علي الشرقاوي
لا يعرف عنه الكثير بقدر المعرفة بما اشتق من اسمه، وحين نقول إنه لا يعرف عنه الكثير، فنحن لا نقصد بذلك العالم العربي فقط بل حتى في العالم أجمع، فلم يكن معروفاً الكثير عنه حتى وقت قريب، إذ بدأت تتجه الأنظار إلى ما أنتجه خلال سنوات عمره الحافلة بلا شك، والأقلام إلى تحقيقها وإعادة إنتاجها، أو إلى الكتابة عنه هو نفسه .. «الوطن» تجري حواراً متخيلاً مع الروائي الماركيز دي ساد...
- الشرقاوي: العالم الذي نحياه يا ماركيز دي ساد أصابه العطب، فأنت كإنسان لا تستطيع أن ترى المدهش فيما حولك، ألا تتصور أن يصيب الإنسان بالكآبة؟
- الماركيز: لو كانت الكآبة وحدها لهان الأمر ولكن مع الكآبة تجد عشرات الأمراض التي لم نسمع عنها من قبل.
- الشرقاوي: لكن يومياً يا ماركيز دي ساد نسمع عن محاولات كبيرة لإنقاذ العالم من هذه الأمراض.
-الماركيز: إنقاذ العالم أنت واهم مثلي حين رأيت ضرورة تغيير العالم عن طريق فضح ما أراه وأسمعه وأشعر به ينخر في عظم المجتمع فاتهموني بالشذوذ عن القاعدة في كتاباتي وأخلاقي أيضاً.
- الشرقاوي: أعرف هذا يا ماركيز دي ساد.
- الماركيز: تصوري أنا من أراد فضح الجرائم التي لا يراها الناس وأحاول نشرها لكي يتخلص منها الإنسان والمجتمع وأتهم في نهاية المطاف بأنني الفاعل لكل تلك الجرائم.
- الشرقاوي: رغم أن المثل لا ينطبق كل الانطباق على حياتك فإن الواقع يقول انقلب السحر على الساحر يا ماركيز دي ساد.
- الماركيز: ما كنت الساحر ما كنت سوى مواطن يحاول إصلاح الخلل في المجتمع المنخور.
- الشرقاوي: من أجل الدخول بصورة أعمق إلى تجربتك الحياتية والأدبية يا ماركيز دي ساد فأنني أرى ضرورة العودة إلى موطن مسقط رأسك وطفولتك والمنابع الفكرية التي استقيت منها بذور التجربة السادية.
- الماركيز: قل ما لديك من أسئلة وستجدني أكثر من الصراحة نفسها.
- الشرقاوي: الشاعر الفرنسي الكبير غيوم أبولينير قال إنك «أكثر العقول حرية على الإطلاق» على أن الروح الحرة هذه قضت معظم حياتها في السجن الذي دخلته لأول مرة عام 1763 لتمضي في ظلمته سبعاً وعشرين سنة من الحبس المتقطع.
- الماركيز: موزعة على ثلاث أنظمة سياسية وأحد عشر سجناً، انتهت في مصحة عقلية عند موت الماركيز عام 1814.
- الشرقاوي: قبل الذهاب إلى رحلة موتك أدخلنا في حياتك يا أدوناسيا الفونس فرانسوا المعروف باسم الماركيز دي ساد.
- الماركيز: ولدت في الثامن من يونيو 1740 في فندق كوندي في باريس أرسلته عائلته وهو في الرابعة إلى البروفانس.
- الشرقاوي: ومن أشرف على تعليمك في البروفانس يا ماركيز دي ساد؟
- الماركيز: أعمامي هم الذين أشرفوا على تعليمي، وخاصة عمي الخوري دي ساد وهو عالم وماجن في آن
- الشرقاوي:عرفت يا ماركيز دي ساد أنك عدت إلى باريس سنة 1750 لإكمال دراستك في كلية لويس لغراند.
