عواصم - (وكالات): قالت صحيفة «التايمز» البريطانية أن «إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب لن تسمح لإيران بالانتصار في سوريا»، مضيفة أن «ترامب قد يتوصل إلى تفاهم مع روسيا للاشتراك في قصف تنظيم الدولة «داعش» وإخراجه من الرقة بسوريا، ولفترة محدودة من الممكن أن تصبح موسكو وواشنطن حليفتين»، مشيرة إلى أنه «إذا ما طرد التنظيم بسرعة من سوريا فسوف يعتبر ترامب وبوتين ذلك انتصاراً لبراغماتية الشرق والغرب، ومن دون خطر التنظيم سيصعب على نظام الرئيس بشار الأسد الاحتجاج بأنه يقف على الجانب الصواب من الحرب ضد الإرهاب».
ميدانياً، تواصل قوات النظام السوري مدعومة من مجموعات مسلحة موالية تقدمها نحو الأحياء الأخيرة التي لا تزال تحت سيطرة مقاتلي المعارضة شرق حلب، في محاولة لتحقيق «تحول في مجرى الحرب»، بحسب وصف الرئيس بشار الأسد.
وفي وقت لاحق أمس، أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في هامبورغ أن جيش الأسد أوقف عملياته القتالية في حلب بغية السماح بإجلاء المدنيين.
ومن شأن استكمال النظام المدعوم من روسيا وإيران، سيطرته على ثاني المدن السورية أن يشكل نكسة كبيرة للمعارضة المدعومة من الغرب ودول عربية عدة. وسيشكل ذلك أكبر إنجاز عسكري للنظام استراتيجياً ورمزياً منذ بدء النزاع في 2011.
وفي موازاة استمرار العمليات العسكرية الكثيفة والتقدم السريع لقوات النظام على الأرض، يبقى الافق الدبلوماسي مسدودا، إذ فشل وزيرا الخارجية الأمريكي جون كيري والروسي سيرغي لافروف خلال لقاء بينهما أمس الأول في ألمانيا في التوصل إلى اتفاق على وقف لإطلاق النار في حلب حيث يعيش المدنيون المتبقون في الأحياء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة تحت وابل من القصف من دون مقومات الحياة. وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بأن المعارك تتركز في أحياء صلاح الدين وبستان القصر، وأن مقاتلي المعارضة يردون بقصف الأحياء الغربية بالقذائف. وتزامنت المعارك وفق المرصد مع قصف مدفعي وجوي لقوات النظام على أحياء عدة بينها السكري وبستان القصر والفردوس والزبدية والكلاسة. وأشارت مصادر في شرق حلب إلى حالة من الرعب والذعر عاشها السكان في حي الكلاسة بعد سقوط برميل متفجر. وباتت قوات النظام وفق المرصد، تسيطر على أكثر من 85 % من الأحياء التي كانت تحت سيطرة الفصائل المقاتلة منذ 2012، تاريخ انقسام المدينة بين الطرفين. وقال الأسد في مقابلة مع صحيفة «الوطن» السورية نشرت أمس إن حسم المعركة في حلب سيشكل «محطة كبيرة باتجاه» نهاية الحرب. وأضاف «صحيح أن معركة حلب ستكون ربحاً، لكن لكي نكون واقعيين لا تعني نهاية الحرب في سوريا..»، معتبراً أن الحرب لا تنتهي «إلا بعد القضاء على الإرهاب تماماً، فالإرهابيون موجودون في مناطق أخرى».
واستبعد الأسد تطبيق هدنة في حلب. وانتقد الائتلاف السوري المعارض في بيان «عجز المجتمع الدولي عن القيام بواجبه تجاه حماية المدنيين».
وكانت الفصائل المقاتلة في حلب اقترحت ما سمته مبادرة من 4 نقاط، تنص على وقف «فوري» لإطلاق النار وإخلاء الجرحى والمدنيين الراغبين إلى ريف حلب الشمالي.
ووجهت منظمة «الخوذ البيضاء»، الدفاع المدني السوري الذي يعمل في الأحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة في حلب، نداء إلى المنظمات الدولية طالبت فيه «بتوفير ممر آمن بشكل عاجل لجميع متطوعي الإنقاذ وعائلاتهم والعاملين الآخرين في المجال الإنساني ضمن المدينة».
وجددت الأمم المتحدة دعوتها إلى وقف فوري لإطلاق النار في شرق حلب حيث ينتظر مئات من الأطفال المرضى أو المصابين إجلاءهم من مناطق المعارك.
وقال رئيس مجموعة العمل حول المساعدات الإنسانية في سوريا يان إيغلاند خلال مؤتمر صحافي في جنيف «يجب أن تكون هناك هدنة».
