أكد صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء أن طموحاتنا لا تنتهي، وهي تبدأ بحلم «الاتحاد الخليجي»، الذي نسعى إليه في المستقبل، وتتواصل هذه الطموحات إلى كل ما يحقق الخير لدولنا وشعوبنا، وتصدر دولنا لقوائم الإنجازات في كل مجال، فنحن نملك طاقات بشرية ومادية هائلة، وعقول تبتكر دوماً كل ما يضيف جديداً يحقق الخير لنا جميعاً.
وشدد سموه، في حوار للزميل مشعي البريكان ينشر بالتزامن مع صحيفة «الرياض»، على أن القمة الخليجية في البحرين تأتي وسط تحديات تتزايد ومخاطر لا تخفى على أحد، وهو ما يتطلب مضاعفة الجهود نحو المزيد من التنسيق والتكاتف بين دولنا وشعوبنا للتصدي لهذه المخاطر والتعامل مع مختلف التحديات.
ورحب صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، بإخوانه قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في قمتهم السابعة والثلاثين، التي تستضيفها البحرين، مؤكداً سموه أن لقاءات القادة دائماً ما تكون لقاءات خير وبركة تحمل الخير لشعوب دول المجلس وتصب نتائجها في صالح تعزيز مسيرة التكامل الخليجي بما تضيفه من منجزات تقوي الكيان الخليجي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
كما أكد سموه أن قادة دول المجلس لا يألون جهداً في تحقيق مصالح دولهم والحفاظ على ما حققوه لشعوبهم من منجزات ومكتسبات حضارية وتنموية.
وقال سموه إن التعاون الخليجي أمر مصيري وليس مطلباً طارئاً يواكب دواعي المرحلة الحالية وتحدياتها وما يحيط بمنطقتنا من مخاطر وتهديدات، وإنما توجه استراتيجي وأساس قامت وترسخت عليه دعائم مسيرة التعاون منذ انطلاقتها الأولى.
وشدد سموه على أن التعاون الخليجي هو الملاذ للعيش في عالم مليء بالمتغيرات وهو المستقبل الآمن للمنطقة.
وذكر سموه أنه لا بديل في عالمنا اليوم عن التعاون الجماعي، ولم يعد هناك مكاناً لعمل منفرد، حتى بين أقوى الدول وأكثرها استقراراً على الصعيد الاقتصادي.
وأكد سموه ضرورة أن يقفز تعاون دول مجلس التعاون إلى أجواء أوسع، وأن يكون الاقتصاد والأمن في مقدمة الأولويات.
وأضاف سموه، نحن نعيش الآن في عالم التكتلات والكيانات القوية، وعلينا التعامل مع مختلف التحديات بنهج جماعي يحمي دولنا ومصالح شعوبنا ولا يتيح لأية مخططات من أي جهة كانت أن تنفذ إلى مجتمعاتنا، أو أن تنال من منجزاتنا ومكتسباتنا، أو تهدد أمننا.
ولفت سموه إلى أن الأشقاء قادة دول المجلس لا يألون جهداً في تلمس نبض شعوبهم، والتعرف على آمالهم وطموحاتهم.
كذلك شدد سموه على أن أمن دول المجلس وضرورة حمايته وصونه ودعم الاستقرار يشكل أولوية حاضرة بصفة دائمة على جدول أعمال القمم الخليجية، فلا تقدم ولا تنمية من دون أمن واستقرار، إضافة إلى محاربة الإرهاب بكافة أشكاله، باعتباره أخطر تحد يواجه العالم بأكمله، وليس دولنا وحدها.
وأوضح سموه أن التقدم الاقتصادي ورفع معدلات التنمية، يجسد تحدياً كبيراً يتطلب التعاون الجماعي بين دول المجلس لتحقيق هذا الهدف، منوهاً سموه إلى ما تمتلكه دول مجلس التعاون، من إمكانيات كثيرة يمكن تسخيرها، بالعمل الجماعي، لتحقيق المزيد لشعوبه، ومواجهة الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم بين الحين والآخر، والحد من أثار تلك الأزمات وتداعياتها على اقتصاديات دول المجلس.
وحول دعوة رئيسة وزراء المملكة المتحدة تيريزا ماي للمشاركة في القمة الخليجية بالبحرين، أكد صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء أن البحرين ودول مجلس التعاون، تحرص دائماً على علاقات الصداقة والتعاون مع مختلف دول العالم، ولذلك شهدت بعض قمم مجلس التعاون السابقة، دعوة قادة من دول العالم للمشاركة فيها كضيوف شرف ومتحدثين أمام القادة.
وبين سموه «تربطنا بالمملكة المتحدة علاقات صداقة وتعاون تاريخية وثيقة، تمتد إلى مائتي عام، فضلاً عن أن المملكة المتحدة إحدى أكبر الدول المؤثرة في العالم، ولها ثقلها السياسي والاقتصادي وتاريخها العريق، ولديها أيضاً تجربتها التي يمكن للآخرين الاستفادة منها في مختلف المجالات.
وأضاف سموه أن الدعوة التي وجهها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى إلى تيريزا ماي رئيسة وزراء المملكة المتحدة، للمشاركة في القمة ستشكل فرصة للقاء مع قادة دول المجلس، وتبادل الرؤى والأفكار حول مختلف القضايا والتطورات الاقليمية والدولية، ووضع التصورات التي تكفل تطوير التعاون بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون والانتقال به إلى أفاق أوسع تعود بالنفع على الجانبين.
