير معروفة بدقة؛ نظراً إلى انضمام العديد من أبناء القبائل اليمنية لتلك الميليشيات على أسس أيديولوجية أو مصلحية بوتيرة متقلبة بناء على انتصاراتهم واندحارهم، وقوة وضعف نفوذهم الأيديولوجي، والمصالح المتبادلة مع شيوخ وأبناء القبائل اليمنية، وتذكر بعض التقارير أن جماعة الحوثي المسلحة يتجاوز عددها العشرين ألف مقاتل.
كما تقوم اللجنة الثورية التابعة لجماعة الحوثي المسلحة بإعلان حالة التعبئة العامة بين فينة وأخرى، كما فعلت في 30 مارس 2015، وفي مجال أساليب القتال والفكر العسكري غير الحوثيون أساليب قتالهم بعد دروس الماضي مع الجيش اليمني؛ فتحولوا من وضع الدفاع والمناوشات البسيطة إلى وضع الهجوم مباشرة؛ مستفيدين من خضوع بعض وحدات الجيش لهم.
واستراتيجية قتال الحوثيين تتمحور حول قوات ذات تركيبة «قيادة وسيطرة غير مركزية»، تستخدم تكتيكات عسكرية مبتكرة هي هجين بين حرب العصابات بالكر والفر والحصار ثم الانقضاض، وبين التكتيكات والحرب النظامية أيضاً؛ وقد نجح الحوثيون في عملياتهم العسكرية لإتقانهم الحروب الجبلية وحرب المدن، وقابلية الحركة العالية بسيارات الدفع الرباعي.
أضف إلى ذلك أن دروس الماضي والخبرات الإيرانية أدت إلى تطور الفكر العسكري الحوثي الذي قاده لانتهاج تكتيك قتالي لأهداف سياسية أكثر منها عسكرية؛ وذلك من أجل تسليط الأضواء على ما يجري؛ كإجرائهم مناورات عسكرية بالقرب من الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية في فبراير 2015، عدا خبرتهم الاستخبارية التي تعتمد على معرفة جيدة بطبوغرافية الأرض اليمنية، وتركيزهم على تقوية الحس الأمني على نهج «حزب الله اللبناني»، ويشهد على كفاءة جهاز استخباراتهم وصولهم إلى وزارة الدفاع اليمنية وقيادة القوة الجوية وتجنيدهم لجواسيس من داخل المؤسسة العسكرية اليمنية.
نهب الأسلحة
وتوالت نجاحات الحوثيين قبل الإعلان عن بدء عملية «عاصفة الحزم»؛ ليس لقدرتهم القتالية وارتباك خصمهم فحسب؛ ولكن لامتلاكهم مخزوناً كبيراً من المعدات والأسلحة الخفيفة والثقيلة؛ التي حصلوا عليها من داعمهم الإقليمي «إيران»، ومن نهبهم لمخازن أسلحة الجيش اليمني، وشملت الصواريخ والطائرات والمدرعات وراجمات الصواريخ ومدافع الميدان بعيدة المدى؛ التي تعرضت للقصف من قبل قوات التحالف مؤخراً.
ينبغي العلم بأن الحوثيين لن يستسلموا بسهولة؛ فالضربات قد نجحت في تدمير بعض الطائرات ومنصات الصواريخ؛ لكن الحوثيين لا يعتمدون في حروبهم على هذه الأسلحة، لقد أدى تراخي الرئيس هادي وعدم إعلانه التعبئة العامة بين أفراد الشعب بعد استيلاء الحوثيين على صنعاء إلى إعطائهم فرصة لاستثمار النصر والتوسع في بقية أنحاء اليمن، ورغم ذلك لن يستطيع الحوثي الصمود مدة طويلة، لاسيما بعد أن وقعوا بإيعاز من الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في فخ التمدد في مناطق شاسعة غير تلك الجبلية التي يجيدون استراتيجيات البقاء فيها.
• الحرس الجمهوري اليمني: على الرغم من اضطرار الرئيس السابق علي عبدالله صالح إلى التنحي عن السلطة في عام 2012؛ وعلى الرغم من إلغائه في 19 ديسمبر 2012 ودمج وحداته في القوات البرية، فقد بقي الحرس الجمهوري باليمن موالياً لصالح الحليف الرئيس للحوثيين؛ وكمعظم الدول العربية كانت قوات الحرس الجمهوري باليمن العمود الفقري لرأس النظام، وهذا ما يفسر ولاءها لصالح؛ وكانت الأفضل في التسلح والتدريب من بين كافة وحدات القوات المسلحة الأخرى.
تتكون قوات الحرس الجمهوري في اليمن من 17 لواء، وكل لواء يضم 1500 مجند، ويملك صواريخ ودبابات (T72) و(T80) الروسية المتفوقة، وحاملات الجنود (BMB-3). وتتوزع ألوية الحرس الجمهوري في المنطقة الوسطى؛ ذمار وصنعاء، وتمتد لتصل إلى الجوف وحرف سفيان، وتساندها القوات الخاصة في المهمات الصعبة، وقد استهدفت طائرات التحالف مؤخراً معسكراته في محافظة الضالع وفى محافظة إب المجاورة.
