منذ طفولتي وأنا أسمع أن “14 فبراير” هو عيد الحب “الفالنتاين”، وأعيد تصحيح الاسم ليصبح “يوم الحب” أو “ذكرى الحب” أو يوم “14 فبراير”. فمهما اختلفت التسميات يبقى شيئاً جميلاً، تمر ذكراه علينا بقناعة المؤيدين من جهة، وارتفاع أصوات المحتجين من جهة ثانية، وبمناظرات المتحفظين من جهة أخرى مختلفة.
ففي هذا اليوم تزهو معظم المدن بالورود الحمراء، الأمر الذي كان يثير انتباهي ومعه مجموعة من الأسئلة والتساؤلات. كنت أسأل ببراءة متناهية “ماذا يعني عيد الحب؟ وما أزال أذكر بأن أول مرة سمعت به، فرحت كثيراً، لاعتقادي بأننا سنأخذ إجازة من المدرسة وذلك كمثيله من بقية الأعياد والمناسبات الوطنية” فكنت أحصل على إجابات ولكن متنوعة، فهل هو خجل أو عيب؟! وإن كان أحد المعنيين ينطبق عليه فلما أغلبية من حولي يحتفلون به بصوت خافت، وكأنهم يرتكبون فاحشة ما؟! كبرت وعرفت ومازالت الأصوات تعلو بين مؤيد ومعارض ومحافظ.
إن كل الأديان والتشريعات بفحوى اختلافها تدعو إلى الحب والمحبة. إذا كان الحب أو الكلام بالحب فيه شيء من العيب أو منافٍ للأخلاق، فماذا نقول عن عقوق الوالدين، وضرب الزوجات، ونهر الأخوات، والتفرقة في تربية البنين والبنات؟! وماذا نفسر الجرائم والحروب التي ترتكب كل يوم وكل ساعة وكل لحظة في زماننا؟! ماذا نعرف الشيطان الأخرس الذي يرى الحق ويتغافل عنه؟! أليس هذا ما يجب استنكاره ورفضه؟!
أما عن الفئة المحايدة والتي تقول بأنه فكرة غربية وفرصة تسويقية لتنعش الأسواق التجارية، فالمحلات التجارية والمجمعات والمراكز السياحية تنتعش باسم الحب، فما الخطأ في هذا؟! فعزاء البعض وتبريرهم لاستنكاره بأنه فكرة مقتبسة من الغرب.
سؤالي والذي بات دائماً يخطر على بالي، أليس هناك من المناسبات الأخرى والعديدة مقتبسة أيضاً من الغرب؟! فلنتأمل حولنا قليلاً: أليس كل شيء نستخدمه في حياتنا اليومية إن لم يكن مولوداً غربياً إلا أن فكرته وللأسف من الغرب؟! أكلنا، وشرابنا، ولباسنا، وسياراتنا، وهواتفنا النقالة، وبرامجنا التلفزيونية، ومناهجنا التعليمية، حتى جهاز الحاسوب الذي كتبت عليه مقالي هذا أليس منتجاً غربياً والكثير الكثير؟!
ولكل شخص يستنكر هذا اليوم لمجموعة من المبررات، أود أن أقول له وبكل محبة إن هذا اليوم بات ومن عام 2005 ذكرى أليمة للشعب اللبناني الشقيق باستشهاد أحد رجاله الأوفياء، وهو رئيس الوزراء الشيخ رفيق الحريري رحمه الله. نعم، فقد لبست جدران لبنان الحبيب ثوباً أحمر منسوجاً بدمائه الطاهرة وعلت صيحات الألم والأسى على وجوه اللبنانيين الأوفياء.
ومن عام 2011 نعيش نحن البحرينيون يوم ترقب واستنفار، لا نعرف في أي شارع نسير، أو بأي اتجاه نجول؟! فمملكتنا الحبيبة في ذكرى ذلك اليوم الذي أعلن فيه ميثاقها، أبناؤها الأوفياء يستنشقون دخان إطارات السيارات المحترقة التي تزرع في أواسط الشوارع، وتتشح المملكة بسواد قلوب العابثين.
ورغم الخوف الذي بات يخيم على قلوبنا، من أي أذى يمكن أن يلحق بنا، من عبث الرافضين لانتشار الحب والسلام على أرض مملكتنا الحبيبة، إلا أنه لم ولن يمنعنا في أن نعلن حبنا الأكبر وولاءنا لوطننا وقادتنا واستعدادنا للذود عن أرضنا العزيزة ومكتسباتها.
فإن كنت أحصل على نصف جواب في صغري، إلا أنني لا أملك الجواب الآن، عندما يسألني أطفالي ودموع الخوف تغسل وجوههم: “ليش في نار في الطريق؟؟”، فأين نحن من المعنى الحقيقي لـ 14 فبراير؟!
فأين الحرام وأين العيب وأين الخجل بأن يحتفل الناس بيوم الحب؟! فالحب لا يقتصر على العاشقين، بل يجب أن يكون العملة التي لا تبلى أبداً، وخبزنا اليومي، الذي نقتات به، والماء الذي نروي بها ظمأنا في كل ساعة، وكل يوم وكل ليلة بين جميع الأفراد. فلا يحق لنا أن نخفي الحب فقط لنرضي عقليات تهشمت بسبب جحودها، وصدأت بسبب قسوتها، فأينما انتشر الحب انتشر معه الأمن والأمان.
فليس القصد من كل ما ذكرته إقناعكم بوجهة نظري، وإنما أن ننظر للأمور من منظار واسع فسيح، مبني على الحب والصدق، الذي بات عملة صعبة في يومنا هذا.
باختصار، المشكلة متمركزة بمحور تفكيرنا، وليس في الحب، الذي يكون مفتاح كل أمر جميل في حياتنا.