وفيما يخص التعاون العسكري بين دول المجلس وإجراء التمارين الأمنية المشتركة، اعتبر سموه أنه يجسد أحد المنجزات التي تدعو للفخر في مجلس التعاون، حيث استطاعت دول المجلس أن تثبت للجميع، وحدة مواقفها وكلمتها، وأن لديها من القوة ما يمكنها من الحفاظ على أمنها واستقرارها، وأن يصون مكتسبات شعوبها، مؤكداً سموه أن التعاون الأمني والعسكري والتمارين المشتركة أمر ضروري ومطلوب، وينبغي أن نعتمد على أنفسنا في ظل هذا العالم المتغير وتقلبات السياسة والمواقف.
وشدد سموه على أنه لا يمكن لدول التعاون أن تقف مكتوفة الأيدي، أو أن تتخذ موقف المترقب إزاء كل ما يجري من حولها، وينبغي أن نكون دائماً على أهبة الاستعداد للتصدي لأي تهديدات أو مخاطر.
وأضاف سموه «لا يمكن أن نرهن مصالحنا بمواقف الآخرين وتوجهاتهم، بل ينبغي أن تكون لنا قوتنا الذاتية التي تردع، وتحمي ولا تعتدي، وتصون ولا تفرط.
وحول الخصوصية التي تتسم بها طبيعة العلاقات البحرينية ـ السعودية، شدد سموه على العلاقات بين البحرين والسعودية لا تحتاج إلى مزيد من التأكيد على قوتها ومتانتها، بوصفها أمر غني عن البيان، مؤكداً سموه أنها ليست مجرد علاقات ثنائية بين بلدين شقيقين، وإنما هي علاقة تمازج وانصهار بكل ما يعنيه ذلك من معاني، ولا يمكن اختزال تلك العلاقة في بضع كلمات، لأنها بطبيعتها، مسيرة تروى عبر مراحل التاريخ، وحقائق تتجسد على أرض الواقع، وعرى وثقها الأجداد والآباء، وتزداد قوة ورسوخاً جيلاً بعد جيل.
واعتبر سموه أن البحرين والسعودية كيان واحد وشعب واحد، مؤكداً سموه أن السعودية هي دائماً السند والعضد للبحرين لا تتأخر عنا أبداً، ولا نتأخر عنها أبداً، وتجمعنا صلات القربى والمصاهرة والمصير الواحد، ولن تفلح بمشيئة الله أي محاولة لفصم عرى هذا الارتباط التاريخي الوثيق.
وشدد سموه على أن السعودية بدورها ومكانتها وثقلها هي الذخر والسند ومحور الارتكاز، ليس للبحرين وحسب، وإنما للعرب والمسلمين جميعاً، وهكذا كانت، وستظل عبر التاريخ وسدد على طريق الخير خطى قادتها، وحقق لشعبها الشقيق الوفي كل ما يتمنى من خير وتقدم ونماء. ولن ننسى في البحرين مواقف السعودية الشقيقة.
وأعرب سموه عن خالص تقديره للدور المحوري والفاعل الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية الشقيقة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية في دعم ونصرة الأمتين العربية والإسلامية، وما تنهض به من مسؤوليات جسام في مواجهة أي تهديد لأمن واستقرار المنطقة بما يجسد ما تمثله المملكة من ثقل إقليمي ودولي وما تحظى به من مكانة مرموقة كحصن شامخ للإسلام والعروبة.
وتعليقا على ما تشهده الساحة من خلافات عربية مستمرة وسبل تجاوزها، رأى صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء أن الاختلاف أمر طبيعي يمكن أن يحدث في أي وقت ولكن الحكمة تكمن في احتواء خلافتنا والعمل على لم الشمل وجمع كلمتنا، مشيداً سموه في هذا الصدد بما تبذله المملكة العربية السعودية الشقيقة من جهود في لم الشمل العربي وتوحيد الصفوف للوقوف في وجه التحديات والمخاطر التي تواجهنا.
وقال سموه «نحن أحوج ما نكون إلى الآن إلى جمع كلمتنا والنأي بالعلاقات بين الدول العربية عن أية محاولات لشق الصف أو زرع بذور التشرذم والتفرق، فهذا بالتحديد ما يريده أعداؤنا، من أجل إيجاد الذرائع للتدخل في شؤوننا وتأجيج الصراعات فيما بيننا، ويجب أن نأخذ العبرة والعظة مما نراه يحدث في بعض الأقطار العربية حالياً من فوضى ودمار وتشرذم، وأن نعي حجم المخاطر المحدقة بنا جميعاً».
ورأى سموه أهمية تكثيف اللقاءات المشتركة بين القادة والمسؤولين العرب والحرص على التنسيق فيما بين البلدان العربية، تجاه مختلف القضايا والملفات، والخروج برؤية مشتركة، تراعي مصالح الأمة وتحافظ على تماسكها، وتزيدها قوة وصلابة في مواجهة التحديات.
وفيما يخص المتغيرات والتطورات المتلاحقة التي يشهدها العالم، وما تفرزه من تغير سياسيات وتوجهات كثيرة، أكد سموه ضرورة مواكبة ما يشهده العالم من تطورات، ولكن مع التمسك بالقيم والإرث الحضاري لدول المنطقة، مشيراً سموه إلى أن ما ينفع لغيرنا ليس بالضرورة أن يناسبنا. وعبر سموه عن تطلعه المستمر إلى التحديث والتطوير الذي يكون نابعاً من حاجتنا ومتطلباتنا، ولا ننجرف إلى وراء التقليد دون وعي بما ينطوي عليه من مخاطر تهدد أوطاننا، مؤكداً سموه أن العلاقات بين الدول بطبيعتها تقوم على التأثير والتأثر، ويجب أن نسعى إلى ما يحقق مصالحنا بالوصول إلى أرضية مشتركة من التفاهم والتعاون مع الدول الأخرى.