- الماركيز: قبلت في سنة 1754 في مدرسة شيفو- ليجير التي لا تقبل إلا أطفال العوائل النبيلة العتيقة جداً لأصبح ملازماً في فوج مشاة الملك سنة 1755
- الشرقاوي: وهل اشتركت في حرب ما يا ماركيز دي ساد؟
- الماركيز: في الواقع أنني بين 1757 – 1763 اشتركت في عدة حروب إضافة إلى حملات حرب السنوات السبع التي أصبحت معروفة لدى العالم
- الشرقاوي: هل ترقيت من رتبتك كملازم يا ماركيز دي ساد؟
- الماركيز: نلت ترقيات عديدة
- الشرقاوي: ماذا حدث بعد عودتك من الحملات الحربية يا ماركيز دي ساد؟
- الماركيز: تزوجت من رينيه بيلجي دومنتري في السابع عشر من مايو 1763
- الشرقاوي: لكن في هذا العام بالذات، بعد مرور بضعة أشهر على شهر العسل الذي عشته مع رينيه سمعت أنك قمت بتنفيذ أول أعمالك الفجورية في بيت صغير بالقرب من باريس
- الماركيز: هي تهمة حبست بسببها بضعة أسابيع في سجن فنسان ثم بعث بي إلى الإقامة الجبرية في نورماندي
- الشرقاوي: في سنة 1764، خلفت والدك في منصب ملازم أول في إقليم بريس وبهذه المناسبة تلقي خطبة في برلمان مدينة ديجون. فيما تقضي أوقاتك مع ممثلات
- الماركيز: كنت أمارس حياتي كما يمارسها أي إنسان
- الشرقاوي: غير أن فضيحة جديدة تسجل في تاريخك يا ماركيز دي ساد هي جلد بنت شابة اسمها روس كيلر في يوم أحد عيد الفصح سنة 1768
- الماركيز: من أين تأتي بهذه المعلومات؟
- الشرقاوي: من دعوى روس كيلر التي أقامتها عليك يا ماركيز دي ساد
-الماركيز: لكنها سحبت هذه الدعوى
- الشرقاوي: بسبب ضغوط عائلية مارست ضدها إلا أن القانون غرمك يا ماركيز دي ساد بمائة جنيه
- الماركيز: نعم وفرض علي الإقامة في قلعتي في لاكوست هذه القلعة التي من خلالها رأيت العالم بما يمر فيه من تجارب وإحاطات هذه القلعة التي سأتركها في عام 1796 إلى هولندا بلا رجعة.
الشرقاوي: الظاهر أن لهذه القلعة أعني قلعة لاكوست دوراً هاماً في حياتك يا ماركيز دي ساد.
- الماركيز: فيها بدأت علاقتي تتوطد مع عالم القلم والحبر والمداد
-الشرقاوي: حدثنا عن تجاربك الأولى في الكتابة يا ماركيز دي ساد؟
-الماركيز: في تلك القلعة وفي العزلة عن العالم بدأت بتحرير كتابي «رحلة داخل هولندا على شكل رسائل».
- الشرقاوي: لكنك سجنت بعد ذلك يا ماركيز دي ساد هل كان سجنك بسبب ما تطرحه من آراء جديدة في هذا الكتاب؟
- الماركيز: لا سجنت بسبب الديون المتفاقمة التي لم أستطع أن أسددها في وقتها.
- الشرقاوي: في عام 1772 قدمت مجموعة من الفتيات شكوى ضدك وضد خادمك لاتور يا ماركيز دي ساد.
- الماركيز: جرى تفتيش قلعتي مما جعلني أهرب مع خادمي لاتور وزوجة أخيه إلى إيطاليا وفي الثالث من سبتمبر يصدر حكم الموت غيابياً عليه وعلى خادمي ونفذ الحكم صورياً في أكس بروفانس بعد بضعة أيام
- الشرقاوي: لكن يتم اعتقالك بعد خمس أيام من بداية هروبك يا ماركيز دي ساد أي في الثامن من ديسمبر في فور دو ميولان.
