أن تختم الأشياء بطريقة صحيحة مثالية لا تتحقق في الحروب عادة لكون قيم القتال غير عقلانية أصلاً، والقيمة الإيجابية الوحيدة فيها هي رصد اللحظات السابقة لسقوط كيان ليسهل علينا قراءة سقوط كيان آخر، وتخفي المعطيات على الأرض السورية طبيعة وشكل خواتيم الأمور لنظام دمشق، أما قرب نهايته فتتفق آليات التحليل وتقدير الموقف على أنها وشيكة، كما إن تدفق انتصارات الجيش السوري الحر من كل الجهات سيصب دون شك في ساحة الأمويين بناء على جيولوجيا فن الحرب، وستكون معركة دمشق معقدة وهذا طابع حرب المدن. لكن تطوراتها ستكون أسرع مما هو متوقع بكثير، والتجليات الأولية لها حتى الآن تظهر أنها ستكون مربكة ومؤلمة ومن تلك التجليات: 1- تقرب الجيش الحر من “باب حارة” القصر الجمهوري، وحقن النظام بجرعة كيماوي وحيدة تعدى تأثيرها محاصرة “الخلية “السرطانية المكونة من وزير دفاع نظام الأسد داود راجحة ونائبه آصف شوكت ووزير داخليته محمد الشعار ورئيس خلية الأزمة حسن تركماني، لتؤدي لتساقط شعر النظام في أجزاء عدة أخرى. 2- أدى مقتل القادة العسكريين الأربعة لفقدان المؤسسة العسكرية لتوازنها، حيث عاش ضباط الجيش السوري طوال حياتهم في تسلسل قيادي جامد قتل فيهم روح المبادرة، مما جعل الشعور باليتم المهني والارتباك ثم الانشقاق والهرب الإجراء الطبيعي المتوقع منهم بعد غياب قادتهم. ولسقوط دمشق لا بد من خوض حرب مدن “Urban warfare”؛ وهي نوع من الحروب معقد جداً، ومتحرك بسرعة. وتشكل تحدياً في كل شيء، بدءاً من عمليات الاتصال إلى حركة الجنود، حيث إن العمارات والسراديب تطيل مساحة الصراع وتقصر مدى المواجهة، وتصبح الهجمات فجائية. مما يحتم على الجيش الحر القيام بإجرائين: أولهما: إحكام الدائرة حول العاصمة واحتلال البلدات المحيطة بها، فهي أوتاد دمشق الاستراتيجية التي يعني انهيارها انهيار خيمة الدفاع عنها، ودفع قوات الأسد للتخندق وعدم الدخول في معركة خاسرة. وثانيهما: هو وقف العمليات العشوائية والتنسيق القتالي عبر عمليات واضحة المعالم. والتواصل العسكري والسياسي الذي سيربك حسابات الأسد بين الجيش السوري الحر والمجلس الوطني؛ الذي عليه إدارة مهمته إعلامياً وسياسياً وأمنياً بتركيز عالٍ لمنع تنازع الأطراف المنتصرة على مقاليد الحكم. ولو تتبعنا مسار الأحداث في المرحلة الأخيرة من سقوط العواصم في الربيع العربي -والتتبع هو القيمة العقلانية الوحيدة من الحروب- لوجدنا خطوات مشتركة منها التعبئة الاجتماعية ضد النظام وقيام الثوار بعمليات نوعية تزيل هيبته، واستغلال لحظة الحماس الجماهيري لدفعهم -رغم الاشتباكات- للخروج للميادين والساحات، حيث سيدفع تلاطم موجات المد الشعبي غثاء السيل من أعوان النظام ذوي الولاء الهش للتلاشي أو نقل البندقية لكتف آخر، أما أهم مراحل احتلال دمشق المتوقعة فستتضمن: 1- الدخول في اشتباكات عَنيفة مع الفرقة الرابعة مدرعات والحرس الجمهوري والشبيحة في مناطق مُختلفة داخل المدينة بالتزامن مع زحف قوات الثوار على شكل أنساق محددة الاهداف لا تلتفت لغيرها، كما في عقيدة القتال الشرقية. 2- اقتحام الثكنات العسكرية الكبيرة؛ لأن المنسحبين وكغريزة عسكرية يعودون لثكناتهم عندما تضيق بهم السبل، سواء للاستعداد لشن جولة قتال، أو الراحة أو العلاج أو حتى لخلع زيهم العسكري وطلب السلامة كمدنيين. 3- الزحف للمعتقلات والسجون ومقار الاستخبارات لتحرير السجناء والمُعتقلين حتى لا يقتل الأسد وزبانيته من فيها من الأسرى والوطنيين، او استخدامهم للمقايضة أو كدروع بشرية. 4- سيصبح الوصول لساحة الأمويين وهي أكبر ساحة في دمشق لرفع علم الثورة هدف لكل وحدة مقاتلة، وسيكون هناك تنافس خطر بين تشكيلات للثوار. فقد تأصلت أهمية هذا العمل الرمزي بدخول شارل ديغول ميدان النجمة تحت قوس النصر في باريس أغسطس 1944م. ودخول القوات الكويتية ساحة العلم 26 فبراير 1991م بعد طرد الغزاة العراقيين . 5- لن تسكت أصوات الرصاص بعد انجلاء غبار المعركة بل ستستمر صليات الكلاشنكوف في الليالي اللاحقة، سواء لأسباب احتفالية، أو لتطهير المدينة من بقايا قوات الأسد أو لإخماد مصدر نيران فصيل قناصة ومجموعة شبيحة مخربة يتجدد أملهم في معركة أخيرة تعدّل من موازينهم الخاسرة. 6- سيعم الدَّمار قلب المدينة وسيكون هناك من يقع على عاتقه تخفيف الأضرار التي لحقت بسكان العاصمة جراء تحريرها، ويتطلب الوضع إنشاء فرق لشؤون المدنيين والمعروفة عالمياً في الجيوش باسم “CAG” لإغاثة المحاصرين وإرشادهم اثناء القتال للملاجئ، كما تقوم بعلاج الجرحى وتفرز المقاتلين الشبيحة وجنود الأسد الهاربين عن بقية المدنيين. وفي عصر انكماش “القناة الأولى” من تلفزة الربيع العربي؛ لن تنقل وسائل الإعلام نشاطاً طويل العمر الجديد في دمشق عند افتتاح نشراتها الإخبارية كما فعلت طوال 40 عاماً. كما لن تنقل صور منتسبي الجيش الحر وهم يتلقفون الزهور من شرفات صبايا دمشق، بل ستبث تسجيلات صوتية لبشار الأسد -المهووس بالخطابة حد الجنون- وهو يحرض بقايا أتباعة ويحذر الشعب من مخططات الإمبريالية والصهيونية والخليجية، فالأسد يعاني كصدام والقذافي من معضلة سوء إدراك مآلات الأمور، كما ستبث اجتهاد الثوار وهم يطلبون الزيادة فيقعون في النقصان وسيكثر فيها النقاش والمداخلات والأوراق عن تجاوزات الثوار ولو كانت في مرحلة التهمة. كما ستبث خلافاتهم على المناصب وصرف المكافآت، بل وكل ما تكتبه منظمة العفو الدولية “Amnesty International” من ساحة الأمويين من تقارير عن ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية والاعتقالات التعسفية وتعذيب السجناء. المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج