كتب ـ حذيفة إبراهيم:
يجزم أحد وجهاء منطقة سترة أن المخربين يعيثون بالمتنزهات والحدائق عمداً، للزج بالأطفال في أعمال العنف والإرهاب، واستخدامهم كدروع بشرية مقابل رشوتهم بالمال والحلويات. ولم تتصور «ف . ع» يوماً أن تقضي يوم زفافها الأول بالمستشفى، بدل أن تنعم بليلة العمر مع زوجها، محفوفة بالأهل والأقارب والمعارف والأصدقاء.
تحولت الليلة المباركة إلى جحيم، ففي طريقها إلى صالة الأفراح، استنشقت الدخان المنبعث من حرق الإطارات بشارع جدحفص، وأصيبت باختناق شديد استدعى نقلها إلى المستشفى وقضاء الليلة هناك.
أحمد شاب شارك في تظاهرات 14 فبراير 2011، وفصل من عمله لتغيبه المستمر دون مبرر، والطريف أن الدولة التي ناصبها العداء أعادته لوظيفته، بينما تخلت عنه «الوفاق» وتركته يواجه مشكلته منفرداً.
الأطفال في خطر
يقول أحد وجهاء منطقة سترة، فضل عدم الكشف عن هويته خشية الأذية، إن الإرهابيين يتعمدون تخريب المرافق الخدمية والترفيهية في القرية، لاستخدام مرافقها في أعمال التخريب من جهة، وإجبار الأطفال على البقاء في الشارع والتعرض للأذى أو التغرير بهم من جهة أخرى. وأوضح أن الحدائق العامة تتعرض للتخريب والعبث المستمر، حيث يضطر الأطفال إلى البقاء في الشارع بدلاً من ممارسة حقهم الطبيعي في اللعب بالحدائق والمتنزهات العامة، ما يجعلهم عرضة ليكونوا أمام الإرهاب، ومشاهدة أفلام الرعب في الشوارع والطرقات. وبين أن بقاء الأطفال في الشوارع يجعلهم عرضة لغسيل الدماغ أو الاستقطاب بالأموال والحلويات، مقابل المشاركة في عمليات الشغب، واستخدامهم كدروع بشرية وفي حالة إصابة أي منهم سواء بالغاز المسيل للدموع أو غيرها، يتباكون على الأطفال ويدعون أن السلطات استهدفتهم، رغم أنهم هم من اعتدوا على الطفولة.
وأضاف «قد يتعرض الأطفال حينها إلى الدهس أو حوادث السيارات، يحاولون القضاء على الطفولة، وهو ما يؤدي إلى تدمير الجيل الجديد». وبين أنه تعرض إلى مضايقات منذ بداية أزمة فبراير والتي ادعوا بأنها «سلمية»، حيث كان خروجه في تجمع الفاتح كفيلاً أن يجعله منبوذاً من تلك الجماعات، وتحولت سلميتهم إلى «إرهاب» تجاهه، إضافة إلى تخريب سيارته وممتلكاته، والتهديد بالتعرض لمصنعه وأعماله التجارية.
وقال إن الإرهاب طال منزله مرات عدة، لمجرد أنه شارك مرتين في تجمع الفاتح، رغم أنه تحاشى الاصطدام معهم مجدداً، إلا أنهم رفضوا إزالة لقب «بلطجي المخابرات» عنه إلا شرط أن يخرج أبناؤه معهم في أعمال الشغب والتخريب كي يثبت ولاءه لهم.
ونبه إلى أنه لا يمكن تحمل ما يجري في القرى والمناطق السكنية، داعياً الدولة إلى تحمل مسؤولياتها تجاه المواطنين، الذين يرفضون تحويل حياتهم إلى جحيم من أجل نعرات طائفية أو أجندة خارجية.
الزفاف في المستشفى
رغم مرور 4 أشهر على الحادثة، مازالت المواطنة «ف .ع» من قرية جدحفص تعاني تبعات الحادثة، عندما حول الإرهابيون يوم عقد قرانها إلى جحيم، وبدلاً من أن تحتفل في القاعة المعدة لها، احتفلت في المستشفى بسبب استنشاقها للدخان المتصاعد من حرق الإطارات.
تقول «لم أكن أعلم أن يوم عقد قراني سيتحول إلى يوم سيء في حياتي، كنت أرتدي فستان الزفاف، وخرجت من الصالون النسائي إلى السيارة لتقلني إلى الصالة، إلا أن المخربين وضعوا إطارات وأشعلوها قرب المكان، ولكوني مصابة بمرض الربو، ومع تصاعد ألسنة الدخان والروائح القاتلة، أصبت بضيق تنفس شديد وإغماء نقلت إثرها إلى المستشفى». وأضافت أن زوجها كان قريباً من المكان، وتلاسن مع الإرهابيين وقال لهم «لا الله ولا الدين يرضون عن اللي تسوونه»، ولولا تدخل بعض الحاضرين لانتهى به الأمر إلى المستشفى أيضاً.
وبينت أن ليلتها قضتها في المستشفى بعدما نقلت إلى هناك، بدلاً من أن تقضيها بالصالة المعدة للاحتفال، مشيرة إلى أن الإرهابيين هددوا أخاها ووالدتها بأن نشر الخبر في القرية يعود عليهم بنتائج وخيمة.
وطيلة الأشهر الماضية ظلت تتضرع إلى الله عز وجل أن يحرم من حرمها فرحة عقد قرانها، وأن يدمي قلبه كما أدمى قلبها.
«الوفاق» تخلي مسؤوليتها
المواطن أحمد من قرية المعامير، شارك في مسيرات 14 فبراير 2011، وفصل من عمله في إحدى الشركات الخاصة لتغيبه أيام عدة دون مبرر. وقال إنه لبى دعوة الوفاق للخروج بمسيرات، ولكنها بالمقابل تبرأت منه فور فصله، بينما راحت تصدر الخطابات والبيانات أن ما تفعلونه هو جزء من «صمود على الحق» وغيرها من الشعارات الرنانة، في حين أن قياداتها يتمتعون بالأموال سواء من الدعم الخارجي أو المشاريع المملوكة للجمعية.
وأوضح أن من حسن حظه أنه لم يكن متزوجاً حينها، ولا يتحمل إلا مسؤولية نفسه، ولكن الوضع كان صعباً كونه يتحمل قسط سيارته، وفاتورة هاتفه النقال، إضافة إلى التزامات «الجمعية الشهرية».
تواصل أحمد مرات عديدة مع الوفاق ورفضت أن تدعمه بأي مال، ولكنها استمرت بالشحن النفسي له دون جدوى، مبيناً أنه «سئم الوضع» وقرر عدم الخروج في أي مسيرات مستقبلاً. وأضاف «بعدما يئست من قيام الوفاق بأي خطوة تجاهي، ذهبت إلى إحدى الجهات الحكومية وتواصلت مع المسؤول، وقرر تعييني في الجهة التي يترأسها، ولم يتخل عني، بينما من وقفنا إلى جانبهم تركونا عند اشتداد الأزمة، ولم يبال أحدهم إلا بنفسه».
وبين أن العديد من المواطنين واجهوا المشكلة ذاتها، حيث تخلت الوفاق عنهم في أزمتهم، وقال «الدولة هي من أعادت المفصولين، رغم أنهم شاركوا في مسيرات ضدها، ورغم تعطيلهم للأعمال والحياة اليومية، يجب أن نوصل الشكر الجزيل لها».