- الماركيز: هربت ثانية في بدء 1773. ومن هنا تبدأ سلسلة الفضائح التي نشرها أعدائي ضدي
- الشرقاوي: ماذا فعلت في إيطاليا يا ماركيز دي ساد؟
- الماركيز: كتبت كتابي «رحلة داخل إيطاليا أو طروحات قديمة تاريخية وسياسية وفلسفية في ما يتصل بمدينة فلورنس روما ونابولي
-الشرقاوي: لكنك عدت بعد ذلك 1777 لرؤية أمك المحتضرة يا ماركيز دي ساد
- الماركيز: في هذه العودة اعتقلت وسجنت في فنسان غير أن حكم برلمان أكس يلغى في 1778
- الشرقاوي: عرفت يا ماركيز دي ساد أنك هربت من سجن فنسان
- الماركيز: لكني بقيت طليقاً فقط لمدة 39 يوماً حيث ألقي القبض علي وهذه المرة بقيت في السجن لمدة 12 سنة
- الشرقاوي: اثنتا عشرة سنة متواصلة في السجن يا ماركيز دي ساد؟
- الماركيز: رغم مرارة السجن إلا أنني في ظلمته بدأت مغامراتي الكتابية المغايرة لما هو مطروح في الشارع الثقافي
- الشرقاوي: ماذا أنجزت وأنت في السجن يا ماركيز دي ساد؟
- الماركيز: أنجزت العديد من أهم أعمالي التي مازالت تثير اللغط والجدل
- الشرقاوي: بالطبع كان منها كتابك «محاورة بين كاهن ومحتضر» و«120 يوماً في سادوم» 1782 يا ماركيز دي ساد؟
- الماركيز: نعم وعندما نقلت إلى السجن الياستي سنة 1784 أعدت صياغة «120 يوماً في سادوم» وفي 1785 بدأت مسودة «ألين وفالكور» عام 1786 انتهيت بستة عشر يوماً من كتابه «تعاسة الفضيلة» 1787، و«يوجني دي فارفال» المعروفة بعنوان «جرائم الحب» 1788
- الشرقاوي: في الرابع من تموز سنة 1789 سمعت أنك قمت من نافذة السجن بتحريض المارة على التمرد، هل هذا صحيح يا ماركيز دي ساد؟
- الماركيز: نعم هذا صحيح وقد تسبب هذا التحريض في نقلي إلى قسم شارنتون
- الشرقاوي: في الرابع عشر من الشهر نفسه يا ماركيز دي ساد، يتم احتلال سجن الباستيل فيطلق سراحك في الثاني من مارس 1790
الماركيز: وفي التاسع من يونيو هذا العام، تحصل زوجتي على حق الطلاق
- الشرقاوي: ماذا فعلت بعد يا ماركيز دي ساد؟
- الماركيز: قررت أن أناضل في صفوف الفرق الثورية لمنطقة لوبيك، وفي عام 1791، نشرت «خطاب مواطن باريس إلى ملك الفرنسيين، إضافة إلى روايتي المعروفة «جوستين أو مساوئ الفضيلة».
- الشرقاوي: أيضاً عرضت مسرحيتك «تأثيرات الماجن»،التي حالفها الكثير من النجاح يا ماركيز دي ساد؟
- الماركيز: غير أن مسرحيتي الثانية تلاقي فشلاً ذريعاً في سنة 1792، إضافة إلى الدمار الذي أصابني من جراء نهب قلعة لاكوست
- الشرقاوي: لكنك رغم كل ذلك واصلت تولي مناصب عديدة في فرقة لوبيك الثورية التي أصبحت رئيساً لها في 1793
- الماركيز: رئاستي لهذه الفرقة الثورية لم يشفع لي ففي الثامن من ديسمبر اعتقلت بتهمة الانتماء إلى المعتدلين
- الشرقاوي: ويحكم عليك بالموت يا ماركيز دي ساد في السابع والعشرين من يوليو 1794
- الماركيز: لكن من حسن حظي أن يسقط روبسبير في اليوم التالي فيطلق سراحي في الخامس عشر من أكتوبر
- الشرقاوي: صدرت في منتصف 1795، روايتك الهائلة «الفلسفة في المخدع» التي يضمنها فصلاً يحرض فيه الفرنسيين على التصدي الحازم للمجرمين
- الماركيز: وقد عنون هذا الفصل الذي كثيراً ما استعملته، فيما، بعد الحركات الثورية وإلى اليوم، كراساً راديكالياً في الحرب «أيها الفرنسيون جهد آخر إذا أردتم أن تكونوا جمهوريين».
