شيء عن دلمون
ويرجح الآثاريون في البعثات التي عملت في البحرين، كالبعثة الدنماركية والفرنسية والإنجليزية والأسترالية...، يرجحون أن مستوطنات سكنية شيدت قديماً على أرض هذه الجزيرة، وتطورت تلك المستوطنات إلى التعامل التجاري وركوب البحر، ليتصل أهلها بالشعوب الأخرى، وكان ذلك جلياً في التنقيبات التي أجريت في موقع «المرخ»؛ إذ اكتشفت أدوات حجرية يعود تاريخها إلى حضارة العبيد (4500 ق.م.) كما يعتقد الآثاريون؛ إذ تعتبر هذه من أهم المستوطنات التي استعمرها إنسان دلمون القديم، ويسمى هذا العصر «عصر دلمون الحجري الحديث».
وقد عثر في هذا الموقع على نماذج رائعة من الأدوات الحجرية المصنوعة من حجر الصوان، تدل على تقدم هذه الصناعة محلياً، كما عثر على رؤوس لسهام متكسرة في مواقع مختلفة؛ إذ استعملت في صنعها مطارق حجرية لتصبح حادة، صالحة للصيد في البر والبحر.
وقبل قرن ونصف تقريباً بدأ الاهتمام بحضارة اسمها «دلمون»، بعد أن طواها الزمن لأكثر من أربعة آلاف عام وبدأ الاهتمام بالذات بعد الاكتشافات الآثارية التي تمت في العراق وإيران، خلال القرنين الماضيين، وخصوصاً بعد حل رموز الخط المسماري الذي كتبت به ألواح حضارة وادي الرافدين؛ إذ لعبت دوراً كبيراً في معرفة موقع حضارة «دلمون»، والاستدلال على موقعها الذي هو موقع «البحرين الحالية».
ومن أهم الباحثين الآثاريين عن موقع «دلمون» الحقيقي «إس.إن.كريمر»، والذي استشف من قراءتي لمعطياته بشأن هذه القضية -أي موقع دلمون- أنه وقع في شيء من الخلط عند تحليل الخطوط المسمارية، التي تذكر أن «دلمون المقدسة»، تقع في مكان «تشرق منه الشمس»، لذا وجب أن يكون إلى الشرق من وادي الرافدين؛ أي في مكان ما «جنوب شرق إيران»، بينما تقع البحرين إلى الجنوب من العراق، ولعل الترجمة الحقيقية للألواح السومرية تذكر أن «دلمون المقدسة» تقع في مكان «تشرق فيه الشمس»، أو ربما «وسط بحر الشمس المشرقة»، وليس «تشرق منه»، والفرق اللغوي واضح (بين منه وفيه)، ومن هنا وقع الالتباس؛ إذ تأكد بعد ذلك لجميع الباحثين والعلماء أمثال «جيوفري بيبى» الباحث عن دلمون، و«بيتر بي. كورنوال» الذي يفند نظرية كريمر ويرد على كثير من علماء التاريخ والآثار، ويؤكد أن جزيرة البحرين في الخليج العربي هي «دلمون» الأمس التي ورد ذكرها في النصوص المسمارية للحضارات السومرية والآكدية والكلدانية والبابلية والآشورية.
في حوار له مع علي الستراوي يقول العريفي «قال لي: يا علي، وإن تراني الآن شيخاً فأنا بالأمس كنت فتياً, ما بين عمر 19 و20 ربيعاً, وهي أول معرفتي بالجمهور التشكيلي, هذه السنوات قد رسمت لي طريق الحياة الفنية التي انطلقت عبرها على رغم ما داهمتني من صعوبات تجاوزتها لأني أحب فني وأعمل بإخلاص، لا أنظر من منظور ضيق, بل نظري يتوزع عبر خصوصية كنت أرسمها في ذاكرتي, فأسجل عبرها تلك الخصوصية التي ميزت أعمالي التي تجاوزت 40 عاماً من العمل الدؤوب. ويقول: إن أول معرض أقمته كان في عام 1967 في نادي العروبة. ثم نقلني إلى تلك السنوات من عام 1970 وهي السنة التي أسس هو ومجموعة من الفنانين جمعية البحرين للفن المعاصر.
