سماح علام
ريم الجودر.. اسم لمع في الصحافة البحرينية لأكثر من 25 عاماً كان فيها القلم بمثابة رفيق حياتها الذي لم تتركه رغم المرض..
قبل ساعة من العام الجديد ووسط بهجة التهاني والأماني فجع الوسط الصحفي والإعلامي بوفاة الزميلة الصحفية ريم الجودر بعد صراع مرير مع المرض العضال الذي لم ينجح في وضع قلم ريم جانباً إذ كانت تكتب وهي في أوج صراعها مع آلامه.. توفيت ريم قبل أن تهنئ البحرين بعامها الجديد، وووري جثمانها الثرى ظهر أمس في مشهد مهيب، فكل محبي بنت الجودر لم يتخلفوا عن توديعها في مقبرة المحرق.. ترحل ريم مخلفة وراءها إرثاً ضخماً من المحبة، وذكريات وتفاصيل ستبقى حية في نفوس كل من عرفها، فهي ابنة المحرق البسيطة المبتسمة الحنونة.. وفي الآتي غيض من فيض ما تركته ريم في قلوب من عرفها.
يقول رئيس جمعية الصحفيين مؤنس المردي خسرت الصحافة صحفية نشيطة في عملها ومتميزة في أدائها، فعطاؤها المهني كنا نراه على أرض الواقع، كانت تتميز بالنشاط والحرفية والوطنية، عرفتها صحفية ملتزمة في عملها، خلوقة، وكل من يعرفها عن قرب يعرف أنها شخصية مبتسمة متفائلة، كانت تجسد الأمل في تصرفاتها دائماً حتى بعد مرضها، فقد عانت لسنوات وواجهت مرضها بصبر وأمل وقوة، بل كانت تبعث الأمل في من حولها دائماً رغم حاجتها هي للأمل.
ويضيف المردي «ننعى الفقيدة العزيزة، ونتقدم بأحر التعازي إلى عائلة الجودر بوفاة ابنتهم ريم التي ستظل حية في قلوب محبيها وكل من عرفها».
ويختم المردي حديثه، قائلاً «عملت الصحفية الراحلة في عدة صحف كما عملت في مجال إعداد البرامج التلفزيونية، وما لا يمكن نسيانه هو أنها كانت متمسكة بعملها رغم مرضها، ففي وسط العمليات وجلسات العلاج الطويلة التي تلقتها كانت تجد متنفساً بعملها وبعمل مقابلة أو كتابة تقرير، فلم يوقفها المرض عن الكتابة قط، بل كنا نجدها حاضرة دائماً في الساحة الإعلامية، نسأل الله تعالى لنا ولأهلها ومحبيها الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون».
إنسانة جميلة
ومن جانبه، يقول الإعلامي الكبير فريد أحمد حسن الذي عرف الزميلة الفقيدة منذ بداياتها في المجال الإعلامي «كانت ريم عزيزة جداً على قلبي وقلب زملائها وزميلاتها، هي إنسانة بسيطة، تعطي من يتحدث إليها شعوراً بالراحة، وكأنك تعرفها منذ زمن، لم تتدخل في شؤون الآخرين قط، كانت بسيطة وتتقبل الملاحظات المهنية، وأذكر أنها كانت تثق بي شخصياً، فقد كانت تعتبرني الأستاذ والصديق، وكثيراً ما كانت تستشيرني في أمور مهنية وشخصية على حد سواء، فقد كانت أختاً صغيرة محبة طوال سنوات معرفتي بها».
وأضاف «عرفتها مكافحة في عملها، فقد فرضت نفسها في العمل في الصحافة، وكانت شغوفة بالمهنة، وتجتهد في عملها.. كانت المرحومة تبعث السلامات دائماً لزملائها ومعارفها، وتنظم لقاءات اجتماعية بين الزملاء الذين فرقتهم الأيام، فهي متميزة في هذا الجانب، تذكر البعيد كما تذكر القريب.. لقد مارست دورها الإنساني الجميل في التواصل بين كل من عرفها، فهي جميلة الروح في كل تفاصيلها».
رغبة وأمل
الصحفي ورئيس قسم الإعلام بوزارة الأشغال حافظ عبدالغفار، من زملاء المرحومة منذ سنوات طوال، وفي رثائها يقول «مع إطلالة العام الجديد، فجعت بنبأ رحيل الزميلة ريم بنت حسن راشد الجودر وبقيت لمدة في ذهول وأنا أقرأ خبر رحيلها عن دنيانا، وكيف أن القدر المحتوم لم يمهلها لتحتفل بيوم ميلادها في الرابع من يناير!، وبالقدر الذي كانت فيه الزميلة الراحلة تحمل ألم المعاناة مع حالتها الصحية منذ سنواتها الأولى، إلا أنها كانت تحمل في ثناياها الأمل والروح المتجددة والرغبة في التميز والإبداع، وتشرفت بمعرفة عائلتها وهي من العوائل العريقة والأصيلة بالمحرق تحديداً وبالبحرين عموماً.. عرفت أولاً شقيقها راشد، ثم شقيقها عارف وكانا نعم الصديقين ونعم المعرفة وخلال فترة عملي بصحيفة الأيام (1989-2007) سنحت لي فرصة الالتقاء بالزميلة الشابة ذات العقلية اليافعة ريم الجودر التي كنت كلما قابلتها أمازحها منادياً «أهلاً بنت حسن» فأجدها ترسم ابتسامتها المتميزة وتطلق ضحكة خافتة تعبر عن نقائها».