- الشرقاوي: سنة 1796 يتم بيع قلعة لاكوست يا ماركيز دي ساد
- الماركيز: وفي سنة 1797: قمت برحلة إلى البروفانس، إضافة إلى دور «جوستين الجدية أو نوائب الفضيلة» متبوعة بقصة «جولييت وأختها أو رخاء الرذيلة».
- الشرقاوي:السؤال الذي يطرحه نفسه علينا يا ماركيز دي ساد هو كيف كانت تسير حياتك بعد أن بيعت قلعة لاكوست ومطاردة أصحاب الديون
- الماركيز: بعد أن وجدت نفسي في وضع مزري اندفعت إلى الاشتغال في مسرح فيرساي لكن يتم اعتقالي مرة أخرى في السادس من مارس 1801 بينما تظهر بعض أعمالي مثل «جرائم الحب» وغيرها للقراء
- الشرقاوي:عرفنا يا ماركيز دي ساد أنك نقلت إلى سجن سان بييج وهو سجن مرعب ومظلم كما يخبرنا من عرفوه وعاشوا فيه
- الماركيز: رعبه أكبر من الوصف إلا أنني نقلت منه بعد وساطات عائلية إلى مصحة شارنتون.
- الشرقاوي: معنى هذا أنك قد حصلت على الجو المثالي لممارسة الكتابة في مصحة شارنتون يا ماركيز دي ساد ؟
-الماركيز: نعم انتهيت من كتابة «أيام فلورييل أو الطبيعة المعراة»، غير أن الشرطة استولت على المخطوطة ولم أرها بعد ذلك وعرفت أنه تم حرقها مباشرة بعد موتي
-الشرقاوي: في الثاني أغسطس 1808، قدم المسؤول الطبي في مصحة شارنتون تقريراً إلى وزير الداخلية «حول المخاطر التي يولدها حضور مؤلف جوستين السيئة الصيت»، ويتابع المسؤول بأن «دي ساد ليس مجنوناً. إن جنونه الوحيد هو فجوره.
- الماركيز: كما طالب هذا المسؤول من وزير الداخلية بهدم المسرح الذي بنيته داخل المصحة فهو «خطر على المرضى» ومجال لتمرير أفكاره الهدامة، وبالتالي بضرورة نقلي إلى سجن أو حصن.
- الشرقاوي: ورغم تدخل مدير شارنتون لصالحك يا ماركيز دي ساد، يوافق الوزير على قرار نقل دي ساد إلى سجن «هام»
- الماركيز: بعد وساطات العائلة والمدير والطبيب، يؤخر الوزير تنفيذ قرار نقلي إلى 15 مارس 1809، وفي أبريل يرجئ القرار نهائياً، وفي 18 أكتوبر يصدر وزير الداخلية قراراً عنيفاً ضدي يقول فيه: «أما بصد دي ساد... فهو يعاني من أخطر حالات الجنون
-الشرقاوي: يواصل الوزير وأي اتصال بينه وبين المرضى الآخرين يسبب مخاطر لا شفاء منها، وكتاباته لا تقل خطراً عن تصرفاته، لذا أقرر بنقله إلى غرفة منفصلة حتى تمنع عنه كل الاتصالات مع الآخرين
- الماركيز: والحذر المطلوب هو أن لا يزود بقرطاس أو حبر أو ورق، وتقع على مدير المصحة مسؤولية تنفيذ هذا القرار.
- الشرقاوي: وهنا إشارة من الوزير إلى تهكمه من اعتبار مدير المصحة نفسه بأنه يدير ملجأً إنسانياً
- الماركيز: وهكذا عانيت تحقيقات إرهابية على يد عدة مسؤولين في الدولة حتى نابليون قرر بضرورة إبقائي في مصحة شارنتون، ومما يزيد الطين بلة، ظهور عدة طبعات لكتابي «جوستين» سرياً.
- الشرقاوي: مما حدا بك إلى التصريح بأنك لست مؤلف هذا الكتاب.