الكل يعرف بأنني قد برزت من خلال التراث كباحث في التراث الشعبي، ومن خلال عملي كباحث ميداني لجمع وتوثيق التراث الشعبي إضافةً إلى شغفي في التعرف على كل الفنون, ما ساعدني نحو التعمق والنبش في خفايا التراث وتوثيقه عبر اللوحة الفنية ولم أدرك في يوم من الأيام أن هذا الشغف سيقودني لطرح موضوع الدلمونيات, الذي قادني نحو خصوصية الطرح والدخول من خلال هذا التراث إلى عوالم الفن التشكيلي نحو مادة غنية ودسمة في عراقتها التاريخية.
هذا الشغف الذي في البدء ارتبط بعملي في البحث عن التراث ونبش خفاياه ألهمني بملكية الفن وساعدني في تأليف بعض الكتب مثل كتاب (فنون بحرينية) الذي صدر عام 1970 وكتاب (العمارة البحرينية) عام 1978 وكتب أخرى مثل كتاب (الألعاب الشعبية) و(آفاق دلمونية وأشياء تراثية).
ويواصل العريفي «كان والدي رحمه الله تاجراً يبيع الأزياء البحرينية ذات الطابع التقليدي وهي تحمل الوحدات الزخرفة الإسلامية مثل (الدكلة) و(الزبون) و(الديري) و(الغترة الشال) و(البشوت) وأزياء أخرى مازالت ذاكرتي محتفظة بها. وكان والدي يمارس التجارة من خلال متاجر يملكها في شارع الشيخ عبدالله بالمنامة في 1915 ولكون والدي مولعاً بالشعر العربي يسمعه ويتذوقه، وكانت له ديوانية كبيرة في بيته قرب مسجد الفاضل كان الناس من أصدقائه يجتمعون فيها ويستمعون للراوي وهو يتلو عليهم الشعر وبالخصوص شعر عنترة العبسي وغيره من الشعراء, فبيت والدي شكل لي الملهم الأول لما يحمله من تراث لما حمله من موجودات مازالت مركونة فيه.
ومن بيت والدي أخرج إلى حينا في المحرق وفي فريق البنائين, والذي شكلت بيوتاته في ذاكرتي ما زادني حباً للتراث، حيث هذه البيوت التي بنيت من الجص كانت بديعة الزخرفة ذات جمال ومناظر خلابة، ساعدتني على استشراف الحلم من خلال أبعاد التراث المتمثلة في البيوت الطينية، وما ورثه الأجداد والجدات».
كتاب «الأسلوب الدلموني في الفن المعاصر»
يقول العريفي مؤلفه: «إن الخطوط الدلمونية بمثابة تعاويذ استشراقية غريبة وتمثل نوعاً من التجديد الغنائي، وأيضاً إشارات جمالية، وإذا صنفنا هذه التعابير، ذات الموروث الخطي، فتقع تجربتنا ضمن مادة تنزهية، تتوالد فيها الأشكال، والتعابير الفنية، في أفق وطرز لها خصائص الهوية التشكيلية المتفجرة مع قوة الإدراك، مسجلاً التحول من التجريد الفنائي المتصل بالخامة الترابية، من تحريمات حسية، نكتشفها من خلال الآثار الدلمونية، والتي تعتمد على السطوح المتناغمة، مع البصريات الموجبة، في تقنية خاصة، ليس لها شبيه، إنها محلية المذاق، والتشكل، المتصفة بالموروث، الذي لامسه البناء البحريني، على جدران المنازل، بكل عفويته، تاركاً بصمات أصابعه، على هذا الجدار أو ذاك، ذلك هو الهاجس الملتصق، أولاً بحرفية الخطوط، أنماطاً ذات التفجر الوقتي المتبادل مع الإدراك، بين الشظايا العفوية، وطرز البناء الملموس، في التقنية الخاصة، موزعة أبعادها، بمماطلات مرتبطة عضوياً بجسد اللوحة، تتوالد منها الألوان الدافئة، وفق معدلات فنية، فيها توزيعات الرموز الدلمونية، بلغة معاصرة، ذات الإشارات الملحمية، المحفورة، الأنيقة اللون، مرهفة من خلال امتداد سطح اللوحة، بمادة غاية في الغرابة، تتساقط فيها الأنوار، بمادة سديمية، محافظة على نورانية المساحة في الخط والفراغ».
الخيش أحد مصادر اللوحة الدلمونية
ويري العريفي «أن أكياس الخيش العتيق، هو أحد المصادر، في تأليف اللوحة، حيث يأخذ البعد التأسيسي فيها، ومن ثم الأبعاد الأخرى / مسجلاً التحول في العناصر الاستعادية، والمفردة الخاصة، في اللمسة الآنية، ذات الشكل الباطن، يغلقه اللون، المرتبط بالذاكرة الحضارية، الانوية المنفردة، ذات التنغيم، المتصل بتجارب السنين، التي قضيتها مع هذه التجربة، التي استغرقت خمسة وعشرين عاماً تقريباً».
وفي كتابه (الخطوط الدلمونية فن كوني) يقول العريفي إن شكل الخط الدلموني هو عبارة عن قراءة لمفهوم الحضارة بقراءة معاصرة، بشكل الخط المضاف نوعاً من الثقافة والتعبير النفسي الذي يؤكد شخصيتي من خلال تلك الخطوط، وإذا اعتبرنا الخطوط في الفن الدلموني الحديث الذي أمارسه يومياً يعد نوعاً من الجرافولوجي، أي الخط الذي ممكن قراءته بصورة تؤكد النفسية التي أعبر بها بواسطة الفن والتي لها معنى ودلالات وتضبط السلوك الإنساني وتحدد إدراكي لمفهومي للعمل الفني الذي أنا بصدده وبنقاء كامل حتى يصل إلى المتلقي ليفهمه / من حيث التعبير عن جوانب كثيرة بواسطة هذه الخطوط المنكسرة والمنحنية والمستقيمة والمقوسة، وهي انبعاث لحياة المستقبل ولها مردود جمالي ونفعي للمتلقي.
ويرد العريفي على سؤال طرحه الصحافي جعفر الديري (وكيف برأيك شكل الإنسان الدلموني هذه الأختام؟)، بقوله إن الأختام الدلمونية الدائرية والمستطيلة وغيرها من الأشكال، رغبات من قبل صاحب الختم في تكوين الشكل، فكلها أشكال ولكن السؤال كيف تستطيع أن توجد الوشم أو حركة الخط فيها، وهنا يبرز دور المنفذ الذي سيعبر بواسطة الخط، إذ إننا نجد اليوم ممن يمارسون الفن الحديث في كل الدول محاولة للتقرب من هذه الخطوط الموجودة في الأختام الدلمونية التي لو جردتها لوجدتها في صورة أبسط من البساطة، ولكنهم أي الفنانين لا يستطيعون ذلك لأن خطوطهم ليست نابعة بشكل طبيعي. ففي أعمال مثال إنجليزي يدعى “هنري مور” محاولة في تبسيط التماثيل، ولكن عندما تقارن هذه التماثيل مع فنان آخر من حضارة سبأ تجد تفوق فنان سبأ بكثير.
