أكد خبراء في شؤون الاقتصاد والتنمية أن مملكة البحرين قطعت أشواطاً واسعة على صعيد المساواة بين المرأة والرجل وتكريس مبدأ عدم التمييز بينهما، لافتين إلى المراكز المتقدمة التي باتت المملكة تحرزها على المؤشرات الدولية التي تقيس مساهمة المرأة في الحياة العامة بشكل عام.
وخص الخبراء بالذكر أحدث إحصائية كشفت عنها الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية وأظهرت ارتفاع متوسط رواتب النساء الأساسية على الرجال في الفئة العمرية بين 20 إلى 59 سنة في القطاع العام بنسب تراوحت بين 3.8% إلى 8%.
عدالة اقتصادية
وأكدت الأمين العام للمجلس الأعلى للمرأة هالة الأنصاري أن المساواة في الرواتب والأجور بين الرجل والمرأة في البحرين هو أمر تدعمه تشريعات وسياسات الدولة القائمة على مبدأ العدالة والانصاف بينهما، وإن منظومة الرواتب والأجور تخضع لمراقبة دورية تضمن تحقيق العدالة والمساواة بين المرأة والرجل، كما أن حضور المرأة في مختلف دوائر صناعة القرار في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ينعكس إيجاباً على تعزيز تلك المساواة.
وأوضحت أن المجلس كجهة اختصاص يعمل بشكل مستمر على تقديم الاقتراحات اللازمة للجهات المختصة في الدولة لتعديل المزايا الوظيفية في حالة رصد أية فجوات تذكر. لافتة إلى القرار النوعي لمجلس الوزراء رقم (77) لسنة 2013 باعتماد لائحة تحديد الرواتب والمزايا الوظيفية وضوابط استحقاقها للموظفين الخاضعين لقانون الخدمة المدنية فيما يخص بتعديل سياسة العلاوة الاجتماعية بمنحها بالفئة الثانية للموظفات المتزوجات أسوة بالموظفين المتزوجين، بما يضمن المساواة بين الرجل والمرأة في العلاوة عند الزواج.
وأشارت إلى حرص المجلس الأعلى للمرأة على متابعة تشكيل وتفعيل لجان تكافؤ فرص في مختلف جهات القطاعين العام والخاص، التي تعمل على مراجعة ومتابعة حسن تطبيق سياسات وأنظمة الموظفين بشكل متكافئ، ومن بين ذلك المنافع والمزايا الوظيفية.
وأوضحت الأنصاري إلى أن نجاح مملكة البحرين في القضاء على التمييز في الأجور عزز من موقعها في التقارير الدولية، خاصة أن المساواة في الأجور مصانة بموجب الدستور والميثاق والقوانين، كما أن أنظمة وآليات متابعة تطبيقات تكافؤ الفرص تعمل على الحد من أية ظواهر أو ممارسات تمييزية في مجال العمل.
إنتاجية متعادلة
من جانبه قال خبير الإنتاجية د. أكبر جعفري إن المساواة في الرواتب والأجور بين الذكور والإناث في البحرين يدل على تقدم البحرين في هذا المجال حتى بالنسبة إلى دول أوروبية وأمريكية تسود فيها ظاهرة الفجوة في الأجور بين الذكور والإناث.
وأضاف «في الدول المتقدمة هناك سلم رواتب للمرأة وسلم رواتب للرجل، وليس هناك قانون يلزم الشركات بمنح إجازات حمل ووضع وأمومة للمرأة، وإنما مجرد امتيازات تقدمها هذه الشركة ولا تقدمها تلك، فيما نجد أن البحرين تحظى بقوانين واضحة جداً تمنع أي شكل من أشكال التمييز بين الرجل والمرأة».
وعلى صعيد إنتاجية المرأة في العمل قال د. جعفري إنه ليس هناك أي دليل علمي واحد يشير إلى أن المرأة أقل إنتاجية من الرجل، وإنما ربما يكون هناك بعض المواقع تكون إنتاجية المرأة أعلى، وأخرى أقل، وقال «إجمالاً ليس هناك تفاوت في الإنتاجية بين الرجل والمرأة».
وأضاف «عندما نتحدث عن المساواة في الرواتب لا نعني بذلك المساواة في ظروف العمل، فأعمال الحراسة والزراعة ونقل البضائع أنسب للرجل، بينما الأعمال المتعلقة برياض الأطفال مثلاً، فهي أنسب للمرأة، وهذا ليس تمييزاً برأيي، وإنما يخضع لاعتبارات اختلاف طبيعة وتكوين كل من الرجل والمرأة وهذا اختلاف فطري لا يجدر بنا أن نعمل على مجابهته».
وقال د. جعفري إن القائمين على بعض شركات القطاع الخاص ربما يكون لديهم تخوف من توظيف المرأة أساساً، وذلك لاعتقادهم أنها ستتزوج بعد فترة وتترك العمل، أو أنها ستأخذ إجازات حمل وولادة وأمومة طويلة، أو أنها ستكون أقل انتاجية، وأضاف «من خلال خبرتي الممتدة لأكثر من ثلاثين عاماً في سوق العمل أؤكد أن هذا الاعتقاد خاطئ تماماً، لأنه عندما نحسب إنتاجية المرأة على مدار العام نجد أنها في أحيان كثيرة أعلى من إنتاجية الرجل، كما أن النساء اللواتي يأخذن إجازات حمل ووضع وأمومة لن يتأخرن عن زملائهن الرجال في الرواتب والترقيات». وتابع «أنا كبحريني أفخر بالمساواة بين المرأة والرجل في بلدي، وأفخر بعطاء المرأة في كل المجالات».