ويواصل حافظ قائلاً «كانت طوال فترة التدريب الخاصة بها في قسم الأخبار المحلية تعمل بجد ونشاط وتستفسر وتسأل وتتواصل مع من حولها لمجرد أن تحرص على استكمال المهام المنوطة بها ولإنجاز تحضير كتابة الأخبار المطلوبة منها، وكان لديها حس صحفي بضرورة اقتناص المعلومة والانفراد بها، كما تطور عملها الصحفي من طور الأخبار المحلية القصيرة إلى طور الأخبار الثقافية والفنية، ومن ثم انتقلت إلى المقابلات المطولة والأحاديث الخاصة مع المسؤولين والشخصيات».
ويزيد قائلاً: «كثيراً ما كانت ريم تحرص على استشارة من سبقوها في هذا المجال لتعرض عليهم مقالاً أو فكرة ما للاستماع إلى آرائهم بغرض إثراء مقالها ومن منطلق حرصها على استكمال عملها بالوجه المطلوب.. تميزت زميلتنا الراحلة بحسن المعشر وصداقاتها مع الجميع بفضل بساطتها وعفويتها وروحها المرحة، وقد التقيتها ذات يوم بعد طول افتراق فأخبرتني بمعاناتها مع المرض العضال، وراحت بروح قوية تؤكد لي مدى ثباتها وعزيمتها على القبول بما كتبه الله لها، موضحة لي تماشيها مع مراحل العلاج وإن «الباقي على الله»». ويختم بذكرى جميلة لن ينساها «كانت المرحومة تسعد كثيراً حين أتصل بها وأبارك لها يوم ميلادها «4 يناير» من كل عام، وكانت تردد: «إنت حافظ على طول ما تنسى؟!» وحين تصادف ذكرى سعيدة لزميلة أو زميل تكون ريم أول المبادرين لتحضير المفاجأة من خلال هدية أو باقة ورد أو ما شابه، لمجرد أن تغرس في ذاكرة من حولها أنها «صاحبة واجب».. لا أملك سوى دمعة بالعين وغصة بالقلب ودعاء إلى رب العالمين أن يتغمدك بواسع رحمته ويسبغ عليك الأجر والثواب وحسن الآخرة».
ابتسامة حياة
أما الإعلامية فاطمة الحجري فترثي زميلة المهنة بقولها إن «ريم الجودر، يقترن اسمها بابتسامة، فلا يمكن أن تستحضر الاسم غير مقترن بابتسامة السلام التي كان عنوان ذاك المحيا، ابتسامة كانت تسخر من عذابات الحياة، تقاومها بشراسة، دخلت الصحافة وهي ابنة العشرين، بابتسامتها تعلمت وجعلت الصحفيين الكبار لا يبخلون في تعليمها فنون الكتابة، وبالابتسامة ذاتها دخلت الجامعة، وأكملت تعليمها في مجال الإعلام، لم يثنها تأخر القبول عن عزيمتها ولم يبعثر أهدافها وأحلامها، بالابتسامة أيضاً عبرت شطآن المرارة وتجاوزت فقد الأحبة الواحد تلو الآخر، قطعت المراحل التي رسمتها لنفسها، حتى بلغت قناعاتها والأهداف التي حددتها لنفسها».
وتضيف الحجري «ماذا يمكن أن نقول في رثاء ريم، وهي الإنسانة التي سطرت قصة رائعة ليس في مقاومة المرض، بل في التعايش بسلام معه.. إنسانة رقيقة جداً، أحبها الجميع لبساطتها وعذوبة تعاملها.. وعلى الرغم من قسوة المرض وعذاباته المستمرة، كانت تواصل الزملاء الذين فرقتهم مشاغل الحياة وانتقلوا للعمل في أماكن شتى، تتفقد أحوالهم، تبادر، ولا تسأم السؤال عنهم وإن لم يسألوا..ابتلاها الله بالمرض، لكنها واجهته بابتسامتها المعهودة، لم تجزع، لم تبكِ أبداً، كانت راضية تمام الرضا على ما كتب الله لها.. رحلت لتعطينا درساً جديداً من دروس الحياة، وتركت لنا طيف تلك الابتسامة».
