عواصم - (وكالات): تجددت المعارك في مدينة حلب حيث يتعرض آخر جيب تحت سيطرة الفصائل المعارضة لوابل من القصف الجوي والمدفعي، ما يبدد آمال الآلاف من السكان الذين كانوا يأملون أن يتم إجلاؤهم أمس بموجب اتفاق تركي روسي. فيما أكدت مصادر من المعارضة والأمم المتحدة أن إيران - أحد أهم داعمي رئيس النظام السوري بشار الأسد في معركة حلب - تعرقل إجلاء المدنيين والمقاتلين بإصرارها على إجلاء المصابين من قريتي الفوعة وكفريا اللتين تحاصرهما المعارضة بشكل متزامن. من جانبه، قال محمد محدثين، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، إن «فيلق القدس» الإرهابي التابع للحرس الثوري الإيراني هو المسؤول عن مذبحة حلب المستمرة، والتي ذهب ضحيتها مئات المدنيين المحاصرين. في السياق ذاته، قال أعضاء لجنة تحقيق في جرائم الحرب تابعة للأمم المتحدة إن حكومة الأسد تتحمل مسؤولية أساسية لمنع الهجمات وانتهاكات حقوق الإنسان وأعمال الانتقام في حلب وإنها تتحمل مسؤولية أي انتهاكات من قبل جنودها أو القوات المتحالفة معها. وأعلن المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة زيد رعد بن الحسين أن قوات الحكومة السورية وحلفاءها انتهكت القانون الدولي الإنساني بكل تأكيد وربما ارتكبت جرائم حرب بأحدث قصف لها للمدنيين الذين يأملون الجلاء من شرق حلب. ومع تزايد مخاوف المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية على مصير المدنيين، يعيش السكان في اخر جيب يتحصن فيه مقاتلو المعارضة في حلب، ظروفا مأساوية بعدما وجدوا انفسهم محاصرين تحت النيران إثر تجدد المعارك بعدما كانت توقفت منذ أمس الأول. ويتكدس آلاف المدنيين في حي المشهد وأجزاء من الأحياء الأخرى المحيطة به، بعضهم لا مأوى له، ينامون في الشوارع. ويعاني الجميع من الخوف والجوع والبرد.
وشوهد عدد كبير من السكان يهربون مذعورين في الشوارع إثر تجدد القصف من دون العثور على مأوى يلجؤون إليه. وسارع آخرون إلى الاحتماء في مداخل الأبنية المهدمة خشية استهدافهم. وتحدثت تقارير عن قصف «هائل» بالمدفعية والصواريخ والطيران الحربي يطال المنطقة المحاصرة.
وأفاد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن بـ»حالة خوف شديدة» تسود المدنيين. وعن الوضع الميداني قال إن «القصف عنيف والاشتباكات على أشدها.. الأمور عادت إلى نقطة الصفر».
وبعد طرد مقاتلي المعارضة من الأراضي الخاضعة لسيطرتهم في حلب نزحت أعداد هائلة من المدنيين المذعورين والمقاتلين وسط طقس سيء في أزمة وصفتها الأمم المتحدة بأنها «انهيار تام للإنسانية». وهناك نقص في الغذاء والمياه بالمناطق التي تسيطر عليها المعارضة بينما أغلقت جميع المستشفيات. وأعلنت الأمم المتحدة أن لديها تقارير تفيد بأن الجنود السوريين ومقاتلين عراقيين متحالفين معهم قتلوا 82 مدنياً رمياً بالرصاص في الأحياء التي استعادوا السيطرة عليها شرق حلب. ووصف سكان المدينة أوضاعاً شديدة السوء. وقالوا إن الجثث تتناثر في الشوارع. وأضافوا «هناك العديد من الجثث في الفردوس وفي بستان القصر ولا يوجد من يدفنها».
وتساقطت عشرات القذائف على مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، تزامناً مع غارات سورية كثيفة مستمرة وتجدد الاشتباكات العنيفة، ما تسبب في مقتل العشرات، وفق المرصد السوري.
وردت الفصائل بإطلاق القذائف على الأحياء الغربية تحت سيطرة قوات النظام.
ويأتي التصعيد بعد ساعات على انتظار الآلاف من المدنيين ومقاتلي المعارضة فجر أمس بدء إجلائهم من شرق حلب بموجب اتفاق تم التوصل إليه برعاية روسية تركية، إلا أن عملية الاجلاء لم تبدأ في موعدها المفترض، وتم تعليق الاتفاق بعد ساعات عدة. وحملت موسكو مقاتلي المعارضة مسؤولية خرق الهدنة، مؤكدة استئناف قوات النظام عملياتها العسكرية، فيما اتهمت أنقرة النظام بتأخير تنفيذ الاتفاق.