جودة العمل
بدوره أوضح د. خالد جاسم بومطيع رئيس مجلس إدارة جمعية البحرين للجودة أن الدراسات أثبتت على الدوام أن جودة العمل مرتبط بالشخص نفسه سواء أكان رجلا أم امرأة، وهذا يعني بالضرورة المساواة بالرواتب بين الاثنين، وهذا ما هو محقق في مملكة البحرين.
وأضاف «بل إن هناك سيدات بحرينيات تفوقن على الرجال في مجالات عديدة، ولدينا العديد من القياديات اللواتي نفخر، رغم أن مسؤولية المرأة تكون مضاعفة، فهي لديها عملها من جهة، ولديها أسرتها من جهة أخرى».
وتابع د. بومطيع «المرأة تتميز على الرجل بقدرتها على الموائمة بين تفاصيل العمل من جهة والاستراتيجية الشاملة للشركة أو المؤسسة التي تعمل فيها من جهة أخرى، بينما الرجل يميل غالباً إلى العموميات، وعندما نتحدث عن تفاصيل ضمن استراتيجيات فنحن نتحدث عن الجودة والاتقان في العمل».
وأشار إلى أن عدم التمييز في الرواتب في البحرين يرافقه عدم التمييز في الترقية أيضا، ومعيار الترقية هو الجدارة فقط، وإن ما يمكن تسميته «العدالة الاقتصادية» في البحرين لا تعني فقط عدم التمييز بين الرجل والمرأة من حيث الراتب، بل يتعدى ذلك إلى تطبيق مبدأ عدم التمييز بينهما على صعيد الإعانات من غير الراتب كالتأمين الصحي والمكافآت وتعويض النفقات وغيرها.
الأكثر تميزاً
فيما أوضح خبير التميز د. محمد بوحجي أن الإدارات التي تعمل فيها نساء بنسبة أعلى تثبت تميزا في الأداء بنسبة أكبر، وقال «أستطيع التأكيد أن الإدارة التي تترأسها امرأة تتميز بالانضباط وسلاسة العمل وتحقيق أكبر لرضا المتعاملين»، وأضاف «من هنا نحن لا نتحدث عن مساواة في الرواتب بين رجل وامرأة، وإنما نتحدث عن مكافأة المتميز أياً كان».
وتابع د. بوحجي أن المؤشرات المحلية والدولية أثبتت أن مدارس البنات في البحرين اكثر تميزا من مدارس الذكور بشكل عام، وهذا يعني أن الطالبة المتميزة ستصبح موظفة وعاملة متميزة، وتستحق راتباً متميزاً أيضاً، وقال إن الراتب يمنح على أساس الكفاءة والتميز وليس على أساس الجنس، كما أن الرجل البحريني متفهم ومدرك لأهمية عدم عرقلة تقدم المرأة في العمل، لذلك هو يبادر إلى تقديم فرص نمو وظيفي متكافئة أمام الجميع.
وأشار إلى أن المساواة في حق الحصول على التعليم، وحق شغل مختلف أنواع الوظائف، تؤدي بالضرورة إلى المساواة في الأجور. ورأى أنه ربما يميل بعض أصحاب الأعمال في القطاع الخاص إلى منح الرجل راتباً أكبر تحت ذرائع واهية من بينها أن الرجل مسؤول عن إعالة الأسرة، لكننا نرى أن كثيراً من الأسر البحرينية تعولها نساء، كما أن الفتاة العاملة خصوصاً إذا كانت من الطبقة المتوسطة، تعول نفسها وحتى أسرتها أحياناً.
تكريس مبدأ المساواة
من جانبها قالت نوف السويدي مديرة الموارد البشرية في شركة «ممتلكات البحرين» إن مملكة البحرين كانت على الدوام رائدة في تمكين المرأة وتطويرها وإعطائها الفرص التعليمية والوظيفية، فهي من أوائل الدول التي أدرجت النساء في المدارس وابتعث النساء للدراسة في الخارج، وها هي الآن تشهد وصول المرأة للمناصب القيادية في القطاع الخاص والعام وتمثيل المملكة في المحافل الدولية.
وأشارت السويدي إلى نجاح جهود مملكة البحرين في تكريس مبدأ المساواة بين المرأة والرجل في مختلف المجالات، وقالت «لقد عمل المجلس الأعلى للمرأة وعلى رأسه صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة على تمكين المرأة في جميع القطاعات دون تمييز أو تفضيل على نظيرها الرجل، وأعطى المرأة الأدوات التي تحتاجها لتحصل على فرص عمل أفضل بمجهودها وجدارتها».
وأضافت «نرى أن المرأة الآن تنال أعلى المناصب القيادية وتتنافس مع زميلها الرجل في الكفاءة والإنجاز والطموح، حيث أثبتت نفسها عبر السنين وحظيت باحترام الجميع»، لافتة في هذا الصدد إلى أن قانون العمل البحريني حفظ حق الجميع في العدل والمساواة في جميع الامتيازات والحقوق الوظيفية.
وأكدت السويدي أن الشركات الكبرى في القطاع الخاص تطبق مبدأ المساواة بحذافره وبشكل يضاهي بل ويفوق شركات عالمية. وأشارت إلى أن هناك شركات تفخر بتفوق نسبة الموظفات العاملة لديها على نسبة الذكور، ومن بينها شركة ممتلكات البحرين القابضة التي تشكل نسبة النساء فيها حاليا 54?‏ من عدد الموظفين، وتعتلي المناصب القيادية والإدارية فيها أربع نساء من أصل ستة مناصب، وقالت «إن هذا على شيء فهو يدل على إمكانيات المرأة العالية وقدرتها على المساهمة الفاعلة في تحقيق الإنجازات للجهة التي تعمل فيها».