وهل كانت هناك علاقة بين الطقوس الدينية وهذه الأختام؟
- إن الطقوس هي عناصر هذه الأختام وهي طقوس تخضع أحياناً إلى قيم عبادية في معبد أو طقوس لحياة اجتماعية أو ممارسات إنسانية حياتية كأناس يحتسون الخمر مثلاً أو أناس يمارسون عادة طبيعية إنسانية في البشر أو عادة مقدسة في علاقتهم المباشرة سواء كان في الجنس أو في عادات اجتماعية متاحة في الحياة وكلها تجد لها وسيلة في التعبير بالرسم على الختم. لذلك تجد أن الخط عند الدلمونيين وسيلة تعبير حداثية عندهم، لكنها وسيلة عميقة إنسانياً ولا يقوم بها إلا من كان له من الشفافية حظ كبير لذلك تعتبر هذه الأختام أختاماً حضارية. وأنا أعتقد أن تكثيف الثقافة لهذه الأختام بواسطة التعبير سواء بالرسم أو لوحات الباليه أو الموسيقى أو المسرح أو النصوص الشعرية أو النصوص الأدبية سواء في القصة أو الرواية لوجدت من رسائل التعبير الثقافية الراقية ولوجدت عدداً كبيراً من هؤلاء البشر يأتي ليستفيد من هذه الثقافة ويتعرف على عمق هذه الحضارة فيكون هناك تفاعل إنساني مكمل للحياة الآن، وخصوصاً إذا وجدت المؤسسة الرسمية أو غير الرسمية التي تتبنى هذا الأمر من الجانب المعرفي والمادي.
ويقول راشد العريفي في وصفه للتطورات البحرينية: ”في الماضي لا تخضع العمارة لهندسة أو لتخطيط على خرائط، بل تتبع البساطة والتأثر بفن العمارة السالفة المتوارثة، وهي أيضاً متأثرة بالحضارة الآشورية في هندسة حواشي المباني، وتحمل طابعاً إسلامياً في الأقواس والمداخل”، واحتفاء بهذه الثقافة المعمارية الأنيقة.
سطور عن الفنان الكبير راشد العريفي
اشترك في جـميع معارض أسرة هواة الفن وجمعية البحرين للفن 1962.
اشتـرك فـي معـرض كـرايزر مع الفنانين العرب 1966.
اشترك فـي الكويت مع مـجموعة من فناني أسرة هواة الفن 1977.
مؤسس جـمـعيـة البـحـرين للفن المعاصر 1970.
اشترك في معرض دول الشرق الأوسط.. من مؤسسي متحف التراث الشعبي وجامع مادته 1971.
أول فنان بحريني يحصل على ترخيص بتأسيس جاليري خاص 1975.
أول فنان بحريني يقيم معرضاً خاصاً به في البحرين بنادي العروبة 1967.
أول فـنان بحـريني يحـصل على الجائزة الأولى في أول معرض تقيمه الدولة.
اشترك في جميع معارض السنتين التي تقيمها الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية 1972.
أقام معرضاً خـاصاً في معرض البانوش بفندق الخليج - البحرين 1975.
أول مشترك فـي مسابقات بفرنسا عن فن البوستر.
اشتـرك في جميع معارض وزارة الإعلام الداخلية والخارجية.
عضو اتحاد الفنانين العالميين.
أول فنان يعمل تماثيل ميدانية في البحرين 1979.
أول فـنان بحـريني يشـارك في معرض مسابقة الأميـر شـارل في مدينة مـونت كـارلو الدوليـة لوحـة الفلكلور البـحـريني اقـتنتـهـا وزارة الإعلام 1985.
شـارك في مـؤتمر التـخطيط الشامل التابـع للجامعة العربية للثقافة والفنون في الكويت.
أول فنان بحـريني عرض أعماله الفنيـة في معرض خـاص به بدعوة من المملكة العربية السعودية.
اشـتـرك في معـرض سنغـافـورة واليابان مع دول مجلس التعاون.
شـارك فـي مؤتمر اتحاد الفنانين العرب ببغداد.
معرض شخصي بدولة الكويت.
أول فنان بحـريني عرض أعمـاله الفنيـة في مـعـرض خـاص به في مـتـحف دبي بالإمـارات العـربية المتحدة.
حاصل على وسام المؤرخين العرب.
اشترك في معرض دول مـجلس التعاون بالكويت.
له العـديد من المؤلفـات الخـاصة بالتراث 1983.
له مـتـحف خـاص يـحـمل أسلوبه الدلموني (المحرق) 1995.
الجوائز:
نال جائزة دلمون 1980.
حـاصل على جـائزة الدولة التشجيعية 1989.
كرم ضمن الرواد الخليجيين لدول مجلس التعاون الخليجي 1994.