• القوات المسلحة اليمنية: يمكن تقدير ولاءات أفراد الجيش اليمني لجماعة الحوثي وللرئيس المخلوع علي عبدالله صالح بأكثر من النصف، علماً بأنه ليس من الدقة القول: إن كافة التشكيلات الموالية للغير داعمة للحوثيين؛ ولكنها تعاني من سرعة تغيير الولاءات حسب تغير الظروف، خصوصاً عناصر القوات البرية وقوات حرس الحدود وقوات الاحتياط الاستراتيجي التي تضم العمليات الخاصة والحماية الرئاسية وألوية الصواريخ.
لقد ورد ترتيب الجيش اليمني في المرتبة 43 عالمياً في قائمة أقوى جيوش العالم لعام 2013، وفي المرتبة الخامسة عربياً بعد مصر والسعودية والجزائر وسوريا، وتمتلك القوات اليمنية مجتمعة 66,700 جندي، كما تمتلك 1250 دبابة قتال، و168 طائرة مقاتلة قديمة تعاني إشكالات فنية بسبب تدني مستوى الصيانة. وعلى الرغم من أن الجيش يتكون من 12 لواءً مدرعاً، و12 لواء مشاة آلياً، و18 لواء مشاة، وثلاثة ألوية مشاة جبلية، ولوائي مدفعية، وسبعة ألوية دفاع جوي، ولواء صواريخ بالستية، فإنه غير قادر على تقديم الإسناد المتبادل في الوقت المطلوب لضعف شبكة المواصلات المتوفرة. كما إن معظم أسلحة الجيش اليمني هي صناعة أوروبية -شرقية متواضعة الإمكانات الفنية والتقنية، كما يعاني الجيش اليمني -أيضاً- من ضعف التدريب وغياب مفهوم الاحترافية، وترسخ الولاءات الشخصية والفساد.
الخلاصة
من المرجح أن تقوض عملية «عاصفة الحزم» تحولات وتداعيات استراتيجية عدة، وقد تغير وجه المنطقة إن تحولت إلى حرب إقليمية طويلة الأمد؛ جراء التسليم الخليجي أن مسألة توسيع المدى الاستراتيجي للخليج يأتي بتأمين موقعه الجغرافي وخاصرته الضعيفة في اليمن؛ ومن تلك التحولات والتداعيات:
موقف إيران المرتبك، الذي سينعكس على موقفها في سوريا والعراق وأصابعها في الخليج العربي؛ فعسكرة الملف اليمني بالتوسع العسكري الحوثي كان هروباً إيرانياً من عدم تحقيق النصر في سوريا؛ وهو ما أدى إلى ارتباكها وإجبارها على ترك الميليشيات الحوثية تواجه مصيرها وحدها.
فقد دفع التسارع في الأحداث طهران إلى وضع لا تحسد عليه، فهي بين فكي كماشة التهمة النووية وانتكاسة الحوثيين؛ مما يفتح قابلية قيام إيران بحماقة تحرك بها الساحات الموالية لها؛ فهي لن تنسى أن دول التحالف هم أعداؤها بأثر رجعي، ولعل أبلغ مؤشر على ذلك هو العودة لحالة القطيعة وإلغاء رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني زيارة مرتقبة له إلى السعودية؛ حيث أدان طلعات التحالف العربي على اليمن.
إعادة الاصطفاف الإقليمي كتشكل المحور العربي-التركي، وإعادة العلاقات بين أطراف كانت متباعدة كالسودان والخليج؛ حيث صححت الخرطوم موقفها السياسي، وأوضحت أن علاقتها الاستراتيجية يجب أن تكون مع الدول العربية والخليج، وليس مع إيران، كما تعقد الموقف بزيادة المشاركين والمؤيدين، فتأييد معظم دول العالم لقوات التحالف التي دفعت الدول المكونة له لنقل التعاون العسكري من الهامش إلى المركز من أجل قمع مقوضي الاستقرار بالقوة عبر تأسيس تحالف عسكري ما هو إلا مؤشر على ذلك.
لم تكن المبادرة الخليجية تحتضر، ولم تكن دول الخليج في وارد التحرك بعد وقوع كارثة سقوط صنعاء بسياسة رد الفعل؛ حيث توقفت الدبلوماسية ولم تمت، وكان تقدير الرياض أقرب للمقولة الاستراتيجية الأشهر للجنرال والمفكر العسكري الروسي «كلاوسفتز»: «الحرب هي امتداد للدبلوماسية بطريقة أخرى». وهو توصيف مهذب بأن بديل الدبلوماسية هو دخان البنادق وارتفاع أصوات قرقعة السيوف، والمبادرة الخليجية التي اتخذت مساراً مختلفاً منذ 26 من مارس 2015 هدفها إجبار الفرقاء على تنفيذ بنودها التي وافقوا عليها.لفتت دول الخليج بعملية «عاصفة الحزم» النظر إلى أن التجاهل الأمريكي والأوروبي لتدهور الأوضاع في المنطقة لم يعد مقبولاً، وأن خيار المبادرة واتخاذ قرار المواجهة ضد أي جهة تسعى لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وإنجاز متطلبات الأمن الجماعي بشكل عام من قبل الخليجيين أنفسهم سيكون الرؤية الاستراتيجية الحاكمة لسياستهم مستقبلاً.

* د. ظافر محمد العجمي المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج