عواصم - (وكالات): أعلنت تركيا أنها ستبقي قواتها في العراق، في تحدٍّ لبغداد، على الرغم من احتجاج الحكومة العراقية بعد تزايد التوتر بين البلدين مع اقتراب عملية تحرير الموصل، معقل تنظيم الدولة «داعش» في البلاد. وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم «بغض النظر عما تقوله الحكومة العراقية، الوجود التركي سيبقى لمحاربة «داعش» وتفادي حدوث تغيير قسري للتركيبة السكانية في منطقة» الموصل. وسقطت الموصل ذات الغالبية السنية في أيدي «داعش» في صيف 2014، وتستعد بغداد بدعم من التحالف الدولي المناهض للإرهاب بقيادة واشنطن لاستعادتها. ويقدر عدد سكان الموصل حالياً بنحو مليون شخص وفق الأمم المتحدة.
وظلت المنطقة خاضعة للحكم العثماني لأربعة قرون قبل أن تلحق بالعراق بعد الحرب العالمية الأولى وانهيار السلطنة العثمانية. ويقيم الأتراك قاعدة عسكرية في بعشيقة قرب الموصل رغم احتجاج بغداد.
وتفيد وسائل الإعلام التركية بأن نحو ألفي جندي تركي ينتشرون في العراق بينهم 500 في بعشيقة حيث يدربون متطوعين عراقيين سنة من أجل معركة استعادة الموصل. ودعا النواب العراقيون الحكومة إلى اتخاذ تدابير ضد أنقرة بعد تصويت البرلمان التركي لصالح تمديد مهمة القوات التركية في سوريا والعراق، ووصفوا القوات التركية بأنها «قوات احتلال».
واحتج العراق على تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان الذي قال إن تحرير الموصل يجب أن يشارك فيه فقط المقاتلون الذين لهم صلات دينية وقومية بالمدينة وليس المقاتلين الشيعة أو الأكراد الذين تعتبرهم أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي تقاتله. ودلالة على التوتر بين تركيا والعراق، طلبت أنقرة توضيحات من السفير العراقي واستدعت بغداد السفير التركي وفق مصادر في وزارتي خارجية البلدين. وقال يلديريم «عندما تكون هناك قوات من 63 بلداً منتشرة في العراق فليس معقولاً أن تركز القوات العراقية على التواجد التركي»، معتبراً أن موقف بغداد «لا يعكس حسن النية».
وطلب العراق عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة لبحث الوجود العسكري التركي على أراضيه فيما يتصاعد الخلاف مع أنقرة. وصوت البرلمان التركي الأسبوع الماضي لصالح تمديد وجود نحو 2000 من القوات التركية شمال العراق لمدة عام للتصدي «للتنظيمات الإرهابية» في إشارة إلى المسلحين الأكراد وتنظيم الدولة.
وأدان العراق التصويت وحذر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي من أن تركيا تجازف بإشعال حرب إقليمية. وذكر بيان بثته وزارة الخارجية العراقية على موقعها على الإنترنت أن «وزارة الخارجية قدمت طلباً لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة التجاوز التركي على الأراضي العراقية والتدخل في شؤونه الداخلية».
وتقول تركيا إن قواتها الموجودة في العراق جاءت بدعوة من مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان الذي ترتبط معه أنقرة بعلاقات قوية. وتنفي بغداد ذلك. ومعظم القوات التركية متمركزة في قاعدة بعشيقة شمال الموصل وبالقرب من الحدود التركية حيث تساعد في تدريب قوات البشمركة الكردية العراقية ومقاتلين سنة. وزادت حدة التوتر بين بغداد وأنقرة وسط توقعات بشن هجوم للقوات العراقية بدعم أمريكي لاستعادة الموصل وهي آخر مدينة عراقية رئيسة واقعة تحت سيطرة «داعش» منذ عامين. وقالت تركيا إن الهجوم قد يسفر عن تدفق موجة من اللاجئين على حدودها وربما على أوروبا. وتخشى أنقرة كذلك من أن القوات العراقية التي يقودها الشيعة ربما تتسبب في زعزعة استقرار الموصل ذات الغالبية السنية وفي تأجيج الصراع الطائفي في المنطقة التي يعيش فيها كذلك التركمان الذين ينتسبون عرقياً للأتراك.
من جهة أخرى، دعت منظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية «هيومن رايتس ووتش» الحكومة العراقية إلى منع العناصر المتورطة في انتهاكات لقوانين الحرب من القوات المسلحة والميليشيا من المشاركة في عمليات استعادة مدينة الموصل من تنظيم الدولة. وقالت المنظمة في رسالة لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إنه يجب أن يكون من بين الممنوعين من المشاركة عناصر «قوات الحشد الشعبي» و»كتائب بدر» و»كتائب حزب الله» المتهم عناصرها بارتكاب فظاعات بحق السكان إبان استعادة الفلوجة وغيرها من المناطق. ودعت الرسالة الحكومة إلى «ضمان حماية الحقوق الأساسية وعدم التمييز في الفحص الأمني واحتجاز الأسرى أثناء عمليات الموصل»، التي يقدر عدد قاطنيها الآن نحو 1.2 مليون مدني.
وأشارت المنظمة إلى أن المدنيين في الموصل «عانوا لأكثر من سنتين في ظل حكم «داعش»، وقد يواجهون أعمال تنكيل وانتقام إذا استرجعت الحكومة المدينة»، وحذرت من أن «ترتكب قوات متورطة في انتهاكات تنفيذ هجمات انتقامية في مناخ من الإفلات من العقاب». ولفتت المنظمة إلى عملية استعادة السيطرة على الفلوجة في مايو الماضي حين ضرب عناصر «الحشد الشعبي» والشرطة الاتحادية العراقية رجالا كانوا قيد الأسر وعذبوهم وأعدموهم ميدانياً، مع إخفاء مدنيين قسراً بينهم أطفال، واللجوء إلى تشويه الجثامين. كما كشفت المنظمة في الماضي عن انتهاكات واسعة ارتكبتها قوات «الحشد الشعبي» منها تعمد تدمير ونهب ممتلكات للمدنيين في العلم وأميرلي والبوعجيل والدور، وأجزاء من تكريت، بعد استعادة السيطرة على تلك المناطق من تنظيم الدولة في مارس وأبريل من العام الماضي.