- الماركيز: وفي منتصف سنة 1813 يأتي قرار بمنع فعاليات مسرحية، وفي المصحة أخذت صحته تتدهور ولم يبد أي تدخل لصالحه بإنقاذي
- الشرقاوي: هناك من يرى يا ماركيز دي ساد، أنك نموذج الإباحية الشامل والرغبة في إيذاء الآخر خاصة الأنثى
-الماركيز: لا تنس أن الإنسان هو ابن البيئة وأنا كغيري ابن ذاك القرن المعروف بقرن التنوير وهو عملياً قرن الظلمات الروحية التي حاولت قتل أجمل ما في الإنسان وهو إنسانية الإنسان
-الشرقاوي:عتم على أدبك لمدة قرنين يا ماركيز دي ساد، وكان عليك أن تنتظر ظهور السريالية حتى يزاح عنك الستار فها هي أعماله تذهل أندريه بروتون
-الماركيز: عالمي هو عالم السجن الذي فضلت البقاء فيه، على أن أتخلى عن أفكاري ورؤاي
- الشرقاوي: إنه عالم مغلق يا ماركيز دي ساد عالم وصفه أندريه بروتون «بالحافز الآخر لفائض الخيال، بعد الحافز الأول: العبقرية»
- الشرقاوي: ما الذي تريد إيصاله إلى القارئ يا ماركيز دي ساد؟
- الماركيز: أردت أن أترك نصاً فلسفياً لمجمل تفكيري وقد كتبته في «يوليو» 1782 خلال سجني في فنسان، ولم يظهر له أثر إلا بعد قرن من تاريخه
- الشرقاوي: بعد أن بيع مرات عديدة وصل أخيراً إلى يد السريالي موريس هاينه الذي نشره للمرة الأولى عام 1926، والحوار هذا يجسد تكثيفاً لفلسفتك بأسلوبك الشامل الموجه، ما هي السادية بمفهومها الحقيقي يا ماركيز دي ساد
-الماركيز: هي في الأساس موقف فلسفي حاولت أن أوضح رؤيتي إزاء الإجرام والتخريب اللذين أعتبرهما مساهمين ضروريين لتحقيق الطبيعة
-الشرقاوي: المسرحية تدور في أساسها بين محكوم عليه بالإعدام وكاهن جاء لإقناع هذا الرجل الضال بالتكفير عن سيئات أعماله الفجورية
-الماركيز: غير أن المحتضر أي المحكوم عليه بالموت، لا يتراجع عما كل ما آمن به داعياً الكاهن «فلتذر أحكامك الجاهزة أيها الواعظ، تخلص من إسارك، وكن رجلاً، كن إنساناً بلا خوف وبلا رجاء، فلا شيء يرجى من جاهزية الأحكام غير تسليط رجل على رجل
-الشرقاوي: إن اسم هذه الجاهزية وحده قد تسبب بضحايا تفوق عدا ما سببته الحروب والكوارث الأخرى مجتمعة، اطرح ما تريد ولكن لا تطرح لذة أن تكون سعيداً وأن تسعد الآخرين في هذا العالم فالطبيعة لا تمنحك وسيلة غير ذلك لتضاعف وجودك ولتطيل أمده
الماركيز: لقد كانت الملذات المتهتكة يا صاحبي أعز مقتناي ولقد تعبدت لها ما عشت وكنت أشتهي نهاية في حضنها إن أجلي يدنو وفي الحجرة هلم وشاطرني المتعة، تمثل بي وعانقهن عوضاً عن عبث المماحكات الخرافية
-الشرقاوي:عرفنا إلى أن الكتابة المسرحية عندك يا ماركيز دي ساد تبرز في نحوها الأمثل عندما لا يكتب المسرح، وللمثال فإن «حوار بين كاهن ومحتضر» نص لم تكتبه على شكل مسرح، لكنه أقرب ما يكون من المسرح.
-الماركيز: هناك مقطع من رسالتي المؤرخة 1783 إلى زوجتي التي تطالبني بأن أتخلى عن تصرفات فكري، وأن أخفف من مواقفي علنية حتى أحصل على العفو ويطلق سراحي
-الشرقاوي: قلت لها «إذن، تقولين إن طريقة تفكيري لا يمكن قبولها، وهل تظنين إني أهتم لذلك؟ يقيناً أنه أحمق بائس ذلك الذي يتبنى منوالاً للتفكير من أجل الآخر.