ورأى سمو رئيس الوزراء أن دول التعاون تملك مجتمعة من القدرات والإمكانيات، ما يجعل لها مكانة متميزة وكلمة مسموعة، مشدداً سموه على ضرورة مواصلة الجهود لتعريف العالم برؤانا، والتأكيد على أننا جزء فاعل نسعى بدورنا من أجل تحقيق التنمية المستدامة في المجالات كافة، ونحرص على تطوير بلداننا، والارتقاء بالمستويات المعيشية لشعوبنا، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بتعاون جماعي بين دول العالم، وترسيخ المبادئ الأساسية في التعامل بين الدول، باحترام كل طرف للطرف الأخر، وعدم قيام أي طرف بالتدخل في الشئون الداخلية لأية أطراف أخرى.
وحث سموه على ضرورة تعزيز التعاون الإعلامي في مواجهة الحملات والهجمات الشرسة التي تطال دول مجلس التعاون، والمحاولات المستمرة لتشويه منجزاتها والنيل مما حققته لشعوبها، معتبراً سموه أنها حملات باتت معروفة التوجهات، ومن يقفون وراءها، وهي تستهدف أكثر من بلد عربي، وتندرج ضمن المحاولات المستمرة لإلحاق الضرر بمصالحنا.
وأشار سموه إلى ما تعرضت له البحرين على مدى السنوات الماضية من حملات استهدفت تقويض أمنها واستقرارها بدعوى زائفة، ولكن العالم بات يعي زيف تلك الحملات بعدما تكشفت الحقائق.
ونوه سموه إلى أهمية التعاون إعلامياً لمواجهة تلك الحملات، وتفنيد أكاذيبها وافتراءاتها، وتوضيح الحقائق أمام العالم، مؤكداً سموه أن دول المجلس تملك الإمكانيات التي تتيح لها مخاطبة الآخرين والتصدي لتلك الحملات التي يحاول مروجوها إلباس الباطل ثوب الحق، ويتوهمون أنهم بأفعالهم تلك، يمكن أن ينالوا من الحقائق الناصعة على أرض الواقع.
وأكد سموه أن حقائق ما كان يحاك ضد الوطن العربي تكشفت، وأفاق الوطن العربي من الوهم وباتت درجة الوعي لدى الشعوب بما يحاك ضد أوطانهم أكبر، معرباً سموه عن حزنه لما يحدث من دمار في بعض الأقطار العربية، وقال سموه «لقد حذرنا دائماً مما يراد لنا من أطراف تعمل ووضعت نصب أعينها تدمير الآخرين، ولا تعدم الوسيلة بين الحين والأخر لتحقيق هذا الهدف، مهما كلفها ذلك».
وفيما يلي نص الحوار مع صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء:
نعتز باستضافة القمة
تستضيف البحرين هذا العام القمة السابعة والثلاثين، لأصحاب الجلالة والسمو، قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.. كيف تنظرون سموكم إلى هذه القمة والتحديات التي تحيط بها؟.
ـ بداية يسرني أن أرحب بكم، وأن أشيد بالدور الإعلامي الذي تقوم به صحيفة «الرياض» في تنوير الرأي العام العربي والخليجي بكافة القضايا المحلية والإقليمية والدولية، والارتقاء بوعي القراء إلى الإلمام بمختلف هذه القضايا بكل احترافية ومهنية.
ونحن نعتز باستضافة البحرين، القمة السابعة والثلاثين، لأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ونرحب بالأشقاء القادة في بلدهم البحرين، فلقاءاتنا واجتماعاتنا المكثفة تعزز من هويتنا المشتركة، والجميع يعلم أن التعاون الخليجي ليس وليد اللحظة بل منذ أمد طويل، وهو تعاون لم ينقطع منذ الآباء والأجداد، ومنذ استقلال هذه الدول تحول إلى تعاون مؤسسي من خلال الاتفاقيات الموقعة بين دول المجلس.
ونثق في أن اجتماع القادة المقام على أرض البحرين، كما هي اجتماعاتهم السابقة، سيحمل بمشيئة الله الخير لشعوب دول المجلس بما يلبي تطلعاتهم وطموحاتهم في مختلف المجالات، فلقاءات القادة دائماً ما تكون لقاءات خير وبركة، وتصب نتائجها في صالح تعزيز مسيرة التكامل الخليجي بما تضيفه من منجزات تقوي الكيان الخليجي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
ونرى أن هذه القمة تأتي وسط تحديات تتزايد ومخاطر لا تخفى على أحد، وهو ما يتطلب مضاعفة الجهود نحو المزيد من التنسيق والتكاتف بين دولنا وشعوبنا، للتصدي لهذه المخاطر والتعامل مع مختلف التحديات، ونعلم أن هذا الأمر يشكل أولوية قصوى لدى أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، الذين لا يألون جهداً في تحقيق مصالح دولهم والحفاظ على ما حققوه لشعوبهم من منجزات ومكتسبات حضارية وتنموية، فكل قمة خليجية هي منطلق نحو التقدم بخطوات متوازنة إلى ما يصبو إليه قادة وشعوب دولنا من رفاه وازدهار.
