سانتياغو - (أ ف ب): بعد 37 عاماً على النزاع الذي كاد أن ينتهي بحرب دامية بين تشيلي وجارتها الأرجنتين، تتجدد الخصومة بين البلدين لكن هذه المرة على أرضية الملعب وذلك عندما يتواجهان اليوم في نهائي بطولة كوبا أميركا لمنتخبات أمريكا الجنوبية التي احتضنتها الأولى منذ 11 يونيو الماضي.
حيث تعود العداوة بينهما للسبعينيات من القرن الماضي حين سيطر حكم عسكري في كلا البلدين واقتربتا من الحرب بسبب نزاع حدودي، وبعدها في 1982 حين خاضت الأرجنتين حرباً ضد بريطانيا بسبب جزر فوكلاند دعمت تشيلي البريطانيين.
«آمل أن يفهم الناس بأن كرة القدم رياضة وليست حرباً»، هذا ما قاله نجم الأرجنتين وبرشلونة الإسباني خافيير ماسشيرانو عشية لقاء الجار التشيلي في المباراة النهائية للبطولة القارية التي ترتدي أهمية بالغة للطرفين، إذ يسعى المنتخب المضيف لدخول سجل الأبطال وجاره اللدود إلى لقبه الأولى منذ 22 عاماً.
وتابع ماسشيرانو «الماضي هو الماضي. يجب أن نعطي الآن الأولوية للرياضة على السياسة. تشيلي والأرجنتين بلدان شقيقان ويجب أن نظهر احترماً متبادلاً».
ورغم الكلام «الجميل» لماسكيرانو والذي ردده أيضاً مدافع تشيلي أوجينيو مينا بقوله بأنه «من المهم جداً على الفريقين احترام بعضهما»، فإن هذين البلدين بعيدان كل البعد عن «الأخوة» رغم تقاسمهما حدوداً بطول 5 آلاف كلم والتخالط بين المجتمعين في ظل وجود 60 ألف أرجنتيني في الأراضي التشيلية.
على الصعيد الرسمي تصنف العلاقة بين البلدين بـ«الممتازة» خصوصاً منذ عودة الاشتراكيين في مارس 2014 إلى الحكم مع الرئيسة فيرونيكا ميشيل باشليه التي أعادت المودة في العلاقة بين الدولتين بعد فتورها إبان حكم الرئيس اليميني سيباستيان بينيرا من 2010 حتى 2014.
«لا يجب على كرة القدم أن تتدخل في العلاقات الوطيدة التي توحد بلدينا»، هذا ما شدد عليه الأربعاء وزير خارجية تشيلي هيرالدو مونيوس في محاولة منه لترطيب الأجواء قبل الموقعة المرتقبة على «ستاديو ناسيونال» في سانتياغو.
لكن لا يمكن لهذه الأجواء «الرياضية الودية» أن تبعد عن الأذهان ما حصل عام 1978 حين كان البلدان بقيادة الدكتاتورية العسكرية حينها قاب قوسين أو أدنى من الدخول في حرب لا تحمد عقباها بسبب نزاعهما حول تحديد حدود قناة بيغيل وملكية الجزر الثلاث بيكتون ولينوكس ونويفا التي تقع عند فوهة هذه القناة.
وذلك النزاع لم يكن بالشيء الجديد لأن الدولتين كانتا متنازعتين منذ عقود على ملكية المناطق الواقعة في أقصى الجنوب لكن الأمور لم تصل بينهما إلى هذا الحد من التدهور والتوتر، كما حدث في 1978 حين كان الطرفان على أهب الاستعداد العسكري لدخول الحرب لولا تدخل البابا جان بول الثاني للعب دور الوسيط لتجنيب أمريكا الجنوبية بأكملها نزاعاً دموياً.
ويرجع تاريخ النزاع بين تشيلي والأرجنتين إلى السنوات بين 1880 و1890، أي منذ حاولت الدولتان تقسيم إقليم بتاغونيا الجنوبي بينهما تحت إشراف بريطانيا وبعد أن أعلنت الجمعية الجغرافية الملكية في لندن أن رأس هورن هي الحد الفاصل بين المحيط الهادئ والمحيط الأطلسي، وقد تم في ذلك الوقت توقيع معاهدة حدود بين الدولتين.
وألحق بهذه المعاهدة بروتوكول إضافي عام 1893 إضافي ينص صراحة على أن تشيلي ليس لها حق المطالبة بأي شيء في المحيط الأطلسي، وكذلك لا يحق للأرجنتين أن تطالب بشيء في المحيط الهادئ.
وكان من الممكن أن ينتهي الخلاف عند هذا الحد لكن المطامع الاقتصادية والسياسية والعسكرية وقفت دائماً حائلاً دون بلوغ اتفاق نهائي وساعد على الفشل المتكرر لبريطانيا في إيجاد حل يقبله الطرفان، بل أضحت بعد عقود من الزمن من أسباب توتر العلاقة بين الطرفين عندما ساند الدكتاتور إغوستو بينوشيه المملكة المتحدة في حرب الفوكلاند أو حرب المالفيناس.
وتحتل بريطانيا جزر الفوكلاند الواقعة في جنوب المحيط الأطلسي منذ 1833، إلا أن القوات الأرجنتينية غزتها في عام 1982 ما دفع رئيسة الوزراء البريطانية في ذلك الوقت مارغريت تاتشر إلى إرسال قوة بحرية لاستعادة السيطرة على هذه الجزر في حرب قصيرة ولكن دموية.
وشعر الأرجنتينيون بالخيانة نتيجة مساندة بينوشيه للبريطانيين وهم لم ينسوا ما حصل حتى يومنا هذا وأبرز دليل على ذلك أن الجمهور الأرجنتيني قام بتأليف أغنية خاصة بما حصل في تلك الفترة من التاريخ ولاقت رواجاً هائلاً على وسائل التواصل الاجتماعي عشية الموقعة الكروية المرتقبة بين الطرفين.