-الماركيز: إن أسلوب تفكيري ينبع مباشرة من تأملاتي، إنه يحتوي وجودي؛ الطريقة التي خلقت بها. ليس في قوتي أن أغيرها، حتى لو كان في إمكاني ذلك فلن أفعلها فطريقة تفكيري هذه والتي تستهجنها، هي ملاذي الوحيد في حياتي، إنها تخفف كل معاناتي في سجني.
-الشرقاوي: إنها تكون كل متعتي في العالم الخارجي. إنها أكثر رفقة لي من الحياة نفسها.
-الماركيز: ليست طريقة تفكيري هي ينبوع تعاستي إنما الطرق التي يفكر بها الآخرون، فالإنسان المدرك والذي يزدري التخرصات الساذجة سيصبح بالضرورة عدواً للسذاجة عليه أن يتوقع شيئاً، عليه أن يسخر من المحتوم.
-الشرقاوي: هل تعرف يا ماركيز دي ساد كيف ينظرون إلى مفهوم السادية بعد رحيلك عن العالم
-الماركيز: أعرف يا ابني، إنهم حولوها من مفهوم فلسفي إلى أحد العقد الجنسية إنهم شوّهوها باسم الفكر وعلم النفس
-الشرقاوي: عرفوا السادية بأنها إيقاع الألم بالآخرين
-الماركيز: أعرف يا ابني أنهم نسبوا مصطلح السادية إلى عنف الممارسات الجنسية عبر رواياتي، خاصة باسم «جوستين وجوليت»، التي تعرف كذلك باسم «لعنة الفضيلة ونعمة الرذيلة»
- الشرقاوي: يرى بعض المحللين لشخصيتك يا ماركيز دي ساد أنها سبب اتصاف كتاباتك الشديدة بالعنف، ذلك الذي ظهر على سلوكك الشخصي يعود إلى كراهيتك الشديدة لأمك، وأن أمك هي التي دفعت بك إلى محاولة الانتقام من الأنثى بصفة عامة.
- الماركيز: على هؤلاء المحللين الذين يتشدقون بالنظريات النفسية العودة إلى الواقع، فثمة مسافة بين الاضطراب النفسي وعدم التوازن، وبين الواقع اليومي الذي يقتل الحلم أردت بالكتابة أن أقرأ المسكوت عنه في الواقع الذي ننتمي إليه
-الشرقاوي: لكن إيذاء الآخرين وخاصة المرأة يا ماركيز دي ساد؟
-الماركيز: لقد كان علم النفس ينظر في البداية إلى هذه العلاقة على إنها تمثل انحرافاً عن الطريق السوي، لذا فهي حالة غير طبيعية ولكن الأمر تغير بعد أن ربطوا السادية بالمازوخية.
-الشرقاوي: أعرف أن العالم إريك فروم قال إن النزعات السادومازخية موجودة عند البشر بدرجات متفاوتة في الأشخاص المنحرفين والأسوياء على حد سواء.
-الماركيز: رغم ارتباط هذين المصطلحين في البداية بالجنس وقيام مدرسة التحليل النفسي باستخدامها في تفسير الكثير من مظاهر السلوك البشري، فإن المصطلحين لم يبقيا معتمدين من مدرسة التحليل النفسي بل انتقلا بعد ذلك إلى علم النفس الاجتماعي، ثم إلى علم الاجتماع وأخيراً إلى ميدان الفلسفة السياسية، وهذا هو ما أردت الوصول له من طرح رؤيتي
- الشرقاوي: في يوم الثاني من ديسمبر 1814 تنتقل من عالم الأحياء إلى عالم الأموات بسبب احتقان رئوي أو حمى غنغرينا حادة فالقرار الطبي آنذاك لم يحدد السبب المضبوط.
-الماركيز: تم دفني في مقبرة شارنتون، ضمن الطقوس المرعية رغم وصيتي المضادة لتلك الطقوس، وقد كلفت طقوس دفني 75 جنيهاً عشرون للصليب، عشرة للتابوت، ستة للكنيسة، تسعة للشموع، ستة للقس، ثمانية لحاملي النعش وستة لحافر القبر.
-الشرقاوي: كلمتك الأخيرة إلى الذين لم يفهموا الماركيز دي ساد؟
-الماركيز: لا تأخذوا الأخبار من فم الآخرين، خذوها من أصحابها وكتاباتهم فقط.