ونؤكد أهمية استمرارية التجمعات الخليجية المشتركة وتكثيفها لما لها من دور في مناقشة كافة المستجدات والوصول إلى أقصى درجات التفاهم والتنسيق حيال مختلف القضايا الاقليمية والدولية، فهذه اللقاءات من شأنها أن تعزز منظومة التعاون المشترك وتزيد التقارب بين دول وشعوب المجلس على كافة المستويات.
سموكم لا يتوقف عن دعم مبادرة إنشاء «الاتحاد الخليجي»، ويكاد لا يخلو أي تصريح لسموكم، حول العلاقات بين دول مجلس التعاون أو ما تواجهه المنطقة من مخاطر، من تأكيد على أهمية وضرورة الإسراع بإعلان هذا الاتحاد.. برأي سموكم ما الذي يعيق أو يؤخر هذا «الإعلان» حتى الآن؟.
ـ نعم نحن نرى أن التعاون الخليجي أمر مصيري، ونؤكد دائماً على أهميته وضرورته ليس كمطلب طارئ يواكب دواعي المرحلة الحالية وتحدياتها وما يحيط بمنطقتنا من مخاطر وتهديدات، وإنما توجه استراتيجي وأساس قامت وترسخت عليه دعائم مسيرة التعاون منذ انطلاقتها الأولى، فالتعاون هو الملاذ للعيش في عالم مليء بالمتغيرات وهو المستقبل الآمن للمنطقة.
ولننظر إلى العالم من حولنا، الذي تتكاتف دوله وتتكتل، وتتخذ مجالات التعاون فيما بينها أشكالاً جماعية للتعامل مع الأزمات السياسية والاقتصادية وغيرها، فلا بديل في عالمنا اليوم، عن التعاون الجماعي، ولم يعد هناك مكاناً لعمل منفرد، حتى بين أقوى الدول وأكثرها استقراراً على الصعيد الاقتصادي، ونرى أنه لابد لتعاون دول المجلس أن يقفز إلى أجواء أوسع، وأن يكون الاقتصاد والأمن في مقدمة الأولويات.
نحن نعيش الآن في عالم التكتلات والكيانات القوية، وعلينا التعامل مع مختلف التحديات بنهج جماعي يحمي دولنا ومصالح شعوبنا، ولا يتيح لأية مخططات من أي جهة كانت، أن تنفذ إلى مجتمعاتنا، أو أن تنال من منجزاتنا ومكتسباتنا، أو تهدد أمننا، فلدينا فهما عميقاً لبعضنا البعض كدول في المنطقة وعلينا أن نرسم المستقبل الذي ينتظرنا وفق ما يحقق مصالحنا بالدرجة الأولى.
طموحاتنا لا تنتهي
كقائد خليجي يمتلك خبرة واسعة وحنكة في إدارة شؤون الحكم، ما هو المطلوب من قادة دول مجلس التعاون في المرحلة الحالية.. وما هي الأولويات التي يفترض أن تكون مطروحة على طاولة البحث في القمة المقبلة من وجهة نظر سموكم؟.
ـ الأشقاء أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، لا يألون جهداً في تلمس نبض شعوبهم، والتعرف على آمالهم وطموحاتهم، فنحن في دول المجلس، قيادة ومواطنين، نتشارك في الآمال والطموحات، والقادة دائماً ما يسعون إلى تلبية هذه الطموحات وفق الظروف والمعطيات المتاحة.
ولعل استعراض مسيرة المجلس منذ انطلاقته في عام 1981 وحتى اليوم يؤكد هذه الحقيقة، فالبناء على ما تحقق لا يتوقف، وما تم إنجازه طوال تلك السنوات يدعو إلى الفخر والإعجاب، مع تأكيدنا على أنه لايزال هناك الكثير لتحقيقه، ونرى أن علينا دائماً أن نراجع أنفسنا كما يواكب التطورات المتلاحقة التي يعيشها عالم اليوم.
ونحن في دول مجلس التعاون لدينا أولويات عديدة تكون حاضرة بصفة دائمة على جدول أعمال القمم الخليجية، فلدينا أمن دول المجلس وضرورة حمايته وصونه، ودعم الاستقرار، فلا تقدم ولا تنمية من دون أمن واستقرار، إضافة إلى محاربة الإرهاب بكافة أشكاله، باعتباره أخطر تحد يواجه العالم بأكمله، وليس دولنا وحدها.
وهناك التقدم الاقتصادي الذي نرجوه لدولنا ورفع معدلات التنمية، وهى تحد كبير يتطلب التعاون الجماعي بين دول المجلس لتحقيق هذا الهدف، فنحن في دول مجلس التعاون، نملك إمكانيات كثيرة يمكن تسخيرها، بالعمل الجماعي، لتحقيق المزيد لشعوبنا، ومواجهة الأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم بين الحين والآخر، والحد من أثار تلك الأزمات وتداعياتها على اقتصاديات دول المجلس.
هل ترون سموكم أن ما تحقق حتى الآن على صعيد التعاون بين دول المجلس يلبي طموحات شعوب تلك الدول، وما هي طموحات وآمال سموكم المستقبلية لهذا التعاون؟.