وأضاف «في الوقت الحالي أولئك الذين (...) يحاولون الفرار يجدون أنفسهم في مرمى تبادل إطلاق النار والتفجيرات وقد يشكلون أهدافاً لقناصة معزولين»، مشيراً إلى أن «مئات الأطفال والمرضى والجرحى (...) يجب أن يخرجوا «من الأحياء الشرقية لحلب التي تسيطر عليها فصائل المعارضة وتحاصرها قوات النظام السوري.
وتسببت المعارك في حلب منذ نحو شهر بنزوح 80 ألف شخص من الأحياء الشرقية، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
على جبهة أخرى في سوريا، أحصى المرصد مقتل 34 عنصراً من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، «خلال هجمات عنيفة ومتزامنة نفذها تنظيم الدولة «داعش» في محيط حقول جزل والمهر وشاعر النفطية» في منطقة تدمر في حمص. من جانبها، كتبت «التايمز» البريطانية في افتتاحيتها أن الحرب في سوريا بلغت نقطة تحول حاسمة، حيث قامت قوات الأسد، مدعومة بالمليشيات الإيرانية وبغطاء جوي روسي، بتأمين قلب مدينة حلب القديمة، في وقت تسعى المعارضة إلى وقف لإطلاق النار للسماح للمدنيين بالمغادرة وسط قصف مكثف. وأشارت الصحيفة إلى أن السقوط الوشيك لحلب الشرقية سيمكّن النظام من فرض سيطرته على المدن الخمس الكبرى في البلاد وعموم غرب سوريا، وبالتالي سرعان ما يتوج الأسد نفسه منتصراً. وأردفت بأن واقع الأمر هو أنه كان ممسكاً بالسلطة طوال الوقت ليس بتزكية شعبية ولكن بسبب التقاعس الغربي، حيث فشلت الولايات المتحدة في التحرك حتى عندما خنقت المدنيين الأسلحة الكيميائية لهذا المستبد، على حد وصفها. وبدلاً من ذلك دعمت موسكو وطهران نظامه المتداعي طوال نحو ست سنوات من الحرب، وأخيراً لم يكسب الأسد أرضاً فقط، بل قدم نفسه بوصفه محارباً للإرهاب وأنه حصن ضد الفوضى في الشرق الأوسط، وأعطى لنفسه بريق من لا يمكن الاستغناء عنه. ووصفت الصحيفة منطقه هذا بالشيطاني، لكنه يشير إلى كيفية تطور الأزمة، إذا قُدر لحلب أن تسقط. وأشارت «التايمز» إلى أن إدارة ترامب القادمة تظهر ودها للرئيس الروسي بوتين، وأن لها أولويتين، أولاهما دحر تنظيم الدولة أو على الأقل طرده من سوريا والعراق. وفي هذا المسعى تعتبر من الضروري أن لا تظهر إيران وكأنها الفائز بحيث تنشر نفوذها «الخبيث عبر الهلال الشيعي» الذي يضم ميليشيات «حزب الله» في لبنان والمقاتلين الذين تدعمهم طهران في سوريا والعراق. وأضافت أنه بعد حلب قد يتوصل ترمب إلى تفاهم مع روسيا للاشتراك في قصف التنظيم وإخراجه من الرقة بسوريا. ولفترة محدودة من الممكن أن تصبح موسكو وواشنطن حليفتين. وإذا ما طرد التنظيم بسرعة من سوريا فسوف يعتبر ترامب وبوتين ذلك انتصاراً لبراغماتية الشرق والغرب، ومن دون خطر التنظيم سيصعب على الأسد الاحتجاج بأنه يقف على الجانب الصواب من الحرب ضد الإرهاب. وألمحت الصحيفة إلى أن إدارة ترامب، التي تضم العديد من المحاربين المخضرمين الحذرين من إيران، ستركز بالتالي على دق إسفين بين موسكو وطهران. وقد تكون روسيا مستعدة لقبول بديل عن الأسد شريطة أن يتمكن من تحمل ولاء الجيش السوري والحفاظ على لحمة الدولة والسماح لموسكو بالإبقاء على قاعدتها البحرية في طرطوس.
وختمت الصحيفة بأنه من الممكن أن تكون هناك صفقة ما في طور التكوين، وستكون قبيحة ومحفوفة بالمخاطر ومبنية على قبور أكثر من 400 ألف شخص قضوا خلال السنوات الأخيرة لحكم الأسد. من جانبه، قال وليد جنبلاط زعيم الدروز في لبنان إن انتصار الأسد الوشيك في حلب سيزيد من القبضة الإيرانية السورية والنفوذ في لبنان.