لن ننساها
ويتحدث الصحفي إيهاب أحمد عن الزميلة الراحلة باحترام وتقدير قائلاً «عرفت عن المرحومة ريم الجودر الإصرار والتحدي فرغم الظروف القاسية التي كانت تمر بها إلا أن الابتسامة لم تفارق محياها، كما أنها كانت شديدة التعلق بعملها رغم ما تمر به، ففي آخر مراسلة كانت بيننا قبل خمسة عشر يوماً كانت تأمل في العودة للصحافة التي تعشقها وللتلفزيون بعد رحلة علاجية قادمة.. كانت ريم من الفئة الطموحة التي لا يقهرها المستحيل، كما أنها رحمها الله كانت طيبة القلب متسامحة لا تنفك عن مناداة زملائها وزميلاتها بالشقيق والشقيقة فرحم الله شقيقتنا الغالية».
جارتنا العزيزة
بدوره، قدم الصحفي والكاتب علي شاهين وكان يجاورها في المكتب لسنوات، لمحة خاصة عن فقيدتنا قائلاً «كان خبر وفاة الزميلة والأخت العزيزة ريم الجودر صعباً عليّ جداً، ليس اعتراضاً على القضاء والقدر -لا سمح الله- ولكن لأن ريم كانت من أوائل زملائي في صحيفة الأيام عندما انضممت لها في العام 2000، في قسم الأخبار المحلية، وبعد مضي أقل من سنتين كانت ريم رحمها الله جارتي، حيث كان مكتبها ملاصقاً لمكتبي، وبقينا على هذا الجوار الأخوي -كما أعتقد- أكثر من خمسة أعوام». ويضيف «عندما يكون مكتب زميلك في العمل بجوار مكتبك فإن العلاقة بين الاثنين تكون أقوى من باقي الزملاء في نفس القسم أو في المنشأة، وهكذا كنت مع ريم رحمها الله ولسنوات، كان جوارنا متميزاً في كل شيء، وكنا نتحدث عن أمور العمل وحتى الخاصة، فكانت بالنسبة ليست مجرد زميلة بل أخت كبيرة أثق فيها، وأحرص على الاستماع لرأيها قبل الاستماع لآراء الآخرين، وعندما يكون عندي واجب اجتماعي تجاه أحد معارفي فإن ريم هي ملجئي وكنت أثق في ذوقها الرفيع وأحب جداً الاستماع إلى اقتراحاتها».
ويزيد قائلاً: «كانت ريم عندما تغيب عن العمل أو تكون مشغولة في تغطيتها لحدث خارج الجريدة، كنت أول من يسأل عنها، وكنت دائماً أدعوها بـ»جارتي العزيزة» فكان بعض الزملاء يسألونني عند غيابها: أين هي جارتك اليوم؟ وهل رجعت جارتك من التغطية الفلانية؟ وهكذا، وحتى هي فكانت تدعوني بـ»شقيقي» أو «علاوي»، وكانت دائمة الضحك ووجهاً بشوشاً دائماً، وعندما تكون في مكان ما فإنها تجعله مكاناً بشوشاً مثلها». لا يتوقف الحديث مع علي شاهين ففي ذاكرته الكثير من ملامح هذه الإنسانة الجميلة، إذ يواصل قائلاً: «كانت رحمها الله تحرص على رأيي في بعض الأمور حتى وإن كان لشأن يخص علاقتها هي بآخرين لا أعرفهم، ولكنها كانت تحب أن تستمع إلى وجهة نظري، وتقول عني أنني لا أجامل أحداً، واعتبرت ذلك وجهة نظر منصفة وغير متحيزة، وعندما كنا نصيغ الخبر بخط يدنا -وكنا نفعل ذلك- فكانت دائمة الضحك على خط يدي لأنها تملك خطاً جميلاً وواضحاً ومتناسقاً جداً رحمها الله، وهذه الصفات ليست ضمن صفات خط يدي أبداً، وكانت إذا أرادت صياغة جملة ما، ولم تجد لها تعبيراً مناسباً، فكنت المستشار الخاص لها، وتقول لي دائماً «أنقذتني شقيقي»... بيني وبين ريم الجودر رحمها الله علاقة زمالة وأخوة مميزة وذكريات عديدة لا يمكن سردها في سطور بسيطة، فهي زميلة يصعب نسيانها، فشعوري بأنني لن أراها مجدداً أو لن أسمع صوتها وهي تقولي لي «أهلاً أمي» -كما الأمهات- لهو شعور صعب للغاية، وكل عزاؤنا الحار لعائلتها الكريمة، ولزوجها الفاضل بدر الناصر.
رحم الله ريم الجودر وأسكنها فسيح جنانه وألهم ذويها وكل محبيها الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.