ـ أمالنا وطموحاتنا لخير شعوبنا لا سقف لها، وما دمنا نعمل فإن الآفاق تبقى دائماً رحبة، وتتسع للمزيد من الإنجاز وتستوعب الطموحات، ولقد تحقق الكثير بالفعل، واستطعنا أن نتجاوز العديد من التحديات. ولعلكم تتذكرون ما شهدته حقبة الثمانينيات والتسعينيات وحتى الآن، من صعوبات وتهديدات، شهدنا فيها الكثير من الأحداث التي ألقت بظلالها وتداعياتها على مسيرتنا، ولكن تمكنت دولنا وشعوبنا من تجاوزها، فقد كان لدينا تصميماً ـ دولاً وشعوباً ـ على النجاح واستمرار مسيرتنا التعاونية، وقد تمكنا بفضل من الله، ثم بتكاتف قادتنا وشعوبنا وتلاحمهم، من الحفاظ على تماسك مجلس التعاون، وحماية أمن دولنا، وصون استقرارها، رغم المحاولات التي تستهدفنا بمخططات لا تنتهي، والتدخل في شؤوننا الداخلية، أو المساس بنسيجنا الاجتماعي، ووحدتنا الوطنية، وهي محاولات باءت جميعها، ولله الحمد، بالفشل، وتحطمت على صلابة مواقفنا، وقوة وحدتنا.
وأود أن أوكد لك أن طموحاتنا لا تنتهي، وهي تبدأ بحلم «الاتحاد الخليجي»، الذي نسعى إليه في المستقبل، وتتواصل هذه الطموحات إلى كل ما يحقق الخير لدولنا وشعوبنا، وتصدر دولنا لقوائم الإنجازات في كل مجال، فنحن نملك طاقات بشرية ومادية هائلة، وعقول تبتكر دوماً كل ما يضيف جديداً يحقق الخير لنا جميعاً.
وأقول لك إن المستقبل مشرق بإذن الله، ولدينا الكثير مما يمكن تحقيقه، متسلحين بالعزم والإيمان، وبقدرتنا على أن نحقق ما نريد، وأن نمتلك دائماً إرادتنا، وأن لا نسمح للدخلاء، باختراق مجتمعاتنا أو العبث بأمننا، أو النيل من منجزاتنا، ونحن بفضل من الله قادرون على ذلك، وعلى النهوض بمجتمعاتنا، والوصول بها إلى مصاف أرقى وأفضل.
وعلينا باستمرار أن نحدث منظومتنا وخاصة الأمن الذاتي لدولنا، فهذا أمر ضروري لحماية أمن المنطقة وتوفير الاستقرار لشعوبها، فنحن لسنا دعاة حرب وإنما دعاة محبة وسلام.
وأود أن أؤكد كذلك على أن التكامل الاقتصادي فيما بيننا كدول خليجية لابد أن يتم بشكل أسرع، وأن لا ننشغل بأي أمور تقف حائلاً دون ذلك، وأن نتجاوز كل العقبات التي تحول بيننا وبين هذا التكامل، ولكن في الوقت ذاته فإننا نفخر بأن لدينا نجاحات كبيرة منذ قيام مجلس التعاون.
تكتسب العلاقات بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، أهمية خاصة، وتؤكدون سموكم دائماً على عمق هذه العلاقات وقوتها ومتانتها.. ما هي طموحات سموكم لهذه العلاقات في الفترة المقبلة، وهل ترون أن هناك جوانب تحتاج إلى التطوير في التعاون الثنائي بين البلدين الشقيقين؟.
ـ الجواب: العلاقات بين مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية، قد لا تحتاج إلى مزيد من التأكيد على قوتها ومتانتها، فهذا أمر غني عن البيان، ومشهود لكل العيان، فهي ليست مجرد علاقات ثنائية بين بلدين شقيقين، وإنما هي علاقة تمازج وانصهار بكل ما يعنيه ذلك من معاني، ولا يمكن اختزال تلك العلاقة في بضع كلمات، لأنها بطبيعتها، مسيرة تروى عبر مراحل التاريخ، وحقائق تتجسد على أرض الواقع، وعرى وثقها الأجداد والآباء وتزداد قوة ورسوخاً جيلاً بعد جيل.
نحن نعتبر مملكة البحرين والمملكة العربية السعودية كيان واحد وشعب واحد، فالمملكة العربية السعودية، هي دائماً بالنسبة لنا السند والعضد، لا تتأخر عنا أبداً، ولا نتأخر عنها أبداً، وتجمعنا صلات القربى والمصاهرة والمصير الواحد، ولن تفلح بمشيئة الله أي محاولة لفصم عرى هذا الارتباط التاريخي الوثيق.
والمملكة العربية السعودية، بدورها ومكانتها وثقلها، هي الذخر والسند ومحور الارتكاز، ليس للبحرين وحسب، وإنما للعرب والمسلمين جميعاً، هكذا كانت، وستظل عبر التاريخ، حماها الله، وسدد على طريق الخير خطى قادتها، وحقق لشعبها الشقيق الوفي كل ما يتمنى من خير وتقدم ونماء. ولن ننسى في مملكة البحرين مواقف السعودية الشقيقة.
كما نعرب عن خالص تقديرنا للدور المحوري والفاعل الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية الشقيقة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود في دعم التضامن الخليجي وتطوير مرتكزاته ليكون قادراً على التعامل مع كافة التحديات التي تواجه دول مجلس التعاون، ونصرة الأمتين العربية والإسلامية، وما تنهض به من مسؤوليات جسام في مواجهة أي تهديد لأمن واستقرار المنطقة بما يجسد ما تمثله المملكة من ثقل إقليمي ودولي وما تحظى به من مكانة مرموقة كحصن شامخ للإسلام والعروبة.
تحتفل البحرين هذا الشهر بذكرى العيد الوطني.. كيف تنظرون إلى ما تحقق في المملكة على مدى سنوات طويلة.. وكيف ترون المستقبل في بلدكم العزيز؟.