وتتواصل المفاوضات للتوصل إلى اتفاق، بحسب ما قال مصدر مقرب من دمشق. وأفاد مصدر قريب من ملف التفاوض أن المحادثات تجري حاليا بين اربعة اطراف هي سوريا، روسيا، إيران وتركيا.
وفي وقت سابق من أمس، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه سيتصل بنظيره الروسي فلاديمير بوتين، لمحاولة إنقاذ الاتفاق، الذي اعتبر أنه «آخر أمل» لشعب حلب «البريء».
وعبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن أمله في «تسوية الوضع» شرق حلب خلال يومين أو ثلاثة أيام.
وذكر أن مقاومة مقاتلي المعارضة ستنتهي على الأرجح خلال اليومين أو الثلاثة أيام المقبلة. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن المعارضة تسيطر حالياً على جيب مساحته 2.5 كيلومتر مربع.
وقال مصدر قريب من السلطات في دمشق «علقت الحكومة السورية اتفاق الإجلاء لارتفاع عدد الراغبين في المغادرة من ألفي مقاتل إلى 10 آلاف شخص».
وتطالب الحكومة وفق المصدر «بالحصول على قائمة بأسماء جميع الأشخاص المغادرين للتأكد من عدم وجود رهائن أو سجناء» تابعين لها في صفوفهم.
في المقابل، اتهم ياسر اليوسف عضو المكتب السياسي لحركة نور الدين الزنكي، أبرز الفصائل المعارضة في حلب، «قوات النظام والإيرانيين تحديداً بعرقلة تطبيق الاتفاق وربطه بملفات أخرى بينها مطالب تتعلق ببلدتي الفوعة وكفريا» المحاصرتين من قبل الفصائل في محافظة إدلب.
وأفاد المرصد السوري بإطلاق الفصائل الإسلامية عشرات القذائف على بلدتي الفوعة وكفريا.
وفي وقت لاحق، أعلن مسؤول بالمعارضة السورية أن قوات المعارضة بدأت هجمات مضادة ضد القوات الحكومية في حلب مع احتدام القتال بعد بوادر عن فشل اتفاق هدنة.
ورحب مسؤولون سياسيون وعسكريون إيرانيون بـ»تحرير» حلب و»بالانتصارات الأخيرة للجيش السوري».
وتمكنت قوات النظام من السيطرة أخيراً على أكثر من 90 % من الأحياء التي كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة منذ العام 2012، ما يعد ضربة قاضية للمعارضة منذ بدء النزاع قبل أكثر من 5 أعوام.
وغداة مطالبة واشنطن بـ»مراقبين دوليين حياديين» في حلب للإشراف على إجلاء المدنيين، طالب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بـ»القيام بكل شيء لإفساح المجال أمام إجلائهم بكرامة وأمن تحت إشراف مراقبين دوليين ومع وجود منظمات دولية».
ويثير الوضع المأساوي للسكان المحاصرين في حلب مخاوف المجتمع الدولي، خصوصاً بعد إبداء الأمم المتحدة خشيتها من تقارير وصفتها بالموثوقة تتهم قوات النظام بقتل عشرات المدنيين بشكل اعتباطي، بينهم نساء وأطفال، في شرق حلب.
وتكثفت الدعوات في البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ لمساعدة سكان حلب عشية قمة بين قادة الاتحاد الأوروبي.
ودعا رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر «أطراف النزاع للنظر عبر ضباب الحرب ولو لوقت وجيز، ما يكفي أقله لتذكر إنسانيتها وأن تسمح للمدنيين والنساء والأطفال بمغادرة (...) المدينة بأمان».
ودفعت المعارك المستمرة منذ بدء الهجوم على شرق حلب في 15 نوفمبر الماضي أكثر من 130 ألف شخص إلى الفرار من الأحياء الشرقية، نزحوا في معظمهم إلى مناطق تحت سيطرة قوات النظام في غرب حلب أو تلك التي استعادتها في شرق المدينة.
وفي الكويت، تظاهر نحو ألفي كويتي الأربعاء أمام السفارة الروسية في الكويت للاحتجاج على قصف الجيش السوري المدعوم من روسيا، لآخر معاقل مسلحي المعارضة في شرق حلب، حيث لا يزال آلاف المدنيين محاصرين.
ودعت منظمة التعاون الإسلامي «57 عضواً ومقرها في جدة» إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة في ما أسمته «حملة إبادة المدنيين الأبرياء» في حلب وإلى عقد اجتماع وزاري طارئ للمنظمة في 22 ديسمبر الحالي بمقرها.