ـ ذكرى العيد الوطني هي فرصة متجددة للتأمل وتجديد العزم على العمل والإنجاز من أجل خير أبناء شعب البحرين، وتعزيز مكانة بلدنا إقليمياً وعالمياً على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية، في ظل القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل مملكة البحرين، والذي يقود مسيرة التطوير والتحديث بكل تفان وإخلاص.
ونرى أن المستقبل مشرق بمشيئة الله، ويحمل الكثير من الخير لبلدنا وشعبنا، انطلاقاً من ثقتنا في أنفسنا وفي أبناء شعبنا، وتمسكنا بوحدتنا وقدرتنا على تحقيق الإنجاز تلو الأخر لصالح وطننا، وتضافر جهودنا وتكاتفنا جميعاً، وإصرارنا على النجاح. ونحن نفتخر دائماً بأبناء البحرين رجالاً ونساءً، فهم ثروتنا التي لا تنضب، وهم من يشكلون قوة الإنجاز والعطاء، ونثق في قدرتهم على مواصلة العمل وبذل الجهد، جيلاً بعد آخر، من أجل بحرين الغد، والمستقبل الأفضل. فهل ترون أن هناك مستحيلاً في وجود مثل هذا الشعب؟، وهل يمكن لأحد أن يتشكك في قدرته على تحقيق الإنجاز تلو الأخر؟. نحن نثق في شعبنا، ونثق في قدراتنا، وفي عزمنا على تحقيق الأفضل دائماً بمشيئة الله.
وجه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين الدعوة إلى رئيسة وزراء المملكة المتحدة تيريزا ماي للمشاركة في القمة الخليجية المقبلة بالبحرين. كيف تقيمون سموكم مغزي هذه الدعوة، وما هي الفوائد التي ستجنيها دول المجلس من تلك المشاركة؟.
ـ نحن في البحرين ودول مجلس التعاون، نحرص دائماً على علاقات الصداقة والتعاون مع مختلف دول العالم، ولذلك شهدت بعض قمم مجلس التعاون السابقة، دعوة قادة من دول العالم للمشاركة فيها كضيوف شرف ومتحدثين أمام القادة.
ونحن تربطنا بالمملكة المتحدة علاقات صداقة وتعاون تاريخية وثيقة، تمتد إلى مائتي عام، فضلاً عن أن المملكة المتحدة إحدى أكبر الدول المؤثرة في العالم، ولها ثقلها السياسي والاقتصادي وتاريخها العريق، ولديها أيضاً تجربتها التي يمكن للآخرين الاستفادة منها في مختلف المجالات.
ومن هنا، تأتي أهمية الدعوة التي وجهها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، إلى السيدة تيريزا ماي، رئيسة وزراء المملكة المتحدة، للمشاركة في القمة التي ستستضيفها مملكة البحرين، فهذه المشاركة سوف تشكل فرصة للقاء مع أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس، وتبادل الرؤى والأفكار حول مختلف القضايا والتطورات الإقليمية والدولية، ووضع التصورات التي تكفل تطوير التعاون بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون والانتقال به إلى آفاق أوسع تعود بالنفع على الجانبين.
ورؤيتنا في البحرين تؤمن دائماً، بأهمية التعاون مع مختلف دول العالم، وترى في ذلك ضرورة وأهمية قصوى، لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، وينبغي أن نتعاون جميعاً من أجل مستقبل أكثر استقراراً وأكثر حرصاً على مصالح الشعوب، وحماية للأجيال القادمة.
اتسم هذا العام بإطلاق إشارات ذات مغزي من دول مجلس التعاون، برز أهمها في التعاون العسكري بين دول المجلس، وإجراء التمارين الأمنية المشتركة، ثم التأكيد على أهمية التكامل الاقتصادي، وأن يكون لدينا تكتل اقتصادي قوى.. إلى أي مدى تم استيعاب هذه الإشارات من مختلف دول العالم؟.
ـ نعم.. وهذا أيضاً من المنجزات التي نفخر بها في مجلس التعاون، فقد أثبتنا للجميع، وحدة مواقفنا وكلمتنا، وأن لدينا من القوة ما يمكننا من الحفاظ على أمننا واستقرارنا، وأن يصون مكتسبات شعوبنا، فالتعاون الأمني والعسكري والتمارين المشتركة، أمر ضروري ومطلوب، وينبغي أن نعتمد على أنفسنا في ظل هذا العالم المتغير، وتقلبات السياسة والمواقف.
ولا يمكن لدولنا أن تقف مكتوفة الأيدي، أو أن تتخذ موقف المترقب إزاء كل ما يجري من حولنا، وينبغي أن نكون دائماً على أهبة الاستعداد للتصدي لأي تهديدات أو مخاطر، فلن يحمي دولنا وشعوبها إلا سواعد أبنائها، هكذا علمنا التاريخ، وهذا هو ما أثبتته لنا الأحداث والتطورات، فنحن نعيش في عالم تحكمه المصالح، والمصالح تتغير وتتبدل في أي وقت، ولا يمكن أن نرهن أمن دولنا وشعوبنا لأي كان.
ولهذا لا يمكن أن نرهن مصالحنا بمواقف الآخرين وتوجهاتهم، بل ينبغي أن تكون لنا قوتنا الذاتية التي تردع ولا تهدد، وتحمي ولا تعتدي، وتصون ولا تفرط.. نعم، فنحن شعوب تلتزم بالقيم والمبادئ، ولم تهدد أحداً، ولم تعتد على أحد، ولم تتدخل في شئون الغير، وكانت دائماً من الداعين إلى السلام والعيش الآمن، وحرصت على التعايش السلمي بين جميع الأجناس والأعراق، وهو ما تشهد به وتؤكده طبيعة مجتمعاتنا الخليجية.
لم الشمل وجمع الكلمة
مازلنا نشهد خلافات عربية مستمرة وأحياناً عدم الاتفاق على الحد الأدنى من الرؤى تجاه مختلف القضايا التي تهمنا أو تؤثر على دولنا.. كيف السبيل لتجاوز تلك الاختلافات والارتقاء إلى المستوى المأمول من التفاهم والتعاون الذي يجنب منطقتنا وشعوبنا المزيد من الخسائر وتفادى ما يضمره لنا البعض من نوايا شريرة؟.
ـ الاختلاف أمر طبيعي، يمكن أن يحدث في أي وقت، ولكن الحكمة تكمن في احتواء خلافتنا والعمل على لم الشمل وجمع كلمتنا، ونود هنا أن نشيد بما تبذله المملكة العربية السعودية الشقيقة من جهود في لم الشمل العربي وتوحيد الصفوف للوقوف في وجه التحديات والمخاطر التي تواجهنا، ونحن أحوج ما نكون إلى الآن إلى جمع كلمتنا والنأي بالعلاقات بين الدول العربية عن أية محاولات لشق الصف أو زرع بذور التشرذم والتفرق، فهذا بالتحديد ما يريده أعداؤنا، من أجل إيجاد الذرائع للتدخل في شؤوننا وتأجيج الصراعات فيما بيننا، ويجب أن نأخذ العبرة والعظة مما نراه يحدث في بعض الأقطار العربية حالياً من فوضى ودمار وتشرذم، وأن نعي حجم المخاطر المحدقة بنا جميعاً.
وبطبيعة الحال فإن الرؤى قد تختلف أو تتفاوت تجاه العديد من القضايا بين دولة وأخرى، ونحن نثق في أن القادة العرب يتعاملون بحكمة مع مختلف القضايا التي تواجه العالم العربي، وأنهم حريصون على صون العلاقات بين بلدانهم، وحمايتها من أية عثرات عارضة، فما يبقى، وينبغي أن نضعه دائماً في صدارة أولوياتنا، هو مصالح أمتنا، والتنبه إلى من يضمرون لها الشر، ولا يريدون بنا خيراً.
ونحن نرى أهمية تكثيف اللقاءات المشتركة بين القادة والمسؤولين العرب والحرص على التنسيق فيما بين بلداننا العربية، تجاه مختلف القضايا والملفات، والخروج برؤية مشتركة، تراعي مصالح أمتنا وتحافظ على تماسكها، وتزيدها قوة وصلابة في مواجهة التحديات التي نواجهها جميعاً.
العالم يشهد متغيرات وتطورات متلاحقة، قد يتبعها تغير سياسيات وتوجهات كثيرة في أنحاء العالم.. كيف تنظرون إلى تلك التطورات.. وكيف ترون سموكم كيفية التعامل معها وتطويعها لمصالح دولنا وشعوبنا؟.
ـ ينبغي أن نواكب ما يشهده العالم من تطورات، ولكن مع التمسك بقيمنا وإرثنا الحضاري، فما ينفع لغيرنا ليس بالضرورة أن يناسبنا، ونتطلع دائماً إلى التحديث والتطوير الذي يكون نابعاً من حاجاتنا ومتطلباتنا، ولا ننجرف إلى وراء التقليد دون وعي بما ينطوي عليه من مخاطر تهدد أوطاننا، والعلاقات بين الدول بطبيعتها تقوم على التأثير والتأثر، ويجب أن نسعى إلى ما يحقق مصالحنا بالوصول إلى أرضية مشتركة من التفاهم والتعاون مع الدول الأخرى.
نعم نحن نعيش في عالم متغير ونشهد تطورات قد يعجز الكثيرون عن ملاحقتها، لكن هذا لا يعني أن نتوقف، ولابد أن تكون لنا رؤانا ومواقفنا وتفاعلنا مع العالم المحيط بنا فنحن جزء من العالم نتأثر بما يحدث فيه، وأيضاً يمكننا، كتكتلات قوية، أن نؤثر فيه ونشارك في صنع مساراته وتحديد خطواته المستقبلية.
ونرى أننا نملك مجتمعين من القدرات والإمكانيات، ما يجعل لنا مكانة متميزة وكلمة مسموعة، وينبغي أن تتواصل جهودنا لتعريف العالم برؤانا، والتأكيد على أننا جزء فاعل نسعى بدورنا من أجل تحقيق التنمية المستدامة في المجالات كافة، ونحرص على تطوير بلداننا، والارتقاء بالمستويات المعيشية لشعوبنا، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بتعاون جماعي بين دول العالم، وترسيخ المبادئ الأساسية في التعامل بين الدول، باحترام كل طرف للطرف الأخر، وعدم قيام أي طرف بالتدخل في الشؤون الداخلية لأية أطراف أخرى، وأن نعيش جميعاً في عالم يسوده الاحترام، وتنعم شعوبه، بالطمأنينة والأمن والسلام والاستقرار.
مواجهة الحملات الإعلامية
التعاون الإعلامي في مواجهة الحملات والهجمات الشرسة التي تطال دول مجلس التعاون، بات من المطالب الشعبية قبل الرسمية.. كيف تنظرون سموكم إلى هذا الأمر، وما هو المطلوب في مواجهة تلك الحملات والهجمات الظالم؟.
ـ نعم.. ونحن نؤيد ذلك ونرى أهمية التعاون لمواجهة تلك الحملات البائسة التي تتعرض لها بلداننا، والمحاولات المستمرة لتشويه منجزاتنا والنيل مما حققناه، وهي حملات باتت معروفة التوجهات، ومن يقفون وراءها، وهي تستهدف أكثر من بلد عربي، وتندرج ضمن المحاولات المستمرة لإلحاق الضرر بمصالحنا.
ولعلكم تابعتم على مدى السنوات الماضية ما تعرضت له بلدكم البحرين من حملات استهدفت تقويض أمنها واستقرارها بدعوى زائفة، ولكن نحمد الله أن العالم بات يعي زيف تلك الحملات بعدما تكشفت الحقائق.
وهذا بطبيعة الحال يتطلب، بل يحتم علينا، التعاون إعلامياً لمواجهة تلك الحملات، وتفنيد أكاذيبها وافتراءاتها، وتوضيح الحقائق أمام العالم، فلدينا الإمكانيات التي تتيح لنا مخاطبة الآخرين والتصدي لتلك الحملات التي يحاول مروجوها إلباس الباطل ثوب الحق، ويتوهمون أنهم بأفعالهم تلك، يمكن أن ينالوا من الحقائق الناصعة على أرض الواقع.
نعم.. لدينا وسائل إعلام ولدينا إعلاميين على درجة عالية من الاحترافية والمهنية، وعلينا جميعاً أن نستثمر ذلك في التواصل مع الآخرين في هذا العالم، وتزويدهم بالحقائق، فلا ينبغي لنا أن نخاطب أنفسنا، بل يجب أن نصل إلى شركائنا الآخرين في هذا العالم، وأن نتصدى للدعاوى الزائفة والباطلة، ولكل من يستغلون وسائل الإعلام الحديث، ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر أكاذيبهم واستهداف دولنا ومنطقتنا.
تتكشف يوماً بعد الأخر خيوط المؤامرات التي حيكت لمنطقتنا ودولنا، واستهدفت تقسيمها وتفتيتها، كيف نتمكن من إفشال تلك المؤامرات، وما هو المطلوب منا «وقائياً» للحيلولة دون تكرار، أو نجاح مثل تلك المؤامرات الخبيثة في المستقبل؟.
ـ نعم نحمد الله أن الحقائق تكشفت، وأفاق وطننا العربي من الوهم وباتت درجة الوعي بما يحاك ضد أوطاننا أكبر، ولكننا نشعر بالأسف على ما يحدث من دمار في بعض الأقطار العربية، ولقد حذرنا دائماً مما يراد لنا من أطراف تعمل ووضعت نصب أعينها تدمير الآخرين، ولا تعدم الوسيلة بين الحين والأخر لتحقيق هذا الهدف، مهما كلفها ذلك وعلينا جميعاً أن نحتاط، وأن نتخذ من التدابير الوقائية ما يؤمن بلداننا ويحمي شعوبنا، فمن يرغب في التعاون معنا ويمد إلينا يد الصداقة والتعاون، فإننا نرحب به ونسعى لمبادلته خيراً بخير.
إلى أي مدى يمكن القول، أن سموكم متفائل بمستقبل المنطقة.. وما هو السبيل لاستعادة زخم الحركة الاقتصادية والتنموية التي تعثرت بفعل ما سمي زوراً، «الربيع العربي».. وما هي نصيحتكم التي توجهونها من خلال رؤيتكم وتحليلكم للأوضاع في منطقتنا والعالم؟.
- لابد أن نتفاءل.. فمنطقتنا زاخرة بخيرات كثيرة نحمد الله عليها، ولدينا شعوب تتمسك بالأمل في غدٍ أفضل ومستقبل أكثر إشراقاً.. ولدينا كفاءات وكوادر بشرية متميزة في مختلف المجالات.. ولدينا رؤى وبرامج تنموية واضحة، لما ينبغي علينا القيام به من أجل بلادنا وشعوبنا.لابد أن نعمل بجدٍ ومثابرة من أجل تحقيق أمالنا وطموحاتنا، وأن يحكمنا دائماً في توجهاتنا وأعمالنا، صالح بلادنا ومستقبل أجيالنا القادمة، فدولنا ولله الحمد تحظي بمستويات تعليم جيدة، ورعاية صحية متميزة. ونحن حريصون على تهيئة وتأهيل الأجيال القادمة، التي ستواصل البناء على ما حققه الأجداد والآباء، في مسيرة ممتدة منذ القدم وإلى سنوات كثيرة قادمة بإذن الله.
وإذا كان هناك من قول، فهو مواصلة العمل، وزيادة معدلات الإنتاج، والحفاظ على أوطاننا وهويتنا، وعدم السماح لأي من كان، أن ينال من منجزاتنا، أو أن يلحق الضرر بمصالحنا.. فقوتنا في تماسكنا وتلاحمنا وإصرارنا على التقدم والنجاح مهما بلغت التحديات.
وختاماً نجدد لكم الشكر.. ونكرر الترحيب بأصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في بلدهم البحرين، ونشارك شعوبنا في آمالها المعقودة على نتائج قمتهم الخيرة، ونتمنى لدول مجلس التعاون، المزيد من التقدم والرخاء والازدهار.
كما نتمنى لكل شعوب العالم ونحن على أعتاب عام جديد أن ينعم عالمنا بالأمن والسلام والاستقرار.